زَهوتُ وأنا ألاحق قنوات العالم جميعا تذيع قرار مجلس النواب الأردني بـ “طرد السفير الاسرائيلي” من عمان، شعرت بفخر وأنا أتابع اللغات واللكنات المختلفة تتحدث عن نوابنا، والقناة الاسرائيلية تستضيف كثيرين كان احدهم سفير الاتحاد الأوروبي والذي حذرهم بأن “الأردنيين إذا نفّذوا ذلك ستغدو اسرائيل في عزلة حقيقية وسيضيق عليها الخناق أكثر مما تتخيّل”.
التحليل الذي تحدث به السفير، اتفقت معه صديقة أمريكية عملت في الشرق الأوسط طويلا، فهي تؤكد أن اسرائيل خلال فترة ليست بعيدة سينهار كيانها وستبدأ بالذوبان لشدة ما ترتكبه من “حماقات” تزيد عزلتها من جهة، وتخرج العرب عن طورهم من جهة أخرى. والخروج عن الطور الذي شهدناه من مشرّعينا واحد مما أكدت على أنه “لن يقف هنا”.
كنت أتابع التقارير عن المجلس متجاهلة بعض أخطاء اللغة التي طالما استفزتنا في كلمات بعض النواب، غير شاعرة بأن كلامهم “مثل قّلته” كما شعرنا طويلا سابقا، ولم ألمح فيهم طيف “عميل” لا ماسوني ولا أمريكي ولا اسرائيلي ولا غيره، وظللت أنظر لتقارير تتحدث عن مجلس، ندعو الله أن يكون توحّد أعضاؤه أخيرا عند قضية، ليتثبّت العالم أن بلدنا “ليس ذو آراء هلامية” وفي موضوع المقدّسات “لا تحرف بوصلته سنتيمترا” عن القدس.
نعلم جميعا أن قرار مجلس النواب “آخر النهار” لا يغني ولا يسمن من جوع إن قررت الحكومة ألا تتجاوب معه، وأن السفير الاسرائيلي قد يبقى في عمان، وعبيدات في تل أبيب؛ ولكن ما نعلمه أيضا أن قلب الأردن المثقل بأعباء أبنائه رقص على أنغام التصويت، وأن العبدلي بوضوح قال هذه المرّة إن قضيّته “لم تمت” وأن الأردنيين “إذا جدّ جدّهم” واحدٌ يعرفُ قبلته.
ندرك أيضا أن هذا القرار- وإن نفذ- لن يعيد القدس إلينا، خصوصا وثلث خارطتنا العربية نازف يتمزق، وثلث آخر يعيش مخاضا عسيرا، والبقية بين مترقّب وممزّق للآخرين. ولكن لهذا القرار سحرا مختلفا على النفوس، يقول إن كل ما تجرأت إسرائيل عليه في الأسابيع الماضية لم يخفنا، وأن مجلس النواب خطا الخطوة الأولى التي يجب على الشارع الانضواء تحتها إذا ما رأينا أيّ تعنّت جديد، وأن يضع حدا لكل شيء، بما في ذلك “تمزيق” وادي عربة.
مجلسنا الأغرّ.. بذلك صفّرنا عدادكم من جديد.. وطوينا صفحة الخذلان.. لا تعيدوا إلينا ما سبق.. واحفظوا أن تصويتكم يحمّلكم- أكثر من السابق- عبء حماية مقدساتنا هناك، في الشطر الغربي من القلب..
**
من “أنغش” العبارات التي سمعتها عن التشكيل الوزاري الجديد في مصر، ما أوردته قناة العربية في السياق حين قالت إن وزير الدفاع “احتفظ” بمنصبه، وبعد فواصل من كلمات ليس لها محل من اللعبة، عادت تقول إن الحكومة ستباشر بتنفيذ ثلاثة تكليفات أساسية، هي “الاستقرار الأمني، ومواجهة الإرهاب، وتنفيذ خريطة المستقبل، وتشمل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
السؤال المهم “فين” الحكومة من التكليفات المذكورة؟، وهي جميعا مسؤولية سابقة لاحقة متتالية لا تنتهي للجنرال “قاطع وصفه”، وليس لأحد سواه من علم فيها !!.
منذ خلع مرسي وهو “يباطح” الارهاب أكان ارهابا أو “كباب”، ومنذ خلع الرئيس الإخواني وهو يقضي على “دبّة النملة” بدعوى الاستقرار المنشود للمحروسة، ومنذ بدأ الحديث عن الانتخابات الرئاسية ومجرّة درب التبانة تدور حول شخصه الكريم، فأية حكومة وأي مهام تلك التي عنها تتحدثون؟؟.
المفترض أن مدة قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في مصر. وسيشهد التاريخ مخاضا يسيرا سهلا و”تطبيق معاملة” لولادة الرئيس الجديد، الأمر الذي إلى أن يحصل فلدى المشير الكثيرين ليحبسهم وآخرين ينتقم منهم، وثالثين يتركهم يغرقون في وحل الفقر والبطالة والعوز أكثر وأكثر، بينما تجلس حكومة صورية تراقبه من بعيد.
مصر مبكية… كان الأمل يسكن أبناءها في زمن ليس بعيدا.. أما اليوم فهاهو “رجل العرض” يحتفظ بمنصبه.. وسيحتفظ بمصر الكبيرة العظيمة الهائلة تحت جناحه إن لم يصحو المصريون !!
يبقى السؤال.. حين يصبح السيسي رئيسا، من سيتولى وزارة دفاعه؟؟
**
حبست أنفاس الكثيرين أمام شاشات التلفاز آملين أن يحظى فيلم “عمر” الفلسطيني بـ “الأوسكار” في الحفل الذي نقلته قناة ABC الأمريكية، ورغم أن العمل لم يحظَ بالجائزة العالمية هذه المرة، إلا أن أحدا لا يمكن أن ينكر عليه أهميته ناهيك عن “شرف المحاولة”، الذي سيجعل كثر يلتفتون إليه.
“عمر” فيلم جسد شيئا من الواقع، بسهولة ممتنعة، فقفزات البطل عن جدار الفصل العنصري بين القوة والضعف. وتلك الملامح شديدة الفلسطينية للأبطال، كلها انعكست بمساحات كبرى عميقة في نفوس كل من شاهده، وأعطته بقعة الضوء التي يستحق على أرض الواقع.
غصصت بالفيلم بطريقة لا تحدث إلأا حين استمع لـ “حروف” مفخمة في بعض الكلمات تقال على عجل، وحبّ عذري مذعور. وفي الوقت الذي كسر هاني أبو أسعد مخرج الفيلم الصور النمطية التي تتحدث عن الفلسطينيين كنساء يرتدين الأثواب ورجال يغطون رؤوسهم بالكوفية، أعطى المشاهد الوصفة السحرية للكيفية التي يقتات فيها الاسرائيليون على حرق أكبادنا.
الفيلم جسّد الجانب الاسرائيلي بكيان “همّه الإيقاع بنا”، بينما أظهرنا بثلاث أصدقاء: واحد منهم “شبّاك” يوقع الأطراف ببعضهم إذ يصدّق أحلام يقظته ويسردها، وآخر صارم لا يراوغ ولا يرى ما يلهيه عن المقاومة، وثالث تاه دليله بعد كم الخذلان. بسهولة تحدث مخرج “عمر” عن الفلسطينيين وقسّمهم ببساطة “معلّم” -ولا أظن الحال الذي ينطبق على الفلسطينيين بعيدا عن العرب جميعا-.
الفيلم وإن لم يحز الجائزة فهو خطوة للأمام على طريق إظهار رسالة الشعب الفلسطيني للعالم، ولكن الأكيد أن “عمر” وحده لن يوصلها وأبو اسعد وحده لن يفعل أيضا، فالعالم الذي سهى عن وجود قضية تدعى فلسطين وشعب مهجّر منذ 65 عاما، يحتاج في كل موسم أوسكار لمن يذكّره مجددا بطريقة مختلفة، وبأدوات جديدة.
“هاني أبو أسعد”.. باختياره ان ينقل للعالم القضية اختار أن يبتلع الجمرة بدلا من التمر.. وباختياره “فلسطين” قرر أن يخطّ تاريخا جديدا لسينما مختلفة بكل تفاصيلها..
كم نتمنى أن نراك تحمل الأوسكار قريبا.. ونحلم أن نكون في فيلمك الجديد “واحدا متزنا قادرا على الحب والمقاومة والتفكير معا”..
.. “لا تحيا الثورات إلا بكثير من الإبداع″..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق