مصري ينقذ يهودية..."من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً"
منحت مؤسسة "ياد فاشيم" الإسرائيلية الطبيب المصري الراحل محمد حلمي لقب "منصفون بين الأمم" وذلك بعد 31 عاما من وفاته. وبهذا اللقب أرادت المؤسسة تقدير جهود الطبيب في إيواء فتاة يهودية وإخفائها عن النازيين منذ عام 1942 وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. في الحوار التالي مع إيرينا شتاينفيلد مديرة قسم "منصفون بين الأمم" يطلب الصحفي إيغال أفيدان المزيد من المعلومات عن محمد حلمي، الذي كان يعيش في برلين، والأسباب التي دفعت المؤسسة إلى منحه هذا اللقب.
- ما السبب الذي جعل لجنة "منصفون بين الأمم" في مؤسسة "ياد فاشيم" تكرم أول عربي كمنقذ للشعب اليهودي؟
إيرينا شتاينفيلد: حصلنا على وثائق من السيد مولدر، الذي بحث في تاريخ اليهود من ضحايا المحرقة النازية في حيه. ووصفت الوثائق قصة قيام محمد حلمي وفريدا ستورمان بإنقاذ آنا بوروس (غوتمان). وبعدما تثبتنا من تلك المعلومات، قمنا بتوصيلها إلى لجنة "المنصفين" التي منحت كليهما لقب "منصفون بين الأمم".
- كيف كان وضع حلمي كمصري مسلم بعد وصول هتلر إلى السلطة عام 1933؟
إيرينا شتاينفيلد: لقد أصبح وضعه معقدا لأنه وفقا لعقيدة السلالات العرقية ينتمي إلى الجنس "الحامي" وليس إلى الجنس الآري، لذا لم يتمكن من الزواج من خطيبته الألمانية. ولم يتزوجها إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة. وكان حلمي قد انتقد النازيين، واُعتقل بسبب ذلك، وفي وقت لاحق اُحتجز في معسكر بالقرب من مدينة نورنبرغ، لأنه كان مصريا وكانت مصر ضمن أراضي (الإمبراطورية) الإنجليزية وكانت انجلترا بلدا عدوا (للنازيين). وعلى الرغم من أن حلمي كان يواجه العديد من المشاكل، إلا أنه مع ذلك كان ينتقد النازيين.
- لماذا بحثت آنا بوروس، التي كان عمرها آنذاك 16 عاما وكانت تعيش في برلين مع والدتها وزوج الأم، عن مكان تختبئ فيه؟
إيرينا شتاينفيلد: آنا بوروس أصلها من رومانيا وجاءت مع أمها إلى برلين عندما كان عمرها سنتين. في برلين كان يعيش أجداد آنا، وتزوجت أمها جولي من شخص برليني. وعندما كانوا كأجانب يواجهون الترحيل الحتمي في أوائل عام 1942، قرروا الاختباء.
- ربما كان ذلك أحب إليها من الترحيل إلى رومانيا الذي كانت فيه خطورة على حياتها. لكن كيف حدث اللقاء بين آنا بوروس ومحمد حلمي؟
إيرينا شتاينفيلد: كان حلمي الطبيب الذي يعالج كل أفراد عائلة آنا بوروس. ونحن نعرف فقط أنه خبأها في عريشه (كوخ خشبي في حديقة منزله) في منطقة برلين- بوخ. وعندما تأزم الوضع ذهب بها إلى فريدا ستورمان حيث بقيت بضعة أسابيع حتى هدأت الأوضاع. كما قام الدكتور حلمي أيضا بتقديم الرعاية الطبية لجدة وعم آنا اللذين كانا مختبئين أيضا. وكان في ذلك خطورة كبيرة بالنسبة لشخص في وضعه، مع هذا فقد وقف إلى جانب مرضاه .
- للأسف، نحن لا نعرف إلا القليل جدا عن الدكتور حلمي، لأن زوجته توفيت ولم يترك أولادا ولا أحفادا. لكن كيف يمكنك وصفه انطلاقا من الوثائق التي حصلت عليها؟ هل ينطبق عليه نموذج الأشخاص "المنصفين بين الأمم"؟
إيرينا شتاينفيلد: كان حلمي رجلا صاحب شخصية قوية، وذا خلق ولا يخاف. ولا يوجد قاسم مشترك بين الأشخاص الذين مُنحوا لقب "المنصفون بين الأمم"، والبالغ عددهم 25 ألف شخص، فهم من جميع الأديان، وبنيهم ملحدون أيضاً. وينتمون إلى جميع الفئات العمرية ومختلف المهن.
ونحن كرمنا أساتذة جامعات وأميين ونبلاء وكذلك بائعات هوى. حتى أن ثمة مواصفات لبعض من أنقذوا اليهود تتطابق مع خصائص من ارتكبوا جرائم. فقرار إنقاذ حياة أشخاص هو قرار شخصي، وكل واحد يمكنه الاختيار بين الخير والشر. وللأسف فإن من اختاروا الخير قليلون جدا.
- تم تكريم محمد حلمي في الوقت الحالي بشهادة تقدير وميدالية نُقش عليها صورة سجين في زيّ مخطط ، ويبحث عبر الأسلاك الشائكة عن طريقه إلى عالم الحرية.
إيرينا شتاينفيلد: على الميدالية تم نقش مقولة "من ينقذ حياة إنسان واحد، ينقذ عالما بأكمله." وهذه مقولة يهودية مذكورة في التلمود. والفكرة الأساسية هي أن حياة إنسان واحد هي عالم بأكمله.
- هل يمكنكم من خلال اعتراف ياد فاشيم بحلمي كواحد من "المنصفين بين الأمم"، والذي تصدر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، الحصول على معلومات جديدة عنه؟
إيرينا شتاينفيلد: تماما في نفس اليوم قامت ابنة أخ (أو ابنة أخت) آنا بوروس (والتي أصبحت تحمل اسم غوتمان فيما بعد) بالاتصال بنا هاتفيا. وتذكرت زيارتها مع عمتها (أو خالتها) للدكتور حلمي في برلين. وقد أوصلتنا بابنة آنا بوروس في الولايات المتحدة. وسوف ترسل لنا قريبا وثائق وصورا لوالدتها.
- من يقرر منح لقب "المنصفين بين الأمم" وهل هي أيضا مسألة سياسية؟
إيرينا شتاينفيلد: السياسة لا تلعب أي دور في منح الأشخاص لقب "المنقذ". وقد أُبلغت السفارة المصرية بذلك. ونشرت ياد فاشيم القصة على موقعها باللغة العربية، كما تحدثت عنها أيضا بعض وسائل الإعلام العربية.
الهولوكوست مشكلة صعبة جدا في العالم العربي، لأنها تقف في ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لهذا السبب لا أعتقد أن تكريم مصري سوف يغير كثيرا في هذا الموقف. ولكن حتى لو غيّر فقط أشخاص قليلون من رأيهم بسبب ذلك فإن هذا سيكون نجاحا.
حاورها: إيغال أفيدان
ترجمة: صلاح شرارة
تحرير: شمس العياري
حقوق النشر: قنطرة 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق