نظرة أبعد للمصالحة :
الخطوة الأخيرة قبل الاتفاق النهائي مع أمريكا
كتب غازي مرتجى
عندما تحدث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي عن المفاوضات الجارية وقال ان القيادة الفلسطينية لا تفاوض اسرائيل وانما تفاوض الولايات المتحدة , استهزأ الكثيرون من تصريحاته ووصفوه بـ"الثوري" غير المتابع لمُجريات الأمور , ولكن لو قرأنا المفاوضات من زاوية مختلفة سنجد أنّ كلام زكي هو الكلام الذكي وما وراء تصريحاته الكثير التي قد يمر عليها الكثيرون مرور الكرام .
الولايات المتحدة الأمريكية لن ترضخ للأمواج التي تحاول إجبارها عن الابتعاد عن مهمة " شرطي العالم " ولن تسمح بأي حال من الأحوال بعودة الاستقطاب والحرب الباردة وإستعادة القطب الروسي لدوره , أو حتى خلق أي تحالفات تحاول أن تحل محل "الولايات المتحدة" .
في العالم أجمع يُنظر إلى من يرعى القضية الفلسطينية ويُسيطر على مفاصلها بأنه "الأقوى" , ولن تسمح الولايات المتحدة وخاصة في ظل الظروف الحالية من فقدان دورها في الشرق الأوسط لأنها فيما لو فقدته في المرحلة الحالية وهي المرحلة الأدق فعندئذ بإمكاننا التنبؤ بـ"الصومال" كقوة عالمية جديدة !
الزميل عبدالله عيسى كتب مقالاً كشف فيه ما قيل وما لم يُقل عن دولة غزة , ولو تذكرون في بداية أوسلو كان الطرح الأمريكي الإسرائيلي على ياسر عرفات "غزة أولاً" وأصرّ ياسر عرفات -لعلمه بما يدور وبما يُخطّط له ولقضيته- في بداية المفاوضات وانشاء السلطة الانتقالية على "غزة - جنين" لكن في النهاية وافق الاسرائيليون على "غزة - أريحا" أولاً وهي النقاط اللادينية في توراتهم .. فغزة وأريحا ساقطة دينياً في العقيدة اليهودية وما يهم الاسرائيليين "يهودا والسامرة" , ما يعني انّ مخطط "غزة" كان على الأجندة الأمريكية دوماً ويلخّص حلاً نهائياً للفلسطينيين باقامة دولة مستقلة في القطاع , ولا ضير إن قلنا أنّه وفي مرحلة من المراحل تم اعداد "مشروع قانون" في الامم المتحدة يخص دولة غزة وهو ما أسرّ لي أحد الاصدقاء بهذا المخطط وهو على علم بتفاصيله كاملة .
"دربكة" المشير السيسي التي أحدثها في مصر وحالة الخنق الشديد إعلامياً وسياسياً ضد غزة أوقفت كل الأحلام الأمريكية والإسرائيلية وعادت الولايات المتحدة إلى فكرة اتفاق نهائي في الضفة ومن ثم يتم تطبيقه في غزة وهو ما يحتاج لسنوات بعيدة .
"مصر" بقيادتها بشعبها وبعد حملة التشهير المريبة ضد غزة لن تقبل أي "غزّي" على أراضيها , وكل من يخرج من غزة ويشاهد النقمة الكبيرة ضد "غزة" يعلم يقيناً أن ضم غزة إلى مصر أصبح في "خبر كان" .
على الجانب الفلسطيني , يعلم الرئيس ابو مازن يقيناً أنّه بدون غزة لا يمكنه تحقيق ما يريد ولا حتى الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية , ويعلم تماماً أن حركة حماس وعلى الرغم من الحصار الخانق مؤخراً إلا انها تتمتع بذراع سياسي طويل قد يؤثر عليه كثيراً مستقبلاً وقد يُنهي أي اتفاق نهائي مع اسرائيل يُراد صياغته .
وفي نفس الجانب , تعلم حركة حماس يقيناً أنها لن تستمر بالاعتماد على الانفاق -سابقاً- أو الأموال المهربة ففي غزة لا مقومّات لوجود دولة , وهي بالتأكيد وبحسب متحدثيها ترفض فكرة توسيع غزة وترفض فكرة "دولة غزة" تماماً , لذا فلا مجال لها إلا الانضمام للحالة السياسية الحالية وهي ليست على عداء كبير مع الولايات المتحدة بل يُمكن ان تكون نظرة الولايات المتحدة لحماس كما نظرتها لمنظمة التحرير , وحماس تعلم تماماً أنّ الاستمرار بالتجوّل داخل "النفق المظلم" لن يفيدها ولن يفيد القضية ايضاً .. فاقتنعت حماس بضرورة تشكيل حلف أقوى مع الرئيس ابو مازن حتى لا تضيع بين "حانا ومانا" ومن السهل على الولايات المتحدة واسرائيل جعل حماس كما "منظمة الشباب الاسلامي" في الصومال .. لو أرادت ومعها العرب !
على الجانب الاسرائيلي يسير "المعتوه" نتنياهو دون أن يدري إلى أين , وهو بالفعل لا يفقه بالسياسة كثيراً كما حاله في العسكرية , فهو كما ذكرت سابقاً يعيش على آهات مقتل أخيه وتاريخ والده .
القناعة التي توصلّت لها السياسة الحديثة تؤكد أن أي اتفاق بين طرفين متنازعين لا يُمكن إنهاؤه سوى من صقور الطرفين , ففي اسرائيل وعلى الرغم من تصريحات "ليبرمان" الهوجاء والتي تشبه الى حد كبير تصريحات المجحوم "شارون" وهذا المجحوم هو صاحب فكرة الانسحاب الأحادي الذي لو استمر نتنياهو في حكمه مليون سنة لن يجرؤ على اتخاذ هكذا قرار .. لكن ليبرمان يستطيع ..!
الولايات المتحدة وبعد أكثر من عشرين عاماً من المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وصلت الى قناعة تامة أنّ دولة فلسطينية بحدود معروفة ونهائية وتنازلات اسرائيلية صغيرة مقابل تنازلات فلسطينية كبيرة ستؤدي في النهاية إلى اتفاق سلام نهائي .
منذ أحداث الانقسام حاولت اسرائيل والولايات المتحدة تفعيل مشروع دولة غزة وطُرح على حسني مبارك ورفض المشروع جملة وتفصيلاً , وبحسب ما نُقل عن المعزول محمد مرسي فقد كان موافقاً على المشروع .. هذا ما تحدث به الاعلام المصري الذي لا يُمكن الاستناد عليه كدليل .. لكن عودة القومية العربية بعودة المشير السيسي أغلقت باب "دولة غزة" إلى الأبد .
إن الاتفاق بين منظمة التحرير وحركة حماس لم يكن وليد اجتماعين يتيمين في غزة لم يتجاوزا الست ساعات وإنما كان نتاج مباحثات مضنية ومستمرة منذ سقوط الإخوان وإنتهاء فترة "العدّة" التي توقع فيها البعض تقلّب الوضع السياسي المصري , واستمرار القيادة الفلسطينية بالمفاوضات دون الأخذ بعين الاعتبار حالة الانقسام السياسي الحاصل والاذلال الاسرائيلي الذي تعرضت له القيادة الفلسطينية بأنكم لا تحكمون على "جرابكم" في غزة !.
اقتنع في النهاية الطرفين "حماس - فتح" بأن تشكيل رافعة وطنية واشتراكهما في تقرير مصير القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني .. هو الحل , فحركة حماس التي توافق على حدود 67 مقابل تهدئة طويلة الامد لن تقف حجر عثرة في اي اتفاق يضمن ما تطمح اليه الحركة -حدود 67- والرئيس ابو مازن صاحب فكرة الدولة المستقلة على الحدود الدولية سيشكل انضمام حماس له ولفكرته رافعة قوية جداً وحاضنة شعبية على الاقل .
بقي امام الرئيس ابو مازن المتنطحّين من داخل فتح والذين سيُزاحوا ديمقراطياً في انتخابات المؤتمر السابع للحركة , وحينها تكون الطريق سانحة امام الرئيس بتحالف حماس معه لإنجاز الاتفاق النهائي الذي ستعارضه حماس شكلاً وتكون معه مضموناً وربما يُعارضه بعض من فتح .. لكن في النهاية سيصبح أمراً واقعاً .. و أوسلو حاضرة
المصالحة بين حركتي فتح وحماس لها ما بعدها وحالة النضوج السياسي الذي وصل اليه الطرفين ستؤدي حتماً إلى اتفاق ناضج يلبّي الحد الادني من الحقوق الفلسطينية على قاعدة , فلنحصل على المُستطاع إلى أن نستطيع .. وعندها اقضوا على اسرائيل !
المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2014/04/27/529094.html#ixzz30MdWUI13
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق