فلسطين.. القلب النابض في أجندة ناصر
الأربعاء, أغسطس 26, 2015 | | 12:37:16 م
تعتبر القضية الفلسطينية أحد الركائز الأساسية التي بنى عليها الزعيم جمال عبد الناصر سياساته الخارجية، لاسيما وأن ارتباط الرئيس الراحل بفلسطين كان شخصيًّا عندما شارك في حرب 1948 ضد العصابات الصهيونية، فضلًا عن أن فلسطين دولة حدودية مع مصر، مما يعني أنه تقع في الدائرة الأولى للأمن القومي للمصري.
لقد قامت دبلوماسية عبد الناصر خلال سنوات حكمه على عدة عقائد استراتيجية، أبرزها ضرورة تلازم القضية الفلسطينية والعربية، مؤكدًا أن الصراع مع الكيان الصهيوني لا يقتصر على مصر وفلسطين فقط، بل هو صراع أوسع يشمل الدول العربية، مما يتطلب وحدة الصف العربي وتكاتفه من أجل مواجهة الخطر الذي يهدد دول المنطقة كافة، وعبَّر عبد الناصر في جُل خطاباته عن خطر الكيان الصهيوني كثيرًا منها “إسرائيل لا تهددنا بالاحتلال والتوسع فحسب، بل تهدد وجود الأمة العربية برمتها، ذلك أن الحركة الصهيونية تهدف إلى تحقيق دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، معتمدة، في ذلك على أعداء الأمة العربية، الامبريالية وأدواتها المحلية”.
شن الكيان الصهيوني في نهاية شهر فبراير عام 1955 عدوانًا ضد قطاع غزة، ليخرج الزعيم الراحل مهاجمًا إسرائيل وقياداتها قائلًا: “لقد بدا واضحًا لنا أن مشكلة إسرائيل ليست محلية، كما كان يبدو الأمر، قبل الغارات على قطاع غزة، وبدا واضحًا لنا، كذلك، أننا لا نستطيع السير في معركة البناء فيما الخطر يداهم ما نبنيه ويهدد وجودنا من أساسه، لقد كان العدوان على قطاع غزة إشارة الخطر التي دفعتنا للبحث عمّا يعنيه السلام، وأن نكون دقيقين في تعريفنا للسلام وفي معنى السلام وتوازن القوى في المنطقة”.
تسببت مواقف عبد الناصر المناهضة للعدو الصهيوني والتأكيد على اغتصابه للأراضي العربية في شن إسرائيل لحرب يونيو 1967، ومن قبله المشاركة في العدوان الثلاثي 1956، أملًا منها في ثني القاهرة عن الوقوف بجانب فلسطين والدفاع عن قضيتها داخل الأوساط السياسية، لاسيما أن مصر اقترحت في شهر مايو 1964 إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، حتى يتمكنوا من عرض قضيتهم في المحافل الدولية، بجانب دعمها لقرار إنشاء جيش التحرير الفلسطيني، أضف إلى هذا تقدم القاهرة باقتراح يضمن تمتع الشعب الفلسطيني بالتمثيل الكامل داخل الجامعة العربية.
في عام 1965 قررت القاهرة قطع علاقاتها مع ألمانيا الغربية، بعدما اعترفت الأخيرة بالكيان الصهيوني، مما دفع الرئيس الراحل للتأكيد على أحقية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وضرورة دعم خطواته وتحركاته على الساحتين العربية والدولية؛ للتخلص من الاحتلال الصهيوني الذي اغتصب أرض فلسطين.
كان عبد الناصر الزعيم العربي الذي دعا لعقد مؤتمر القمة العربي الأول بعدما بدأت إسرائيل فى تحويل مياه مجرى نهر الأردن عام 1964، فضلًا عن دوره فى إنشاء الصندوق القومي الفلسطيني، الذي كان يهدف إلى تمويل منظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافه لوقوفه بجانب المقاومة الفلسطينية بعد حرب يونيو 1967، وتدخله في الصدام الذي وقع بين السلطات الأردنية والمقاومة الفلسطينية المعروف بأحداث أيلول الأسود، حيث لعب عبد الناصر دورًا بارزًا في هذا الشأن لحفظ الدماء العربية، وبذل مجهودًا كبيرًا لإيقاف سيل الدم فى الأردن حتى جاد بأنفاسه الأخيرة بعد الانتهاء من مؤتمر القمة العربي الاستثنائي الذي عقد بالقاهرة في سبتمبر 1970.
سعى الزعيم الراحل إلى تنظيم العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وباقي الدول العربية، خاصة في تلك الدول التي كان بها تواجد فلسطيني يطمح للعمل ضمن الكفاح المسلح لمقاومة الكيان الصهيوني واسترداد الأراضي المغتصبة، حيث رعى عبد الناصر الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الحكومة اللبنانية والجانب الفلسطيني المتواجد بلبنان، وتعرف باتفاقية القاهرة عام 1969 التي كانت توفر حماية كاملة للعمل الفدائي الفلسطيني ضد العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية، وظلت هذه الاتفاقية سارية حتى ألغتها الحكومة اللبنانية عام 1987.
لم تقتصر مساندة عبد الناصر للمقاومة الفلسطينية على الساحة العربية فقط، بل امتدت إلى تعزيز تواجدهم بالساحة الدولية ومد جسور التواصل بينها وبين كبار الدول الراعية لحركات الاستقلال، حيث كان يحرص الزعيم الراحل على لقاء قادة الفصائل الفلسطينية والتأكيد أن العمل الفدائي سبيل تحرير الأرض المغتصبة، فضلًا عن كونه أحد الركائز الأساسية في مواجهة العدو الصهيوني وإفشال مخططاته الاستعمارية، لذلك عمد الرئيس عبد الناصر إلى اصطحاب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي كان يشغل منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في أول زيارة له إلى روسيا بعد عدوان يونيو، وكان ذلك عام 1968، وقدمه للقادة السوفيت، وكان لهذا اللقاء تأثيره الأبرز في توفير دفعات قوية للمقاومة على الصعيدين السياسي والعسكري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق