الهرب من أزمة اللاجئين
| بيتر سينغر
برنستون - تجاوز عدد المهاجرين في تموز (يوليو)، والذين وصلوا إلى حدود الاتحاد الأوروبي، حاجز المائة ألف شخص. وكان آب (أغسطس) هو ثالث شهر على التوالي يتم فيه تسجيل رقم قياسي جديد. ففي أسبوع واحد من ذلك الشهر، وصل 21 الف مهاجر إلى اليونان. وقد اشتكى السياح من أن إجازة الصيف التي طالما كانوا يخططون لقضائها في جزيرة يونانية أصبحت الآن في وسط مخيم للاجئين.
بطبيعة الحال، تنطوي أزمة اللاجئين على أبعاد أخطر بكثير. ففي الأسابيع الماضية، عثرت السلطات النمساوية على جثث متحللة لواحد وسبعين مهاجرا في شاحنة تم تركها بالقرب من فيينا، كما غرق أكثر من 2500 مهاجر في مياه البحر الأبيض المتوسط هذا العام، ومعظمهم كانوا يحاولون العبور من شمال أفريقيا إلى إيطاليا.
يعيش المهاجرون الذين تمكنوا من الوصول إلى فرنسا في خيام بالقرب من كاليه، في انتظار فرصة الوصول إلى إنجلترا عن طريق ركوب أحد قطارات الشحن، والمرور من خلال نفق المانش. والبعض يخسرون حياتهم بسبب سقوطهم من القطارات أو تعرضهم للدهس.
مهما يكون من أمر، فإن عدد اللاجئين المتواجدين في أوروبا ما يزال صغيراً مقارنة ببلدان أخرى. فقد تلقت ألمانيا طلبات لجوء أكثر من أي بلد أوروبي آخر، ولكن نسبة الستة لاجئين لكل ألف من السكان هي أقل من النسبة الموجودة في تركيا، والتي تصل إلى واحد عشرين لاجئاً لكل ألف من السكان، وهي بدورها نسبة أقل بكثير من لبنان التي تصل النسبة فيه إلى 232 لاجئا لكل ألف من السكان.
قدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في نهاية العام 2014 أن عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى النزوح عن ديارهم على مستوى العالم وصل إلى 59.5 مليون شخص، وهي أعلى نسبة تم تسجيلها. ومن بين هؤلاء ينتظر 1.8 مليون قرارات تتعلق بطلبات اللجوء التي قدموها، كما يعيش 19.5 مليون منهم كلاجئين، فيما أصبح البقية من النازحين في داخل بلدانهم.
تشكل سورية وأفغانستان والصومال أكبر مصادر اللاجئين. ولكن هناك مهاجرين آخرين كثرين يأتون من ليبيا وأرتيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ونيجيريا وجمهورية الكونجو الديمقراطية. وفي آسيا، أسهم الاضطهاد الذي تتعرض له أقلية الروهينجيا المسلمة في ماينمار في الزيادة الأخيرة في عدد اللاجئين.
لا نستطيع أن نلوم الناس على رغبتهم في ترك بلدان تعاني من النزاعات والفقر ومحاولة العثور على حياة أفضل في مكان آخر. ولو كنا في مكانهم لفعلنا الشيء نفسه. لكنه لا بد أن تكون هناك طريقة أفضل للاستجابة لاحتياجاتهم.
هناك القليل من المفكرين الذين يتمتعون بالجرأة، والذين يؤيدون عالماً بحدود مفتوحة، حيث يجادلون بأن مثل ذلك سوف يعزز بشكل كبير من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومعدل السعادة العالمية. لكن مثل هذه الحجج تتجاهل النزعات المعادية للأجانب التي يتميز بها الجنس البشري، والدليل على ذلك الصعود الملحوظ في شعبية الأحزاب السياسية المتطرفة من أقصى اليمين في أوروبا.
لن تقوم أي حكومة في المستقبل المنظور بفتح حدودها لكل من يريد الدخول. وفي الواقع، هناك تحرك في الاتجاه المعاكس في كثير من الدول. وعلى سبيل المثال، تقوم كل من صربيا والمجر ببناء الأسوار حتى تبقي المهاجرين خارجها. وهناك حديث عن إعادة وضع المراكز الحدودية ضمن منطقة "الشنغن" والتي تضمن حالياً حرية الحركة بين 26 دولة أوروبية.
ولكن، بدلاً من إغلاقها الأبواب على نفسها في وجه مشكلة الهجرة، يتوجب على البلدان الغنية أن تقدم المزيد من الدعم إلى البلدان الأقل غنى، والتي تستضيف أعداداً ضخمة من اللاجئين. وتشكل كل من لبنان والأردن وأثيوبيا والباكستان أمثلة واضحة على ذلك. ومن غير المرجح أن يحاول اللاجئون الذين يعيشون بشكل آمن في بلدان قريبة على حدود بلدانهم الأصلية القيام برحلات خطرة إلى مناطق نائية، ومن المرجح كذلك أن يعودوا إلى أوطانهم عندما ينتهي الصراع. ويعد الدعم الدولي الذي يُقدم للبلدان التي تتحمل العبء الأكبر من تدفق الاجئين أمراً منطقياً من الناحية الاقتصادية. فالأردن ينفق نحو 3000 يورو (3350 دولارا أميركيا) من أجل دعم لاجئ واحد لمدة سنة؛ وفي ألمانيا تصل التكلفة إلى 12 ألف يورو سنوياً.
لكننا نحتاج في نهاية المطاف إلى إعادة النظر في ما يعتبره الكثيرون نصاً مقدساً وغير قابل للتغيير، وهو ميثاق وبروتوكول الأمم المتحدة المتعلق بأوضاع اللاجئين. وكان الميثاق الذي وضع في العام 1951 مقتصراً في البداية على الأشخاص الذين ينتقلون ضمن أوروبا والهاربين من أحداث وقعت قبل ذلك التاريخ. وطلب الميثاق من الدول الموقعة السماح للاجئين الذين يصلون إلى أراضيها بالبقاء هناك من دون تمييز أو عقوبة بسبب انتهاك قوانين الهجرة. وتم تعريف اللاجئين على أنهم أولئك الأشخاص غير القادرين أو غير الراغبين في العودة إلى بلدانهم بسبب خوف مبرر من الاضطهاد، على أساس "العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة أو بسبب رأي سياسي".
في العام 1967، تمت إزالة القيود عن التوقيت والجغرافيا، مما جعل الميثاق عالمياً. وكان هذا العمل نبيلاً، لكنه ما يزال هناك سؤال رئيس بدون وجود إجابة عنه: لماذا يجب أن يحظى الشخص الذي يستطيع السفر إلى بلد آخر بالأولوية مقارنة بآخرين يعيشون في مخيمات اللجوء وغير قادرين على السفر؟
تتحمل الدول الغنية مسؤولية استقبال اللاجئين، حيث يتوجب على العديد منها استقبال المزيد منهم، علماً أن باستطاعتها ذلك. ولكن، وفي حين يزداد عدد الساعين إلى اللجوء، فقد أصبح من الصعوبة بمكان على المحاكم تحديد من هو اللاجئ طبقاً لتعريف الميثاق، ومن هو المهاجر الذي تلقى تدريباً مهنياً جيداً وخرج يسعى إلى حياة أفضل في بلد أكثر غنى.
لقد نتجت عن ذلك الميثاق أيضاً صناعة جديدة، وهي صناعة عادة ما لا تنطوي على أي مبادئ، والتي تعد أحياناً قاتلة: مهنة تهريب البشر. ولو تم إرسال أولئك الذين يطلبون اللجوء في بلد قريب إلى مخيم للاجئين، والذي يكون آمناً من الاضطهاد ويحظى بالدعم المالي عن طريق المساعدات القادمة من الدول الغنية، فسوف يتم التخلص من تجارة تهريب البشر -والموت خلال الترانزيت- إلى حد كبير، كما سيحد ذلك من وجود الحافز لدى المهاجرين الاقتصاديين للسعي إلى الحصول على اللجوء، وسوف تتحمل الدول الغنية مسؤولياتها في قبول أعداد أكبر من اللاجئين من المخيمات مع الإبقاء على الرقابة عند الحدود.
ربما لا يكون هذا الحل هو الأفضل، ولكنه يبدو الأكثر عملية، وهو يبدو حلاً أفضل بكثير من الفوضى والمأساة التي يواجهها العديد من اللاجئين اليوم.
إن عدم قبول أناس قطعوا الطريق حتى استطاعوا الوصول إلى بلد ما هو أمر صعب عاطفياً، حتى لو تم إرسالهم إلى ملاذ آمن. ولكن يجب أن يكون لدينا كذلك تعاطف مع ملايين الناس الذين ينتظرون في مخيمات اللاجئين، حيث يجب أن نعطي لهؤلاء الأمل كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق