بقلم : عبدالله عيسى
الهزيمة ليست عسكرية دائما ولكن أشدها ألما الهزائم العسكرية وما أكثرها .. فيها تتلاشى البطولات ولا يرى الناس إلا العار وفي المعارك كما يقول الشاعر الفلسطيني معين بسيسو :" قد يكون البطل هو ذلك الجندي بلا اسم في التاريخ وقد يكون البطل قائد تطرز صدره النياشين وقد يكون البطل نافذة تطل منها فوهة بندقية ".
حالة هوان وذل يعيشه العالم العربي منذ 60 عاما بدأت بهزائم عسكرية ما زلنا نبحث بأسبابها وظروفها حتى الآن لأننا لم نخرج بعد من الهزيمة التي سكنت في نفوسنا وتحولت من عسكرية إلى ثقافية وعلمية وحضارية وسياسية .. حال أشبه بالغزو المغولي لبلاد العرب والانهيار الذي أصاب الأمة آنذاك حتى نهضت على يد الظاهر بيبرس وقطز .
وفي مثل هذا الوقت كانت الأمة العربية تموج استعدادا لحرب ضد إسرائيل وكلنا يذكر حرب 1967 بمرارة العلقم حتى الآن لأننا لم نخرج منها بعد بالأرض مقابل السلام ولا بسلام الشجعان ولا بأغاني السلام . وطويت بطولات فلسطينية وعربية تستحق التأريخ وان تدون في سجل الشرف والبطولة وان لا تنسينا الهزيمة أولائك الرجال والشهداء .
الجندي العربي كان وما زال بطلا ولكن بعض قادته خذلوه وحقيقة انه لم يخض حربا حقيقية إلا بعد معركة الكرامة في الأردن التي خاضها الجيش الأردني والثورة الفلسطينية ودحرت القوات الإسرائيلية بهزيمة عسكرية مشهودة .
هول هزيمة حرب 1967 جعلنا لا نتذكر الطيار الأردني فراس العجلوني الذي قصف حيفا بطائرته لمرتين قبل أن يستشهد على ارض مطار قاعدة المفرق الجوية وهو يعد طائرته لقصف حيفا للمرة الثالثة .. ومعركة باب الواد في القدس الذي تحدث عنها وزير الدفاع الإسرائيلي دايان أكثر مما تحدثنا عنها وكيف حارب الجيش الأردني ببسالة مشهودة .. تلك هي القدس التي جعلت الجيش الأردني يستبسل في الدفاع عنها حتى نفذت الذخيرة ويلحق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي .
في حرب 1967 تقدمت الدبابات الأردنية في عمق إسرائيل على جبهة القدس ووادي اللطرون حتى قام الجيش الإسرائيلي بهجوم معاكس ودحر القوات الأردنية .. انظروا ماذا فعل الجيش الإسرائيلي .. فقد جاء بدبابة أردنية معطوبة ورفعها على قائمة إسمنتية ضخمة في عمق إسرائيل حيث دارت المعارك وحولها إلى نصب تذكاري للشعب الإسرائيلي " هنا وصل الجيش الأردني وقمنا بدحره ".
وعلى الجبهة المصرية شهدت سيناء بطولات طوتها الهزيمة فكانت حرب الاستنزاف التي ضربت الجيش الإسرائيلي بمقتل . بل أن حرب الاستنزاف ألحقت خسائر عسكرية ومعنوية مدمرة للجيش الإسرائيلي عندما قام جمال عبد الناصر بإعادة بناء الجيش المصري ورفده بقيادات عسكرية باسلة ونخص بالذكر الشهيد عبدالمنعم رياض الذي استشهد على الجبهة مع جنوده .
وجع الهزيمة اغفل تماما بطولات مصرية لان الجندي المصري لم يهزم .. والجيش المصري لم يهزم وإنما هزم القادة عبدالحكيم عامر وشمس بدران وعندما تغيرت القيادة حقق الجيشان المصري والسوري الانتصار التاريخي في حرب أكتوبر المجيدة .
لا احد يذكر أن الدبابات السورية وصلت مشارف طبريا في الأيام الأولى لحرب أكتوبر ولا احد يذكر أن قتالا بالسلاح الأبيض كان يدور في الجولان بين الجيش السوري والإسرائيلي وان القتال على الجبهة السورية استمر 5 شهور ورفضت سوريا وقف إطلاق النار .
الجندي العربي لم يتخاذل يوما والجيوش العربية عندما تتوفر لديها إرادة القتال والقرار السياسي والإعداد تحقق الانتصار الساحق كما فعلت ثورة أبو عمار المنتصرة والتي أوصلت الشعب الفلسطيني لإقامة دولة فلسطينية وكما فعلت حرب تموز 2006 وكما فعلت المقاومة بغزة .
وهنا سنروي قليلا مما يفسر هزيمة القادة وليس الجيوش العربية فقد روى حسين الشافعي نائب الرئيس المصري الأسبق قصص كثيرة عن أسباب وظروف هزيمة حرب 1967 فقال:" عشية حرب 1967 وصل للاتحاد السوفيتي معلومات سرية عن نية إسرائيل ضرب مصر وسوريا فطلب وزير الدفاع الروسي من القاهرة وفدا عسكريا على جناح السرعة للتباحث في معلومات سرية وخطيرة .
أرسل وزير الدفاع المصري وفدا عسكريا ولكن الروس لم يمهلوا الوفد وانتظروه في مطار موسكو للتوجه للاجتماع مباشرة بدون تأخير وفوجئ الروس بالوفد العسكري الرفيع يحمل كراتين سمك ومأكولات مصرية حملها الوفد الرفيع لأعضاء السفارة المصرية الذين طلبوا منهم ذلك .. بهت الروس من لامبالاة الوفد العسكري المصري وقالوا " هل ترون الوقت مناسب لحمل هدايا ومأكولات للسفارة والحرب قد تندلع بين لحظة وأخرى ".
وفي اجتماع وزير الدفاع المصري شمس بدان " وهو شخص جاهل كان مديرا لمكتب عبدالحكيم عامر وعينه وزيرا للدفاع من باب الولاء لشخصه على حساب القوات المسلحة المصرية " حيث كان الروس حسب رواية الفريق محمد فوزي يشعرون بقلق على مصر لان أمريكا زودت إسرائيل بطائرة حربية من طراز ف 5 فقال شمس بدران " لدينا طائرة حربية من طراز كذا تستطيع مواجهة ال ف 5 ".
ساد الاجتماع صمت ثم ضحك الجنرالات الروس لان الطائرة المصرية الروسية الصنع التي يتحدث عنها شمس بدران في أقصى سرعة لها في الوضع القتالي لاتزيد سرعتها عن سرعة الطائرة التجارية بينما ال ف 5 تفوق سرعتها سرعة الصوت !!.
وبعد حرب 1967 وفي زيارة لوزير الدفاع اليمني إلى موسكو تم التفاوض مع الروس على شراء طائرتين من نوع ميج وتم الاتفاق وجاء دور البيان الختامي المشترك للزيارة على الطريقة الروسية وكان البيان ينص على مطالبة إسرائيل بالانسحاب إلى حدود ما قبل حرب 1967 .. وهنا انتفض الوزير اليمني وقال لن أوقع على بيان كهذا .. نحن لانعترف بحدود 67 ويجب إزالة إسرائيل من الوجود .
دار جدال طويل والروس يحاولون إقناع الوزير اليمني أن روسيا أصلا تعترف بحدود إسرائيل في مناطق 48 ولكن بعد ذلك لاتعترف بحدود 67 .
رفض الوزير اليمني كل الشرح والمبررات الروسية وهنا قال وزير الدفاع الروسي غاضبا" اشرح لي كيف ستزيل إسرائيل من الوجود وأنت هنا لشراء طائرتين فقط .. هل ستدمر إسرائيل بطائرتين ؟".
فقال الوزير اليمني :" وما علاقتنا بتدمير إسرائيل أو الحرب أصلا .. مصر التي ستحارب وليس نحن"!!!.
في مثل هذا الوقت من عام 1967 كانت الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بشكل خاص يعيش على أمل النصر والعودة والإذاعات العربية تقرب الأمل البعيد حتى أن بعض الفلسطينيين حزموا حقائبهم للعودة إلى ديارهم فكانوا في واد والجيوش العربية ضحية بعض قادتها في واد وبعض القادة في واد آخر كما يقول الشاعر احمد فؤاد نجم والشيخ إمام في رائعة " أربعة يدخلون النار بشدة"..
اخبار ذات صلة
المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2014/04/29/530371.html#ixzz30MQegF2q
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق