لا نحتاج الى الكثير من التفكير لكي نحدد موقفنا من الازمة المتفاقمة حاليا في اوكرانيا، يكفي ان نضع في اعتبارنا امرين اساسيين نحن الذين اكتوينا من الفوضى الدموية الناجمة عن التدخل الغربي في ثوراتنا وخطفها من قبل رجالاته:
*الاول: اين تقف الحركة الصهيونية في هذه الاحداث وفي اي خندق، ومن تدعم.
*الثاني: ما هي النتائج الداخلية والخارجية المتوقعة وانعكاساتها على اوكرانيا، والصورة التي ستكون عليها البلاد بعد ان يهدأ اغبار الاحتجاجات.
عندما شاهدنا الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي وسط المتظاهرين في ميدان كييف ويخطب فيهم ويحرضهم على الثورة، تبادر الى اذهاننا وقفته نفسها في ميدان مدينة بنغازي الليبية، خطيبا وداعيا للثورة، ومهاتفا في الوقت نفسه صديقه وابن جلدته وعقيدته نيكولاي ساركوزي مطالبا اياه بالتدخل فورا لانقاذ اهل مدينة بنغازي من مجزرة مؤكدة يستعد العقيد معمر القذافي وكتائبه على ارتكابها، فتدفقت اساطيل حلف الناتو وطائراته للتدخل عسكريا لدوافع “انسانية” محصنة تحولت هذه الدوافع الانسانية الى تغيير للنظام بالقوة، واعدام رئيسه بطريقة همجية غير انسانية وغير اسلامية وغير حضارية.
فمجرمو الغرب يحاكمون امام محاكم محترمة تتوفر فيها كل معايير العدالة، ويقفون في قفص الاتهام بكامل اناقتهم، اما مجرمونا فيعاملهم الغرب المتحضر ورجالاته بطريقة همجية ويسحلون في الشوارع، وتعرض جثامينهم للفرجة حتى تتعفن، ثم تدفن في مقابر مجهولة.
مصير اوكرانيا قد لا يكون افضل من مصير ليبيا او سورية، لانها ميدان آخر لحرب اخرى بالنيابة بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية، قد تتطور الى حرب اهلية اثنية، تنتهي بتقسيم البلاد، او تفتيتها، على الطريقة الليبية وربما السورية.
هناك اقلية روسية واكثرية اوكرانية، يدعم فلاديمير بوتين الاولى وتساند الولايات المتحدة واوروبا الثانية، ومثلما جرى تقسيم جورجيا، واحتل الروس اوسيتيا الجنوبية ذات الاغلبية الروسية، لا نعتقد انه سيتردد في التدخل لتكرار السيناريو نفسه في اوكرانيا، وبدايته احتلال انصاره الاوكرانيين شبه جزيرة القرم جنوب شرق اوكرانيا ورفع العلم الروسي على مقرها الحكومي.
الاسبوع الماضي قدم الوسطاء الاوروبيون في كييف مبادرة لحل الازمة ووافقت عليها الحكومة والمعارضة تنص على انتقال سلمي للسلطة، واجراء انتخابات رئاسية في ايار (مايو) المقبل، وتتيح للرئيس الاوكراني يانوكوفيتش خروجا كريما من الحكم، وتحرم بوتين من اي ذريعة لرفضها والتدخل عسكريا بالتالي ولكن المحتجين المتظاهرين في ميدان التحرير الاوكراني رفضوا المبادرة واستمروا في الاعتصام في الميدان، ففقد يانوكوفيتش اعصابه واوعز باطلاق النار على المتظاهرين وغادر الى روسيا.
نفهم ان تتدخل امريكا عسكريا او اقتصاديا (الحصار) تحت ذرائع متعددة ابرزها تغيير الانظمة الديكتاتورية واستبدالها بانظمة ديمقراطية تحترم صناديق الاقتراع وقيم العدالة وحقوق الانسان، ولكن ما لا نفهمه ان تتدخل في دولة مثل اوكرانيا شهدت ثورة برتقالية اطاحت بالديكتاتورية واقامت نظاما ديمقراطيا.
نحن نعيش حاليا تجربة الجنرال عبد الفتاح السيسي المصرية تتكرر حرفيا في اوكرانيا بطريقة او باخرى، اي الاطاحة برئيس منتخب من خلال “ثورة شعبية” على غرار “ثورة” 30 يونيو.
الرئيس الاوكراني يانوكوفيتش قد يكون فاسدا وقاتلا، ودمية في يد بوتين، ولكنه يظل رئيسا منتخبا في انتخابات حرة اجمع العالم الغربي كله على نزاهتها وشرعيتها.. بينما لا يتمتع المتظاهرون الذين اطاحوا به بأي شرعية انتخابية، ومن المؤكد ان ناخبيه ومؤيديه لن ينسوا هذه الحقيقة، وهذا ما يدفعنا الى القول بأن الايام المقبلة ستكون صعبة، وان حالة عدم الاستقرار التي تسود البلاد قد تتطور الى حرب اهلية دموية.
بعد ان تابعنا المشهد الاوكراني، واطاحة رئيس منتخب، لن نقبل بعد اليوم محاضرات الغرب في الديمقراطية وحقوق الانسان، انها مجرد اكاذيب وخداع، وهذا الغرب يبحث عن مصالحة فقط حتى لو جاءت على جثث مئات الآلاف من الضحايا وتفكيك الدول وبذر بذور الحروب الاهلية، وليت الاوكرانيون تعلموا من نكباتنا التي نعيشها في بلداننا حاليا على يديه.
“راي اليوم”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق