الثلاثاء، 9 يوليو 2013

عن الوجود الفلسطيني، والزيارة التاريخية

07/07/2013  |  (0)


غسان بو دياب
من الواضح جلياً أن لزيارة الرئيس محمود عباس إلى لبنان، في هذا الظرف التاريخي، تداعيات مفصلية على مستقبل العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، وليست فقط زيارة عادية لـ«رئيس دولة»، فالمصطلح الأجنبي «Stakeholder» أو «partie prenante» ينطبق على الوجود الفلسطيني في لبنان بقوة، وبالتالي، فأي تغيير في النظام اللبناني، أو على الأقل في الخارطة السياسية اللبنانية، أو حتى الخارطة الفلسطينية، قد يعيد خلط الأوراق بشدة، وهذا ما يمكن أن يربك محبذي الستاتيكو القائم، الذين يخشون «أن يسبقهم الحدث».
بغض النظر عن الإستقبال الحافل حيث كان كل شيء «في مكانه»،إلا أن الطبق الرئيسي على الموائد كان، بطبيعة الحال، الطبق السياسي، حرص الرئيس اللبناني على «إكرام وفادة» الرئيس الضيف، الأعلام المنشورة على جانبي الأعمدة، الإجراءات الإحتفالية، والصور العملاقة للرئيس الضيف، ومعها مقتطفات من كلامه، خاصة منها التي تتكلم عن حتمية العودة إلى فلسطين، «فلسطين وطننا، العودة هدفنا»، شعار وضع على الطريق الرئيسية التي يسلكها المغادرون من مطار بيروت - رفيق الحريري الدولي، - مطارنا اليتيم إلى أن يقضي الواقع السياسي أمراً كان مفعولاً - رسالة وصلت بوضوح للرئيس الضيف، فانعكست، بوضوح أيضاً، في خطابه على مائدة العشاء، إذ ركز «بعبارات واضحة لا لبس فيها»، بأن الفلسطينيين الذين يقيمون على تراب لبنان الذي نعته بالطهور، هم ضيوف، وأنهم جميعاً تحت القانون، مجدداً التأكيد على رفض التوطين، وعلى أن وطن الفلسطينيين هو فلسطين، ولا يمكن أن يرضوا عنه بديلاً، مشدداً على أن الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود موقت، وأنه «سيأتي قريباً اليوم الذي يعود فيه كل فلسطيني في الشتات لوطنه فلسطين»، بدون أن يذكر كيف ومتى. علماً أنه كان قد رفع السقف جداً في مرحلة سابقة، حينما تكلم عن أن السلاح في داخل وخارج المخيمات هو بأمرة رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانية، وأن الفلسطينيين في لبنان ليسوا بحاجة إلى السلاح لأنهم في حماية الدولة اللبنانية. «الأخوة» بين الرئيسين تجلت في الإستقبال أيضاً، ففي بهو القصر الجمهوري، وقفا جنباً إلى جنب، لمصافحة المدعويين فرداً فرداً، ببشاشة ودماثة، قبل الإنتقال إلى طاولة العشاء، المناسبة اكثر من ملائمة، بحضور كل الأطراف السياسية، ورعاتها الدوليين، لـ«إعلان رئاسي هام» جسدتها الكلمات التي ألقاها الرئيسين.
الزيارة تكتسب أهمية تاريخية، فالوجود الفلسطيني في لبنان، كما هو معلوم، وجود تاريخي، إذ يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان منذ عقود، وقد مر هذا الوجود بعدة مراحل على مستوى التاريخ المعاصر، ويذكر الباحثون الفلسطينيون أن المرحلة الأولى منذ العام ألف وتسعمائة وثمان واربعين، ويسمونها مرحلة التكيف والأمل، وتستمر إلى العام ألف وتسعمائة وثمان وخمسين، وهي مرحلة الترحيب اللبناني الرسمي والشعبي بلجوء الفلسطينيين، وترصد تصريحات للحكومة اللبنانية، ورئيسها آنذاك رياض الصلح، عبر وزير الخارجية حميد فرنجية: «سنستقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين مهما كان عددهم ومهما طالت إقامتهم. ولا يمكننا أن نحجز شيئاً عنهم، ولا نتسامح بأقل امتهان يلحقهم دوننا... وسنقتسم فيما بيننا وبينهم آخر لقمة من «الخبز». ثم بعد اندلاع ثورة الثماني والخمسين، وتصنف كمرحلة القمع والتهميش ، وتستمر إلى التاسع والستين، تاريخ إندلاع «انتفاضة المخيمات»، وتوقيع اتفاقية القاهرة بضغط من مصر جمال عبد الناصر آنذلك. فمرحلة الازدهار وبناء المؤسسات، وفيها ازدهار المؤسسات الفلسطينية بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، وتراجع «القوة الإكراهية» للدولة لصالح الميليشيات، إلى خروج منظمة التحرير من لبنان، وهي مرحلة جديدة تعتبر مرحلة الانحسار وانهيار المؤسسات، وتستمر إلى حين الطائف، وتتمثل بانهيار مؤسسات منظمة التحرير، وتوقيع أوسلو، حيث تم انقطاع الحوار بين الدولة ومنظمة التحرير وإلغاء اتفاقية القاهرة، إلى العهد السابق حيث استؤنف الحوار مرة أخرى في عهد الرئيس إميل لحود، من خلال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور أسعد عبد الرحمن، ونظيره اللبناني عصام نعمان.
أما المشهد اليوم، فهو قمة التعاطي والتعاون، خصوصاً بعد حصول فلسطين على صفة الدولة في الأمم المتحدة، وإن غير الدائمة العضوية، وتشكيل «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني»عام ألفين وخمسة، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في بيروت عام ألفين وستة.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس حل ضيفاً عزيزاً على أراضي الجمهورية اللبنانية، وفي قصرها الرئاسي، فهل سيأتي يوم، نذهب فيه نحن، بمعية رئيسنا، إلى أراضي «الجمهورية الفلسطينية»، ونحل ضيوفاً على الشعب الفلسطيني الشقيق، في الوطن الفلسطيني السيد الحر المستقل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق