امريكا عندما تتجسس على حلفائها
رأي القدس
نفهم ان تتجسس المخابرات الامريكية على دول معادية مثل الاتحاد السوفييتي سابقا والاتحاد الروسي حاليا، او ان تبث عيونها في افغانستان والعراق بل وفي فنزويلا تشافيز، ولكن ان تتجسس على اقرب حلفائها في اوروبا الذين وقفوا الى جانبها دائما، وساندوا بل وخاضوا جميع حروبها، فهذا يكشف عن حالة من الغرور والغطرسة وانعدام الثقة والوفاء معا.
صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية نشرت يوم امس وثيقة يرجع تاريخها الى عام 2010 من وكالة الامن القومي (ان.اس.ايه) احتوت على قائمة تضم 38 سفارة وبعثة كانت اهدافا للتجسس، من بينها سفارات وبعثات الاتحاد الاوروبي في نيويورك وواشنطن، والسفارات الايطالية والفرنسية واليونانية، كما تعرض حلفاء الولايات المتحدة مثل كوريا الجنوبية واليابان والمكسيك والهند الى الشيء نفسه.
واذا كانت الاجهزة الامنية الامريكية تتجسس على سفارات اقرب حلفائها في اوروبا وشرق آسيا فمن الطبيعي ان تتجسس على معظم الدول العربية والاسلامية ان لم يكن كلها صديقة كانت او عدوة.
الدول الاوروبية فوجئت بهذه الوثيقة التي سربها الى الصحيفة عميل المخابرات الامريكي السابق ادوارد سنودن الذي عرض عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اللجوء السياسي امس. وكان رد حكوماتها، والالمانية منها خاصة غاضبا.
المانيا جرى تصنيفها حسب هذه الوثيقة بانها ‘عدو في حرب باردة’ وانها شريك من درجة ثالثة، تتقدم عليها دول مثل كوريا الجنوبية واليابان واخرى من العالم الثالث.
ايطاليا طالبت الادارة الامريكية باجابات، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند طالب بوقف اعمال التجسس هذه فورا، بينما يشعر المواطنون الاوروبيون المستهدفة دولهم وسفاراتهم باعمال التجسس هذه بالغضب، ويرون ان الحليف الامريكي طعنهم في الظهر دون اي سبب.
موقف جون كيري ورده على موجة الغضب هذه كان غريبا ومتغطرسا، فقد حاول ان يبرر اعمال التجسس هذه على الحلفاء بانها طبيعية وجزء من مسؤولية الاجهزة الامنية، وادعى ان هذه الاعمال التجسسية حمت الولايات المتحدة من هجمات كثيرة.
لا نعتقد ان سفارات فرنسا والمانيا وايطاليا على سبيل المثال التي تجسست عليها اجهزة المخابرات الامريكية كانت سفارات لتنظيم ‘القاعدة’ وتجري داخلها عمليات التخطيط لضرب اهداف امريكية، حتى تخضع لاعمال التجسس هذه.
الحكومة الامريكية باتت لا تخجل من اختراق القوانين الدولية، والتجسس على حرمات واسرار وخصوصيات الدول الصديقة قبل العدوة تحت ذرائع الامن ومكافحة الارهاب، وهي التي تدعي انها زعيمة العالم الحر، وتتدخل عسكريا في دول عربية واسلامية تحت شعار نشر الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الانسان.
الحكومات الاوروبية احتجت، وطالبت بتوضيحات، ولكننا وللأسف الشديد لم نسمع مطلقا ان حكومة عربية واحدة مستهدفة باعمال التجسس هذه قد احتجت او عبرت عن غضبها ربما خوفا من الرد على هذا الاحتجاج بنشر فضائح سفارتها ودبلوماسييها وما اكثرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق