السبت، 22 مارس 2014


أوكرانيا ، من حرك الأحداث ؟


أحمد الحباسى تونس

أوكرانيا ، من حرك الأحداث ؟الابتسامة التي تلقطها وسائل الإعلام بين الرئيسين أوباما و بوتين في مناسبات دولية متعددة لا يمكنها أن تخفى حالة الاختلاف و العداء التاريخي بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا الاتحادية الممثل الوحيد عقائديا للاتحاد السوفيتي السابق ، عداء لم تستطع حلقات الحوار السياسي و عديد الأحداث العالمية التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية أن تخفت حرارته ، فالولايات المتحدة تنظر بعين الخوف إلى روسيا الاتحادية و العكس صحيح ، ذلك أن روسيا تعلم جيدا النوايا الأمريكية التي تطمح إلى إبعادها عن منطقة الشرق الأوسط بكل الطرق ، نوايا لم تعد مجرد أحلام جيواستراتيجية فقط ، بل هي نوايا بدت تتحقق سواء في مصر أو في ليبيا أو اليمن التي شهدت تحولات سياسية و اجتماعية و بات من الصعب على الدب الروسي أن يستعيد مناطق نفوذه بسهولة خاصة في ظل العداء الخليجي التاريخي ضد الوجود الروسي في المنطقة .
لعل الأحداث السورية قد جاءت في الوقت المناسب لتعطى روسيا الاتحادية فرصة تاريخية لتثبيت موقعها في سوريا و إعطاء إشارات واضحة في كل الاتجاهات أنه لا مجال للإدارة الأمريكية و حلفاءها في المنطقة أن يتم إقصاء روسيا من معادلة الصراع في الشرق الأوسط بما يعنيه ذلك من إعادة تثبيت الانقسام العمودي بين دول المنطقة العربية بين مساند للدور الأمريكي و بين حليف للدب الروسي ، بما يعنيه ذلك أيضا أن المنطقة قد دخلت في دوامة و لعبة أمم كبيرة ستكون لها انعكاسات خطيرة و متوالية في السنوات القليلة القادمة على أقصى تقدير ، لذلك تحدث المراقبون بكثير من التفاصيل على أن معركة سوريا ليست معركة هامشية في تفاصيل التاريخ العالمي بل هي معركة إستراتيجية دولية مهمة و فاصلة بين ما قبل تنفيذ المؤامرة لإسقاط النظام السوري و ما بعد نهاية الحدث السوري بانتصار القيادة السورية الذي بدت ملامحه تتبلور ببطيء لكن بثبات واضح .
الأكيد أن أصدقاء سوريا قد وضعوا كل ثقتهم في تنفيذ مشروع المؤامرة على سوريا بحيث كان القاسم المشترك من بداية الحراك في سوريا هو المطالبة برأس النظام السوري و برحيل الرئيس الأسد بصورة فورية و لم يكن هناك من يراهن على وقوف روسيا مع نظام قرر الجميع إسقاطه بقوة الجماعات الإرهابية الممولة خليجيا ، و بمجرد رفع المندوب الروسي أصبع يده بالفيتو في مجلس الأمن ضد كامل هذا المشروع توقع الملاحظون أن تدفع روسيا ثمن هذا الموقف لاحقا و كان توقع صائب لان أحداث أوكرانيا حاليا هي عملية أمريكية صهيونية مدبرة حتى يدفع الرئيس فلاديمير بوتين فاتورة عناده و وقوفه الصلب مع سوريا لإسقاط مؤامرة تهدف لكسر ضلع مهم من أضلع المقاومة.
يعلم المتابعون أن المساس بأوكرانيا هو مساس بالأمن القومي الروسي ، و يتذكر هؤلاء حالة المد و الجزر العنيفة بين روسيا و الإدارة الأمريكية التي تبعت ما يسمى بالثورة البرتقالية في أوكرانيا منذ سنوات قليلة ، ثورة تعلم المخابرات الروسية أنها من تدبير المخابرات الصهيونية الأمريكية ، ولان الدب الروسي الهائج لا يقبل تماما بأن تلعب أمريكا في ملعبه و في حديقته الخلفية الخاصة فقد تعالى الصوت الروسي المدين للتدخل الأمريكي الحالي في شؤون أوكرانيا ، تدخل يعتقد المراقبون أن نجاحه سيشكل ضربة قاسمة للاتحاد الروسي تشبه في كثير من التفاصيل المزعجة حل الاتحاد السوفيتي على يد الزعيم ميخائيل قوربا تشاف ، بل هناك من يتحدث عن عملية استنزاف ممنهجة تهدف إلى منع روسيا من ترميم اقتصادها المنهار و مواجهة الصعوبات الاقتصادية و الاجتماعية بشكل فاعل ، إذ يرى 59 في المائة من الشعب الروسي أن الدول الغربية تريد أن تحول روسيا إلى مستعمرة و 48 في المائة من الشباب الروس أن الغرب لا يستحق الثقة بما يعكس تصورا روسيا عاما بأن الولايات المتحدة و الغرب عموما يريدون رجوع عجلة التاريخ إلى الوراء و إعادة عصر الحرب الباردة.
الرئيس فلاديمير بوتين هو جزء من الحرس الروسي القديم كما يقال ، و عقيدته الشيوعية القديمة تعطيه دفعا قويا للوقوف في وجه الهيمنة الأمريكية الصهيونية في منطقة أكثر من حيوية للاقتصاد و الأمن الروسي ، لذلك كان ضم جزيرة القرم إلى روسيا عملا سريعا و فاعلا لإعطاء الولايات المتحدة جوابا برقيا حتى تفهم أن تجاوز بعض الخطوط الحمراء هو إعلان حرب بكل المعايير الروسية في وقت يعلم الجميع أن الإدارة الأمريكية غير قادرة تماما على الدخول في عملية عسكرية أو محاولة لي ذراع ستخسر فيها كل أوراق اللعبة مع الدب الروسي ، لذلك من المتوقع أن تدرس روسيا قريبا خيارات رد موجعة لإقناع الغرب بأن زمن التراجع الروسي قد ولى و أن الفيتو الروسي إلى جانب سوريا سيكون بداية العد العكسي للدخول في الصراع لاستعادة النفوذ الروسي الضائع ، يبقى السؤال ، هل ستقدم روسيا على مد النظام السوري بصواريخ آس . س 300 كدفعة على الحساب من الرد الروسي على التدخل الغربي في أوكرانيا ؟ الأيام القادمة ستأتي حتما بالجديد .
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق