حماس امام مأزق صعب يتحتم مراجعة مواقفها وتحالفاتها.. وخيارات مشعل لمغادرة قطر محدودة.. وبوابة ايران قد تفتح قريبا

 atwan-555.jpg44

عبد الباري عطوان

السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية “حماس″ يعيش ظروفا صعبة هذه الايام، وبات محدود الحركة وكأنه تحت الاقامة الجبرية في مقر اقامته الحالي (دولة قطر) لاسباب خارجة عن ارادته.

قبل ثورات او انتفاضات او مؤامرات الربيع العربي، سمها ما شئت، كان الرجل مليء السمع والبصر، يتنقل مثل النحلة من بلد الى آخر، فتارة يحط الرحال في طهران ويلتقي مرشدها العام في ظل حفاوة لا يتمتع بمثلها احد غيره، وتارة اخرى في القاهرة لرئاسة اجتماع قيادي للمكتب السياسي لحركته ولقاء زعماء الحركة القادمين من غزة، او للمشاركة في اجتماعات المصالحة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس برعاية اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية الراحل، وتارة ثالثة يعرج على لبنان للاجتماع مع السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله اللبناني، ولا ننسى في هذه العجالة زياراته المتكررة للعاصمة التركية انقرة حيث تربطه صداقة وتحالف قوي مع السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي.

السيد مشعل كان يتمتع “بوضعية” متميزة في دمشق، ويستقبل ضيوفه في مقر اقرب الى مقرات الزعماء وقادة الدول، ويحظى بحماية امنية لا يتمتع بمثلها الا شخص رئيس الجمهورية السورية وبعض قادة الصف الاول في الحزب والحكومة، في وقت اغلقت دول كثيرة الابواب في وجهه لاسباب عديدة ليس من بينها تحالفه الوثيق مع سورية او ايران قطعا، وانما تبني حركة حماس للمقاومة المسلحة وما يتفرع عنها من عمليات استشهادية واطلاق صواريخ على اهداف في العمق الاسرائيلي.

شهر العسل مع سورية وقيادتها اقترب من نهايته عندما تعاظمت المظاهرات المطالبة بالتغيير الديمقراطي، وضاعف النظام من شراسته في مواجهتها، وتكثيف استخدام الحلول الامنية والقبضة الحديدة للسيطرة على الموقف بأي ثمن كان، وتعاظمت معها الضغوط من ناحية والمغريات من ناحية اخرى على السيد مشعل لمغادرة سورية الى الدوحة التي كانت تنفرد بزعامة الملف السوري، وتدعم المعارضة بالمال والسلاح، وتستضيف قياداتها السياسية في فنادقها الفخمة، وتشكل منها مظلة (المجلس الوطني السوري) بديلا للنظام السوري بدعم من تركيا ودول غربية على رأسها الولايات المتحدة.

***

الانطباع السائد لدى حليفي السيد مشعل البارزين في ذلك الوقت (قطر وتركيا)، اي بعد عام تقريبا من اندلاع الثورة السورية، ان النظام السوري ساقط لا محالة، وان ايامه باتت معدودة، وعزز هذا الاعتقاد فوز الاخوان المسلمين وحلفائهم في مصر بأغلبية ساحقة في البرلمان ومجلس الشورى (76 بالمئة) ثم انتخابات الرئاسة بعد ذلك، حيث جرى استقبال السيد مشعل، ولاول مرة في تاريخ حركة حماس، من قبل الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية في قصر الاتحادية بعد ان اقتصرت لقاءاته على ضباط كبار في اجهزة المخابرات العامة، اي حصر علاقاته بمصر في الجانب الامني وليس السياسي.

انقلاب الفريق اول عبد الفتاح السيسي في الثالث من تموز (يوليو) 2013 لم يطح بالرئيس مرسي وحكمه الديمقراطي فقط، وانما بآمال السيد مشعل والمعسكر الداعم له بسقوط النظام السوري في الوقت نفسه، طبعا هناك اسباب اخرى لعدم سقوط النظام بالسرعة المتوقعة ليس هنا مجال ذكرها.

السيد مشعل اختار ان يقف في خندق المعسكر الداعم لتيار الاخوان المسلمين باعتباره التيار الاسلامي الذي يجسد قناعاته الفكرية والعقائدية، وخرج الفائز الاكبر من ثورات الربيع العربي ولكن الى حين، فلم يكن يتصور ان هذا التيار سيمنى بانتكاسة كبيرة ابرزها عزل الرئيس مرسي، وتنازل حزب النهضة عن السلطة في تونس تجنبا لاغراق البلاد في حال من الفوضى او حتى الحرب الاهلية، واخيرا مواجهة حصان طروادة التركي (اردوغان) ازمات عديدة اخرى اخطرها واتهامات بالفساد، وانهيار تحالفه ، اي اردوغان، مع فتح الله غولن رجل الدين القوي والملياردير المدعوم من الغرب.

المشير السيسي رجل مصر القوي يكره “حماس″ اكثر مما يكره اسرائيل في اعتقادنا، ومن الاتهامات الموجهة للرئيس مرسي التخابر معها، وهناك تهم اخرى بالتواطؤ معها لكسر السجون التي كان معتقلا ورفاقه فيها، ولعل التهمة الاكبر الموجهة الى حماس من قبل السيسي تلك المتعلقة بدعم الجماعات الاسلامية المتشددة في سيناء التي شقت عصا الطاعة على النظام المصري الحالي وحولت سيناء الى قاعدة للمقاومة وضرب اهداف اسرائيلية خاصة ميناء ايلات القريب.

محنة السيد مشعل ان الدور القطري ينحسر ويتراجع بسرعة وكذلك الدور التركي الاردوغاني في مقابل ازدياد قوة تحالف اعداء “حماس″ الذي يتزعمه المشير السيسي ويضم اربع دول خليجية قوية على رأسها المملكة العربية السعودية، مما يعني ان اقامته “الجبرية” في الدوحة قد تطول، وحظر السفر المفروض على زملائه من قادة حماس في غزة قد يطول ايضا.

نتفق مع السيد عزت الرشق القيادي في حركة “حماس″ والمقيم حاليا في الدوحة ان ما قيل عن رغبة السيد مشعل في الذهاب الى بيروت غير دقيق، وانه لا ينوي مغادرة الدوحة حاليا، لان بيروت في اعتقادنا غير آمنة حتى لاهلها، مضافا الى ذلك اننا نعلم جيدا ومن مصادر موثوقة ان النظام السوري يضع “فيتو” كبير جدا على اي مصالحة مع السيد مشعل بالذات، وان كان لا يمانع من “ترطيب” العلاقات مع حركة “حماس″ تجاوبا مع طلب ايراني وآخر من حزب الله، فالرئيس الاسد شحصيا يشعر بمرارة من السيد مشعل وعبر عنها في اكثر من مقابلة صحافية دون ان يسميه.

تحسين العلاقة مع ايران تظل مسألة ممكنة لان قادة ايران، وفي ظل سياسة الاستقطاب الطائفي والسياسي التي تسود المنطقة، يريدون استعادة ورقة “حماس″ كحركة مقاومة، وتعزيز العلاقات معها.

ولعل الزيارة التي قام بها السيد خالد العطية وزير خارجية قطر الى العاصمة الايرانية قبل يومين، وتعكس تراجعا مهما في الموقف القطري هي احد الامثلة على براغماتية القيادة الايرانية ومرونة دبلوماسيتها.

ربما لا يتفق معنا السيد مشعل في “تقويمنا” لخياراته، ويملك الحجج السياسية والمبدأية التي تدعم هذه الخيارات وتؤكد على صوابها، وهذا من حقه الذي لا نجادل فيه، ولكنه قطعا يتفق معنا في ان النتائج التي نراها على الارض، لا تؤكد دقة هذه الخيارات ناهيك عن صوابيتها.

***

حركة “حماس″ تعيش حاليا حالة حراك داخلي، ويحتل الموقف من سورية قمة هذا الحراك، ونعلم جيدا ان هناك رغبة باجراء مراجعة شاملة، ونقد ذاتي، يتزعمها تيار يطالب باعادة المياه الى مجاريها مع سورية وايران وحزب الله ودون ان يكون ذلك على حساب المنطلقات الفكرية للحركة، ولا نكشف سرا اذا قلنا ان انفراج ازمة مخيم اليرموك القريب من دمشق، وانهاء الحصار المفروض عليه، جاء نتيجة اتصالات من قبل جناح قوي من حماس مع القيادة السورية التي بدأت تخفف من تشددها وتعكس “عدم ممانعتها” للمصالحة، وانخفاض حدة غضبها تجاه “حماس″.

حماس اجتهدت، وكذلك السيد مشعل، وراهنت على حصان عربي اعتقدت ان فرصه في الفوز كبيرة، وكل المؤشرات كانت تؤكد هذا الافتراض، ولكن النتائج جاءت معاكسة حتى الآن على الاقل، مضافا الى ذلك ان حلفاءها الجدد خذلوها ماليا وعسكريا وسياسيا وتخلوا عنها في الظروف الصعبة، ولا بد من تصحيح المسيرة، واستيعاب الدروس المستفادة ورسم سياسات جديدة تعكس هذا الواقع الجديد في المنطقة.

القضية الفلسطينية يجب ان تكون فوق كل الخلافات العقائدية والسياسية والاستقطابات والانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية لانها يجب ان تكون قضية المسلمين والعرب جميعا.