لماذا يجرد العرب الفلسطينيين من إنسانيتهم؟
معظم الفلسطينيين في العالم يحملون درجات علمية مرموقة، وعلى رأسهم أولئك، الذين يعيشون في الغرب والعالم العربي وهم يملكون المرونة والذكاء للبراعة في كل المناصب. الكاتب السعودي المعروف هاني نقشبندي يتساءل: لماذا لا نستفيد من مهارتهم وإبداعهم ونعاملهم كمواطنين عرب؟ لماذا يبقى الفلسطيني، حامل الوثيقة، أسير وطن عربي يحاسبه على كل تحرك وكأنه وافد إلى هذا الوطن بالأمس فقط. لقد تعبت فلسطين من الانتظار، وتعب الفلسطينيون من انتظارنا.
نعم.. لنتخلص منهم، فذاك ارحم بهم ولهم. ربما كانت إسرائيل مصيبة الفلسطينيين الأولى والكبيرة، لكنها لم تكن الأخيرة ولا الأكبر. فقد اصبح قدر كل فلسطيني، خاصة حامل الوثيقة، أن يكافأ على ما حل بأرض أجداده، بأن يعيش فوق ارض عربية أخرى كطفح جلدي. منذ أكثر من ستين عاما تناسل خلالها جيلا وراء جيل ما زال يعامل في كل وطن عربي كغريب أتى بالأمس إلى المضارب.
إنسان كامل فيه كل صفات البشر، مع هذا لا يمكن أن يصبح جزءا من النسيج الاجتماعي لأي مجتمع عربي. ولا أحد يعرف لماذا؟ يقولون ان فلسطين يجب ان لا تنسى وأن لا يموت حلم العودة أبدا.
حلفتكم بالله، من يعلم متى ستعود فلسطين، ثم من هو الذي يحارب كي تعود؟
ابو مازن قال في مقابلة إن الجامعة العربية لم تقرر يوما منع أي فلسطيني من الحصول على جنسية بلد عربي يعيش عليه. من قرر اذا؟ إن كان القرار فرديا اتخذته كل دولة عربية على حدة، فالسؤال هو لماذا؟ والسؤال الأهم الى متى؟
كلنا يعلم أن فلسطين لن تعود بغمضة عين. وان قدر ان تعود فليس الآن ولا غدا أو بعد غد. هل يعني هذا أن يبقى الفلسطيني، حامل الوثيقة، أسير وطن عربي يحاسبه على كل تحرك وكأنه وافد الى هذا الوطن بالأمس فقط.
أصدرت مصر وثائق للفلسطينيين، مع ذلك يمنع الفلسطيني من دخول مصر قبل الحصول على تصاريح قد تستغرق عدة أشهر.
سوريا عملت الشيء ذاته. حتى الأردن الذي يفوق الفلسطينيون فوق ترابه عدد الأردنيين، يحضر على حامل الوثيقة الدخول اليه بلا تصاريح الله وحده يعلم كيف يمكن الحصول عليها.
في السعودية جالية فلسطينية لعلها الأكبر والأقدم أيضا. تناسلت على مدى ثلاثة أجيال، بل وأربعة وخمسة. لا يعرف أي من أبنائها غير السعودية وطنا، مع ذلك كلهم غريب، وعرضة للمغادرة والترحيل في اي وقت.
لماذا لا يتم توطين الفلسطينيين فوق تراب لا يعرفون سواه وطنا؟
هل في ذلك خيانة للقضية الفلسطينية أكثر من تجاهلنا للقضية نفسها؟
هل في توطينهم نسيان للوطن الأم؟
كثيرون من أبناء الدول العربية يحملون جنسية أوروبية أو كندية أو أمريكية، فهل نفى هذا وطنيتهم او أنساهم وطنهم الأصلي؟
اذكر عندما كنت أعيش في لندن إن الفلسطينيين الذين التقيت بهم، وكلهم يحمل جنسية بريطانية، كانوا أكثر ولاء لفلسطين من المقيمين في فلسطين ولبريطانيا من البريطانيين أنفسهم. ولائهم لفلسطين لأنها الرحم الأول، وولائهم لبريطانيا لأنها الحاضنة التي احتوتهم كمواطنين فوق أرضها.
لا تنسيهم جنسيتهم البريطانية فلسطين، لا تنسيهم فلسطين جنسيتهم البريطانية.
معظم الفلسطينيين في العالم يحملون درجات علمية مرموقة، وعلى رأسهم أولئك الذين يعيشون في العالم العربي. لن تجد بينهم لصا أو متسولا، ولم تعد السياسة تشغلهم. حياتهم عمل، ويملكون المرونة للبراعة في أي منصب من الطب الى ميكانيكا السيارات، فلماذا لا نستفيد من مهارتهم والأهم إن نستفيد من ولائهم لأرض أعطوها ربما أكثر مما أعطاها أبنائها أنفسهم؟
لقد تعبت فلسطين من الانتظار، وتعب الفلسطينيون من انتظارنا. وان كانت إسرائيل قد جردت الفلسطينيين من أرضهم، فقد جردت الدول العربية الفلسطينيون من إنسانيتهم.
هاني نقشبندي
حقوق النشر: هاني نقشبندي 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق