التشكيلة الوزاريّة بين مسرحيّة البيان ومطرقة الرهان

المحامي فادي سعد

التشكيلة الوزاريّة بين مسرحيّة البيان ومطرقة الرهان
منذ إخراج الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري في العام 2011 من شبّاك سلطة السرايا، و14 آذار بكافّة مكوّناتها المحليّة والخليجيّة والتركيّة والدوليّة تحاول إيجاد مخطّط ما تُخرِجها من عنق الزجاجة الذي وضعت نفسها فيها نتيجة الرهانات المراهقة وقصر النظر في قياس الخلل في الميزان المحلّي نتيجة بدء الحروب الإرهابيّة في سورّيا من جهّة، ونتيجة ضغط الملفّ النووي على إيران من جهّة ثانية، فبالأولى إعتقد صقور 14 آذار أنّ النظام السوري سيسقط تحت ضربات قوى الظلام المدعومة سعودّياً وقطريّاً وتركيّاً وأميركيّاً وفرنسيّاً، فالسيّد سمير جعجع- المتخصّص بشؤون الإنسحابات التكتيكيّة العسكريّة في فترة حرب العصابات التي كان يقود إحدى أهمّ ميليشياتها، ناهيك عن تمرسّه بالتقاط الذبذبات الخاطئة الأمر الذي كان يوقعه دائماً في مستنقع الرهانات القاتلة على المستويين القيادي والشعبي- كان يسرّ في كافّة مؤتمراته الصحافيّة عن مكنونات قلبه بقرب سقوط النظام السوري لأسباب تتعلّق بحساباته الإقليميّة من ليبيا إلى مصر إنتهاءً بسوريا، معوّلاً على التقارير العاطفيّة المتضاربة الآتية من بنك رئيس الإستخبارات السعوديّة السابق بندر بن سلطان بشأن حكم الأخوان في مصر وقوى التكفير في بلاد الشام، ولاحقاً متأمّلاً بضربة عسكريّة أميركيّة وشيكة تؤدّي إلى تغيير موازين القوى على أرض المعركة والنتيجة كانت سيصرفها في الداخل اللبناني، إلاّ أنّ حسابات الحقل لم تنطبق على مردود البيدر، فكانت الخسارة المدوّية التي اعتاد تذوّقها في شرق صيدا وإقليم الخرّوب ودير القمر إبّان الحرب اللبنانيّة.

أمّا السيّد سعد الحريري كان إلى حدٍّ ما يقرأ في ذات الكتاب الذي قرأه حليفه المعرابيّ مع فارقٍ بسيط أنّه كان يُشرف على سير المعركة في سوريا عبر وكيله الحصري موزّع الحفاضات والحليب عقاب صقر على مقربةٍ من الحدود التركيّة السوريّة والتي كانت تأتي عبر البحرمن مرفأ طرابلس الليبيّة في سفن لطفالله 1 و2 وتفرغ حمولتها من أسلحة الأطفال في مرفأ طرابلس اللبنانيّة في كلّ مرّة تشتعل جبهاتها مع جبل محسن لتأمين نقلها عبر الحدود اللبنانيّة إلى الداخل السوري، وبطبيعة الحال كانت معنويّاته أقوى بكثير من حليفه الذي لم يكن على إطّلاع إلاّ بما يتيسّر له من معلومات لا ترقى إلى مستوى العالم بمجريات الأحداث، ومع إلغاء الضربة الأميركيّة والنقاهة الطبيّة الإلزاميّة لوليّ أمره الأمير بندر وإبرام التسوية الإيرانيّة الأميركيّة وتقهقر حلفائه من جبهة النصرة وداعش والجيش السوري الحرّ ودخول المقاومنة اللبنانيّة على خطّ المعارك وسقوط منطقة القصير التي كانت المعبر الإلزامي لتمرير شحنات الحفاضات وأرطال الحليب، أصبحت آماله تتضاءل في إستثمار الوضع في سوريا في الداخل اللبناني الذي كان يعوّل عليه للعودة إلى جنّة السلطة من الباب بعد إخراجه من الشبّاك.
بعد الإنتكاسة التي عرَّت قوى 14 آذار من ورقة التين، لم يعد أمامها سوى تغيير المخطّط، فانتقل رهانها إلى تسديد الضربات السياسيّة صوب حزب الله وطبعاً مع الإستعانة بخبرات الوزير سعود الفيصل فكان القرار بتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة بعد الإخراج المُحكَم الذي انطلت حيلته على قوى 8 آذارعبر مسرحيّة تسمية نوّاب طرابلس له في إستشارات التكليف وخروجهم الظاهري من الحلف مع المستقبل، وبعكس ما كان يظنّه البعض، فإنّ الرئيس سعد الحريري كان ممثلاًّ في الحكومة الجديدة عبر الرئيس ميقاتي خير تمثيل، وكلّ المعطيات التي تلَت دلّت على أنّ هذا الأخير لم يكن سوى وديعة سعوديّة أدّى دوره كما كان مرسوماً له وبعد صدور القرار السعودي بخربطة اللعبة كانت إستقالته المدويّة والتي فاجأت مكوّنات 8 آذار والتيّار الوطني الحرّ والتي تقدّم بها تحت ستار رفض التمديد للّواء أشرف ريفي على رأس المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي بالإضافة إلى التهرّب المتعمّد في توقيع مراسيم التنقيب عن النفط الذي يزعج إسرائيل والسعوديّة في حال صدورها وبتّها، وكانت هذه الإستقالة الضربة الأولى الموجعة بإعتقاد صقور قوى 14 آذار.
إستوعبت قوى 8 آذار والتيّار الوطني الحرّ ضربة الإستقالة، وبدأت معها الخطّة باء ودائماً بتخطيط سياسيّ من خارجيّة القوّة الراعية لقوى 14 آذار، وبما أنّ حسابات 8 آذار لم تكن مريحة نظراً لتقلّبات النائب وليد جنبلاط الذي يملك بمفرده مفتاح التوازن، ونظراً لاستفحال عامل الإرهاب على الساحة اللبنانيّة واتّساع بيئتها الحاضنة والتي بدأت تشكلّ عنصراً ضاغطاً عليها، فكانت الإستشارات التي أفضَت إلى تكليف النائب تمّام سلام بتشكيل الحكومة والكلّ يعرف المدّة التي استغرقه إصدار مرسوم تشكيلها، لا سيّما بعد التعنّت المستقبلي والشروط التعجيزيّة وإعلان بعبدا والسقوف العالية خاصّة حول مشاركة حزب الله في الحكومة، إلاّ أنّ شيئاً ما قد حصل في الحديقة الخلفيّة في الخليج، فبعد هزّة إنتقال الحكم في قطر وسقوط جماعة الأخوان في مصر وفشل بندر بن سلطان في إدارته لمجريات المعارك في سوريّا، كلّ هذه الأمور أدّت إلى تغيير في السيناريو فما كان مرفوضاً سابقاً أصبح مقبولاً، لكن النيّة الضمنيّة كانت وما زالت بإحراج حزب الله ومعه التيّار الوطني الحرّ نظراً لتزايد العمليّات الإنتحاريّة وزجّ الجيش اللبناني بعمليّة إلهائيّة على خطوط الجبهة بين طرابلس وجبل محسن إلاّ أنّ القيادة الحكيمة للمؤسّسة العسكريّة التي عرفت كيف تدير اللعبة لا سيّما أنّ مخابرات الجيش اللبناني بالتعاون مع أجهزة المقاومة الإستخباريّة أدّت إلى وقوع مفاتيح الإرهاب في يديها وبدأت التوقيفات الموجعة تتسبّب بخسارة قوى 14 آذار للمبادرة، فما كان من السعوديّة بتغطيّة أميركيّة عبر الغزل غير المباشر لحزب الله وقيام السفير الأميركي في لبنان بتأدية النصائح لسعد الحريري بقبول الإشتراك تحت سقف الحكومة مع حزب الله ولو على حساب التنازل عن شرطي تسليم السلاح والإنسحاب من سوريا، وذلك من ضمن المسرحيّة التي أخرجتها دوائر الخارجيّة السعوديّة، فالرئيس اللبناني ألقى خطابه الشهير الذي أنهاه بعبارة ” عاشت السعوديّة” والنائب تمّام سلام سعودي الهوى والمقاصد وسعد الحريري إبنها المدلّل، وبالتالي تتمّ عمليّة التشكيل والهدف الأوّل منها الإطاحة بحكومة تصريف الأعمال الميقاتيّة نظراً لقرب إستحقاق الإنتخابات الرئاسيّة ولا مجال لأن يمارس صلاحيّة الرئيس في حال الفراغ أكثريّة وزاريّة مؤلّفة من التيّار الوطني الحرّ وحزب الله وحركة أمل وبعض حلفائهم وبالتالي تسليمها لحكومة لا تملك فيها هذه القوى أكثر من ثمانية وزراء ووزير تاسع بمثابة وديعة الثلث الضامن، والهدف الثاني في حال صدور مرسوم التأليف يتمّ إلهاء هذه القوى بقصّة إبريق الزيت أي البيان الوزاري وبندي المقاومة وإعلان بعبدا، وفي حال عدم الإتفاق تكون النتيجة في الحالتين حكومة تتمتّع فيها قوى 14 آذار بالأكثريةّ المريحة لممارسة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة إلى حين إنتخاب رئيس جديد ومن الممكن أن تطول المدّة إلى حين تبلور الأوضاع على أرض المعركة في سوريا. إلاّ أنّ تسهيل قوى 8 آذار والتيار الوطني الحرّ تشكيل الحكومة والقبول بتسليم الوزارات الأمنية والقضائيّة والإتصالات إلى المستقبل و14 آذار ورئيس الجمهوريّة أدّى إلى خربطة الخطّة المرسومة إلى حدٍّ ما وهذا ما يفسّر الإنتقال إلى مسرحيّة البيان الوزاري بين إعلان بعبدا وثالوث الشعب والجيش والمقاومة وسيناريو اللعب على تناقضات مفردات قواعد اللغة العربيّة، فإمّا أن تستكمل قوى 14 آذار مخطّطها للوصول إمّا إلى الفراغ الرئاسي بحكومة تملك فيها الأكثريّة المريحة فتصبح الصلاحيّأت بأكملها بين يديها، وإمّا حشر قوى 8 آذار والتيّار الوطني الحرّ للقبول بالتمديد للرئيس ميشال سليمان أو بإنتخاب رئيس يميل بطبيعة الحال للمستقبل، وهذا السيناريو ما تريده بعض القوى الخليجيّة والإقليميّة بالإضافة إلى فرنسا والولايات المتحدّة الأميركيّة…
وما على لبنان وشعوبه إلاّ الإنتظار لغاية 25 أيّار فإمّا تكون مخطّطات 14 آذار المرسومة في السعوديّة والدوائر الخارجيّة للدول المذكورة أعلاه ناجحة ما يؤدّي إلى زعزعة تحالف قوى 8 آذار، وإمّا تكون فاشلة مرّة أخرى فينفرط عقد قوى 14 آذار رسميّاً ومعها مفاتيح القوّة التي تمتلكها السعوديّة ومَن معها، وعندها يتكشَّف سيناريو التشكيلة الوزاريّة بين مسرحيّة البيان الوزاري ومطرقة الرهان.
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية