اوباما يعلن الحرب على “النظام” و”الجماعات الجهادية” معا في سورية.. ويسترضي نتنياهو بالتأكيد على “يهودية اسرائيل”.. موقف مخجل من رئيس عانى من التمييز العنصري

 atwan-555.jpg44

عبد الباري عطوان

حدد الرئيس الامريكي باراك اوباما بدقة غير مسبوقة سياسة حكومته الخارجية في الفترة المقبلة، وكان من الطبيعي ان تحتل قضايا الشرق الاوسط مكانة بارزة في خطابه السنوي (حال الاتحاد)، خاصة ايران وسورية وافغانستان وتنظيم “القاعدة”.

هناك عدة نقاط اساسية يجب التوقف عندها اذا اردنا تحليل هذا الخطاب بطريقة موضوعية.

*اولا: هدد بتعطيل اي قانون يفرض عقوبات جديدة على ايران يصوت عليه الكونغرس خلال فترة اجراء المفاوضات الدولية، وهذا يشكل تحديا مباشرا لاسرائيل التي تريد فرض هذه العقوبات لافشال المفاوضات الجارية بين ايران والدول الست العظمى حول برنامجها النووي.

*ثانيا: اكد انه سيدعم المعارضة التي ترفض اهداف التنظيمات “الارهابية” وقال ان واشنطن ستعمل مع المجتمع الدولي “من اجل مستقبل خال من الديكتاتورية والارهاب والخوف في سورية” وهذا يعني انه يريد سورية بدون نظام الاسد والجماعات الجهادية معا.

*ثالثا: التشديد مجددا على “ان اسرائيل دولة يهودية تعرف ان امريكا تقف الى جانبها” في محاولة لارضاء اللوبي اليهودي المسيطر على الكونغرس، وحرمان بنيامين نتنياهو من اي ذريعة يمكن ان يوظفها ضده، اي اوباما، في الكونغرس.

***

الرئيس اوباما الذي انسحب من العراق، وعلى وشك اكمال انسحاب قواته من افغانستان في نهاية هذا العام، يدرك جيدا ان فرض الكونغرس عقوبات جديدة على ايران يعني انهيار الاتفاق النووي الاخير الذي جنب المنطقة والعالم حربا عالمية ثالثة، فقد حذرت ايران علنا، وبحزم ان فرض اي عقوبات جديدة يعني عدم التزامها بهذا الاتفاق، والعودة الى المربع الاول.

اوباما يريد تحييد ايران على جبهتين، الاولى جبهة طموحاتها النووية، اي وقف اعمال التخصيب واستمرار المفاوضات حتى نهاية ولايته الثانية، بحيث ينقل الازمة لمن سيأتي بعده، والجبهة الثانية هي الحرب على “الاسلام الجهادي” الذي تمثله جبهتا النصرة والدولة الاسلامية في العراق والشام وبعض الالوية الاخرى التي تتبنى ايديولوجية تنظيم “القاعدة”.

ايران طالبت في بيان رسمي مشترك مع تركيا ضرورة انسحاب جميع القوات الاجنبية في سورية ومحاربة الارهاب، وهذه رسالة توجهها الى الرئيس اوباما تؤيد منطلقاته هذه بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

وزارة الخارجية السورية كانت الاسرع والاكثر قلقا من هذا التوجه الامريكي الجديد، اي التخلص من “النظام الديكتاتوري” و”الجماعات الجهادية” معا، عندما اصدرت بيانا اتهمت فيه كل من امريكا والمملكة العربية السعودية، منفردتين او مجتمعتين، بمحاولة “افشال الحل السياسي لنسف مؤتمر جنيف2″ الاولى بالاعلان عن عزمها تسليح “المعارضة المعتدلة” والثانية (السعودية) برعايتها “مبادرة لوقف القتال بين المجموعات الارهابية الاسلامية المسلحة”، وقالت، اي الخارجية السورية، ان هذه المجموعات تضم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” و”الجبهة الاسلامية” و”جيش المجاهدين” و”جبهة النصرة” وغيرها.

السؤال هو حول “سلم اولويات” الادارة الامريكية، وحليفتها السعودية، اي هل سيكون التخلص من الجماعات الجهادية اولا، والنظام السوري ثانيا، ام العكس؟

من الواضح ومن خلال خطاب اوباما، والوساطة السعودية لتوحيد الفصائل الاسلامية المقاتلة على الارض، وانهاء الخلافات فيما بينها، للتركيز على الهدف المشترك، اي النظام، يؤكد ان الاولوية الآن للقضاء بداية على الدولة الاسلامية في العراق والشام الاكثر قوة على الارض، وبما يطمئن الرئيس الامريكي والدول الغربية الاخرى، ثم يتم التركيز بعد ذلك على النظام، وهذا ما يفسر في اعتقادنا المرونة المفاجئة التي ابداها الوفد الرسمي السوري في مفاوضات جنيف من حيث القبول ببحث تشكيل حكومة انتقالية تطبيقا لقرارات “جنيف 1″، ولكن بعد الانتهاء من القضايا السهلة مثل وقف اطلاق النار وتبادل السجناء وايصال مواد الاغاثة للمحاصرين.

***

ويظل لزاما علينا ان نعتبر اصرار اوباما اول رئيس من اصل افريقي لامريكا، على يهودية دولة اسرائيل امرا معيبا، وغير مقبول من شخص منه عانى واسرته، من المكارثية والتمييز العنصري في طفولته ومراهقته.

اوباما يهين، بمثل هذا الموقف المخجل كل المناضلين السود الذين ضحوا بحياتهم، سواء قتلا او سحبا، من اجل الانتصار لابناء جدلتهم والغاء كل قوانين التمييز العنصري البشع، وعلى رأس هؤلاء الداعية الامريكي مارتن لوثر كينغ ومالكوم اكس والقائمة طويلة.

اسرائيل دولة اكثر عنصرية من النظام الجنوب افريقي الابيض، وتريد الحصول على شرعية لعنصريتها هذه من الدولة الاكبر عالميا، وبما يؤدي الى فرضها على الشعب الفلسطيني والعالم من قبلها بعد ذلك ومن المؤسف ان اوباما ووزير خارجيته جون كيري يحققان لها هذا الطلب.

الرئيس اوباما، يريد تطبيق سياسات الرئيس بوش ولكن بالدبلوماسية، وليس من خلال الصواريخ والقاذفات العملاقة وحاملات الطائرات، اي نزع الاسلحة الكيماوية السورية، ومنع تطور البرنامج النووي الايراني لدرجة انتاج اسلحة ذرية، وابقاء اسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، وفرضها زعيمة عليها.

هل سينجح في مخططه هذا؟ لم لا طالما ان الوضع العربي وصل الى قاع السوء وذروة الانهيار.