الاثنين، 3 فبراير 2014

الاتحاد الكنفدرالي... والاتحاد الفدرالي : الفرق بينهما

الاتحاد الكنفدرالي... والاتحاد الفدرالي : الفرق بينهما
تاريخ النشر : 2014-02-03
كبر الخط صغر الخط
خاص لدنيا الوطن
الأستاذ الدكتور رياض علي العيلة

أستاذ العلوم السياسية

تعود الأيام وتخرج فكرة الاتحاد الكنفدرالي من جديد، كمشروع للوحدة بين الأردن وفلسطين في حال تم قيام الدولة الفلسطينية تلك الفكرة التي طرحت في عقد الثمانيات من القرن الماضي، عندما تم الحديث والاتفاق عليه بين الملك حسين والرئيس الراحل ياسر عرفات في عام 1985م، وكررت بعد فك الارتباط القانوني والإداري  مع الأردن. وها هي تعود من جديد مع المفاوضات الجارية في هذه الأوقات، وخطة كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية... وكذلك عاد الحديث عنها في  الاجتماع الذي جمع الرئيس محمود عباس " أبو مازن" والملك عبد الله الثاني ملك الأردن بحسب ما تناقلته وسائل الأعلام مؤخرا.

فما المقصود بالاتحاد الكنفدرالي والفدرالي؟ وكيف يتم؟ ومتى يتم؟ وهل الواقع السياسي الفلسطيني يحتاج إلي اتحاد كنفدرالي أم فدرالي؟ وخاصة مع الأردن؟ وهل قيام مثل هذا الاتحاد يعيد القضية الفلسطينية إلى سنوات ما قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965؟ وهل سيعود بالنفع على الشعبين الأردني والفلسطيني؟ هذه الأسئلة نجيب عليها من خلال الرؤية العلمية لبناء الاتحاد سواء الكنفدرالي منه أو الفدرالي وإسقاطه على الواقع الفلسطيني.

الاتحاد الكنفدرالي، اتحاد يعقد بين دولتين أو أكثر، تتمتعان أو تتمتع بالشخصية الدولية المستقلة ذات السيادة على أراضيها، بمعنى لها علاقاتها الدبلوماسية مع الدول ولها جنسيتها  وعلمها وشعارها الوطني، المعترف بهم من قبل المنظومة الدولية، وغالبا ما تكون عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي منظماتها ووكالاتها المتعددة. ومن خلال الاتحاد تتفق الدولتان أو الدول على أن توحد أو تنسق فيما بينهما أو بينها، في مجالات سياساتها الخارجية وعقد اتفاقيات ثنائية أو جماعية حول العديد من المسائل الاقتصادية ذات الاهتمام في العلاقات بينها ، كالجمارك وتنقل الأفراد والاستثمار وغيره ، بحيث تحتفظ كل دولة من هذه الدول بنظامها السياسي وبدستورها ، وتبقى متمتعة بشخصيتها الدولية كاملة ، وحقها الانفراد بعقد المعاهدات الدولية و بالتمثيل الدبلوماسي ، كما أن لها أن تقوم منفردة بشن حرب. إلى جانب القضايا المحددة التي يتفق عليها حكام الدولتان أو  تلك الدول، وتخدم مصالح محددة لها مع احتفاظ كل دولة من دول الإتحاد الكنفدرالي بشخصيتها الدولية، بمعنى سيادتها واستقلالها، إلى جانب الأمور التي لم يتفق على التنسيق بينهما أو بينهم. والاتحاد الكنفدرالي  يمتاز بمجموعة من الخصائص والسمات، يتطلب وجودها، وهي:

-     تمتع الدولة أو الدول أعضاء الاتحاد الكنفدرالي بكامل استقلالها، بمعنى أنه لا يؤثر في استقلال الدول الأعضاء فيه، حيث تتمتع الدولة بكامل شخصيتها الدولية من تمثيل دبلوماسي وغيره من مظاهر السيادة الأخرى.

-     عدم تمتع الإتحاد الكنفدرالي بالشخصية الدولية ، ولا يعتبر الاتحاد دولة تعلو شخصيته على باقي الدول المكونة للاتحاد، بمعنى لا يترتب على قيام الإتحاد الكنفدرالي قيام شخصية دولية جديدة في الساحة الدولية.

-          لا يعتبر الاتحاد الكنفدرالي دولة مركبة، بل هو عبارة عن إتحاد دول فقط لا غير.

-     إذا نشبت حرب بين دولتين من الدول الأعضاء في الاتحاد الكنفدرالي فإنها تعتبر حربا دولية ولا تعتبر حربا أهلية لأن هذه الحرب تصنف على أنها حرب نشبت بين دول مستقلة.

-     يحق  للدولة أو الدول الأعضاء في الاتحاد الكنفدرالي أن تنسحب من هذا الإتحاد متى ما رأت أن الانسحاب من هذا الإتحاد يصب في خانة تعزيز وحماية مصالحها.

-     يعتبر مواطنو كل دولة من دول الاتحاد الكنفدرالي أجانب بالنسبة للدولة أو الدول الأخرى المكونة للاتحاد الكنفدرالي، بمعنى أن دخول مواطني اى دولة تابعة للاتحاد الكنفدرالي إلى دولة أو دول الإتحاد الأخرى يخضع للقواعد العامة التي تحكم دخول الأجانب لهذه الدولة أو حسب ما يتفق عليه.

-          تحديد دور الاتحاد الكنفدرالي في القضايا التي تحددها الدول المتعاهدة في هذا الإتحاد.

-     تشكيل هيئة لإدارة شؤون الإتحاد المتفق عليها من قبل الدولتان أو الدول الأعضاء في الاتحاد الكنفدرالي، وتتخذ قراراته بالإجماع، وتقوم كل دولة بتطبيقها حسب نظم الحكم والأنظمة المعمول بها في دولها.

-          تغطية نفقات الاتحاد الكنفدرالي المالية من اشتراكات الدول الأعضاء حسب النسب المتفق عليها.

وقد شهدت المنطقة العربية، تكرار متعدد لهذا النوع من الاتحاد، وصولا لاتحاد كامل  (فدرالي) بين دوله، على سبيل المثال لا الحصر: اتحاد الجمهوريات العربية (مصر سوريا والعراق) والاتحاد المغربي (تونس والمغرب والجزائر) وتجارب بين ليبيا ومصر والسودان واليمن،... وللأسف جميع الاتحادات قد فشلت في تحقيق الوحدة بينهم، لأنها كانت عبارة عن تنسيق بين الدول في مرحلة معينة، ولكن التجربة العربية الناجحة في المنطقة العربية هي الاتحاد الكنفدرالي لدولة الإمارات العربية  الذي أرتكز على قواعد أساسية متينة، حافظت من خلاله على الشخصية الداخلية لكل أمارة من الإمارات السبع دون التدخل في قضاياها الداخلية، ويتم التنسيق في القضايا الإستراتيجية والاتفاق عليها من قبل أمراء الإمارات المكونة للاتحاد،  وهى تسعى لتطوير الاتحاد لكي يتحول من الاتحاد الكنفدرالي إلى اتحاد فدرالي متكامل.



الاتحاد الفدرالي: اتحاد ينتج على أثر اندماج  دولتين أو أكثر في اتحاد فدرالي( نتيجة لإصابة دولة كبيرة بالتفتت إلى دويلات صغيرة أو نتيجة لرغبة عدد من الدول المستقلة في إنشاء اتحاد فدرالي)، تفقد خلالها الدولة أو الدول الشخصية الدولية واستقلالها، بحيث يقوم الاتحاد الفدرالي بإدارة كل الشؤون الخارجية  والدفاعية وبعض الشؤون الداخلية لدول أو ولايات الإتحاد، بحيث تصبح دولة فوق كل الدول المكونة للاتحاد الفدرالي، وتتمتع بشكل مطلق في إدارة كافة الشؤون الخارجية لدول أو ولايات الإتحاد وبعض الشؤون الداخلية لها وفق شروط وقواعد وإجراءات خاصة يتم تحديدها وفق دستور واحد للدولة الاتحادية أو الفدرالية. ويمتاز الاتحاد الفدرالي بعدة سمات وخصائص أهمها:

-     منذ اللحظة الأولي لإعلان انضمام الدولة المستقلة إلى الاتحاد الفدرالي، تفقد الدولة شخصيتها الدولية ( التمثيل الدبلوماسي، والجنسية والعلم والشعار الوطني) لصالح الاتحاد الفدرالي جديد التكوين.

-     تمتع الاتحاد الفدرالي بالشخصية القانونية الدولية بحيث تصبح جميع الدول المكونة له إقليما واحدا، ويتم التعامل من خلال الإتحاد مع كافة مكونات النظام الدولي على أنه الشخصية القانونية الممثلة لجميع الدول المكونة له.

-     تمتع دولة الإتحاد بالشخصية القانونية الدولية الممثلة لجميع الدول المكونة لها على المستوى الدولي والمستوى الداخلي، حيث تندمج كل أقاليم الدول أو الولايات التابعة لدولة الإتحاد لتصبح إقليما واحدا (وجنسية واحدة وتمثيل دبلوماسي واحد وعلم واحد) أمام العالم.

-     تمتع الدولة الفيدرالية بهيئة تشريعية فيدرالية تتولى التشريع على المستوى الفيدرالي وحكومة مركزية وتقيم سلطة قضائية فيدرالية تمارس أعمالها في مجال النشاطات الفدرالية، وبهيئات إدارية وتنفيذية اتحادية ( من خلال دستور فدرالي واحد) .

-     تتمتع كل دولة من دول الإتحاد الفيدرالي بشخصيتها المستقلة داخل الاتحاد فقط، بمعنى أن يكون لها دستور وجمعية تشريعية وسلطة تنفيذية وقضائية وفق إجراءات وقواعد تنظم هذه الخصائص.

-          يعمل الإتحاد الفيدرالي على تحقيق القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية لدوله بالرغم من عدم تجانس شعوبه.

في ضوء  ذلك نطرح السؤال التالي ما هو شكل الوحدة بين الدولة الفلسطينية المستقبلية والأردن ؟ وهل سيكون اتحاد كنفدرالي أم فدرالي ؟

مما سبق، نستطيع القول،  أن الاتحاد الكونفدرالي هو القرب للتحقيق، لأن الاتحاد الكونفدرالي يضمن السيادة الكاملة لكل دولة على حدا، وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والعلاقات الثنائية، ويتميز بآثار ايجابية على الطرفين وسيعمل على توثيق الروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني، وسيصطحبه اتفاقيات أخرى وتعاون وثيق بين البلدين على عدة مستويات وفي عدة مناحي خصوصا على الصعيد الاقتصادي، بحيث سيكون للاتحاد الكنفدرالي منفذا على البحر المتوسط من قطاع غزة باعتباره جزءً من الاتفاق يوفر الالتفاف الطويل عبر العقبة للوصول إلى أوروبا والأمريكيتين، وانفتاح اكبر على الخليج العربي، الأمر الذي يعطي مزايا ايجابية على كافة النواحي للبلدين، لن يكون له أي آثار سلبية ما دام أن الاتفاق سيطبق بعد الحصول على كيان فلسطيني مستقل وممكن أن يطبق مع أكثر من دولة مثل مصر وسوريا أيضا بغض النظر عن الموقع الجغرافي،  وسيدعم الاتحاد الموقف الفلسطيني تجاه القضايا والثوابت الفلسطينية وخاصة حق العودة والتعويض الذي يتمترس المفاوض الفلسطيني حولها، الى جانب الثوابت الأساسية، ولتكن الموافقة على الاتحاد الكنفدرالي يتم من خلال الاستفتاء الشعبي في فلسطين للموافقة أو الرفض وتكون إرادة الشعب هي الأساس ولكل القضايا.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الاتحاد الفدرالي المطروح بين المملكة الأردنية الهاشمية وفلسطين المستقلة لا يمكن أن يتم إلا بين دولتين مستقلتين، وبما أن فلسطين لازالت تسعى لنيل الاستقلال، فإن مثل هكذا اتحاد لا يتم، وأن ما يثار حول هذه القضية، التي أثيرت أكثر من مرة خلال أربعة عقود  سبقت من الزمن، أنها جاءت لتتساوق مع خطة كيري لتصفية القضية الفلسطينية فهذا هراء لا يمت للحقيقة لأن أولا فلسطين لم تصل إلى الاستقلال بعد، وكذلك لا نرى أنه يوجد فلسطيني أو قائد فلسطيني يتنازل عن القضية الفلسطينية والثوابت الفلسطينية وخاصة حق العودة والتعويض والقدس والحدود والأسرى والمياه، ولكن ما يجب علينا كفلسطينيين أن نعمله حيال خطة كيري وابتلاع الأراضي الفلسطينية من خلال الاستيطان والتهويد، وما يعانيه أهلنا في مخيمات الشتات وخاصة مخيم اليرموك، هو توحيد الجهود واستعادة اللحمة الوطنية لمواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الأسود السياسي الفلسطيني وتركيز القيادة الفلسطينية  بكافة أطيافها وألوانها السياسية على الأهداف  والثوابت الوطنية، والابتعاد عن النظرة الحزبية الضيقة التي ينظر إلي القضية الفلسطينية وثوابتها فقط من منظار مقياس الربح والخسارة للحزب وللأشخاص، وليس من منظور يخدم القضية... وليعلم الجميع أن هذه السياسة المتبعة ... التي سيجلها التاريخ... هي خسارة للقضية الفلسطينية برمتها... ولم ينفع الندم ... يوم الندم... يا أولي الألباب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق