الخميس، 3 أبريل 2014

المشروع العربي والمشروع القطري
03/04/2014 [ 09:52 ]
الإضافة بتاريخ:
سعود الريس
المشروع العربي والمشروع القطري

الكرامة برس - مقالات -
لا يصيبني بالإحباط أكثرَ من شخص يخرج على المحطات الفضائية، ليخبرنا عن علاقة المملكة بأميركا، فيخلص إلى أن العلاقة بين البلدين تاريخية وجذورها ضاربة في عمق التاريخ، والغريب أن هؤلاء يتناسون أن علاقة واشنطن مع الشاه كانت تاريخية وكانت أيضاً كذلك مع صدام حسين ورئيس الفيليبين فرديناند ماركوس، والقائمة تطول لغيرهم من الرؤساء والأنظمة التي باعتهم الولايات المتحدة، خضوعاً لمصلحتها. الإشكالية هنا أن الرياض تتعامل بندية مع الجانب الأميركي، بينما مَنْ يُطلق عليهم محلّلون ومتابعون يُخضعون تلك العلاقة للتبعية، تاريخياً في أضعف الأيمان.
زيارة أوباما الثانية إلى العاصمة السعودية اتضحت ملامحها قبل وصوله، وشتان ما بين استقباله في زيارته الأولى وزيارته الأخيرة، وبطبيعة الحال الملفات التي حملها في جعبته كانت السعودية أكثر إلماماً منه بتفاصيلها، وهو ما جعل الهُوَّة أكبر بين الحليفين.
عموماً ليس هذا هو موضوعنا، فالموضوع الأهم اليوم أن المشهد السياسي في دول الخليج العربي يتجه إلى مزيد من التصعيد والتغيير، فعلى رغم الخطوات التي اتخذتها دول الخليج ضد قطر، إلا أن هذه الأخيرة ما زالت تمضي بسياساتها بعيداً عن المجلس وتطلعاته، ولا يبدو أنها بصدد مراجعة حساباتها، وهذا يضعنا أمام احتمالين: إما أن القرار السياسي القطري مدعوم من أميركا، وهذه تعيدنا إلى أن الولايات المتحدة غير مأمونة الجانب، إذ سبق أن تخلت عن حلفائها، وإما أن يكون الخيار الثاني هو دعم إيراني، ولكلتا الدولتين مصلحة في شق الصف الخليجي على رغم التناقضات، فالإدارة الأميركية عندما حملت حقائبها إلى الرياض تعيش واقعاً مؤلماً، وهو أن البساط سُحب من تحت أقدامها، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن الحرب الباردة وبات شبح الانقسام العالمي إلى معسكرين أكثر وضوحاً، وتدرك الإدارة الأميركية أنه ما كان لهذا الشبح أن يعود لو أحسنت التعامل مع ملفات المنطقة واتخذت مواقف تؤكد ثقلها.
بيد أن الأحداث كانت أكبر حجماً من تفكير الإدارة الأميركية وسلبيتها، لذلك تكمن المصلحة الأميركية اليوم في بناء تحالفات جديدة وتعزيز تحالفاتها القديمة. في المقابل هناك إيران التي طالما سعت إلى زعزعة أمن المنطقة، ولم تترك وسيلة تدعم ذلك وسط هرولتها ما بين القوتين العظميين، إذاً، كلا الطرفين يسعى إلى مصالح مشبوهة. فكيف إذاً بمَنْ يتبع أحدهما وهو يدرك ذلك؟
وسط هذا المخاض الذي يشهده العالم (الأزمة الأميركية والتمدد الروسي والأطماع الإيرانية والسعي إلى إضعاف مصر بدعم الإرهاب الذي تتعرض له والثورة السورية والفوضى اليمنية) خرجت السعودية كأكبر الكاسبين، فالمملكة اليوم وبعد سلسلة من الإصلاحات، سواء في بيت الحكم أم على الصعيد الداخلي يحق لها أن تمد رجليها، إذ باتت أكثر قدرة على التعاطي مع ملفات المنطقة من منطلق ثقلها الإقليمي والدولي، الذي انكمش في بعض الفترات، وهو ما مكّن دولاً أخرى من العبث بتلك الملفات وتأزيمها. المشهد اليوم في السعودية ينبئ بسياسة أكثر توازناً وانفتاحاً. يدعم هذا التوجه التفاف شعبي جارف، قلّ أن نجد له مثيلاً في الدول الأخرى. ولعل من ملامح هذا التوازن تأسيس مشروع عربي طالما غاب عن المشهد السياسي، فإيران على سبيل المثال لها مشروعها. ومثلها تركيا و«الإخوان» و«حزب الله» و«الحوثيون» كلٌّ لديه مشروع، حتى قطر، وإن كان هو الأغرب والأكثر شبهة من بين كل المشاريع، إلا أنها في المحصلة النهائية لها مشروع، بينما لم نسمع عن مشروع عربي لدول المنطقة الأكثر تأثيراً ونفوذاً.
الواضح اليوم أن السعودية تمكنت من وضع القواعد الأساسية لمشروع عربي بمشاركة مصر والإمارات العربية المتحدة، ولعل المناورات الأخيرة للدول الثلاث أوحت بذلك. هذا المشروع إن تم فمن شأنه أن يقلب جميع التوازنات في المنطقة، ويعزز من حضورها، وسيعزل «الأدوات» التي لا تملك قرارها بيدها. الأيام حبلى بقرارات قد تكون قامتها طويلة جداً، تفوق قامة بعضهم.

ـــــــــــــ
ر.ت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق