السبت، 21 ديسمبر 2013

اللواء كامل ابو عيسى يتذكر مع دنيا الوطن: ابو عمار وزلطة الجنرال ويتلي وأمين الهندي وكأس الجنرال فلاديمير

اللواء كامل ابو عيسى يتذكر مع دنيا الوطن: ابو عمار وزلطة الجنرال ويتلي وأمين الهندي وكأس الجنرال فلاديمير
تاريخ النشر : 2013-12-20
كبر الخط صغر الخط
رام الله - دنيا الوطن
 
قال اللواء الدكتور كامل ابو عيسى لدنيا الوطن: ذات يوم وبعد منتصف النهار ، تركت مكتبي في مدينة غزة وتوجهت إلى مقر المخابرات الفلسطينية العامة في دير البلح للاستفسار عن بعض الأمور الخاصة بالدورة الأمنية ، كان الجنرال وتلي يجلس في الصفوف الأمامية يتابع ضباطه وهم يلقون محاضراتهم على منتسبي الأجهزة الأمنية وكان يجلس بقربة الأخ المرحوم توفيق جبر ، واصلت سيري بعد التحية إلى المكتب وإذا بأحد الأشخاص يشدني من طرف الجاكيت التي كنت أرتديها ، نظرت خلفي بإندهاش واذا به الجنرال ويتلي ، كان نحيف وقصير القامة ولا يخلو وجهه من تجاعيد سنين الهرم المتراكمة حيث قال بابتسامة باهته لا تخلو من المكر والدهاء ، ألست أنت الدكتور كامل؟ قلت له نعم ولكن من أنت؟.
فقال أنا الجنرال ويتلي منذ مدة وأنا اتحين الفرصة لكي ألتقي معك ، فهل تمانع بأن نجلس معاً للحديث في بعض المسائل والأمور ولمدة ساعة او نصف ساعة؟ أجبته بالموافقة وتوجهنا معاً إلى مكتب المرحوم توفيق جبر ، وتذكرت على الفور حديثي المنتقد والرافض لهذه المحاضرات كونها سطحية وتفتقر إلى المادة الأمنية المؤهلة للعمل الاستراتيجي والميداني فهم يعلمون ضباطنا على كيفية فتح الأبواب وكسر الأقفال والتعامل مع الحقائب والأبواب المغلقة ، فرد اللواء أمين الهندي بابتسامته المعهودة قائلاً يا دكتور هذه هي المساعدات التي اقترحوها علينا ، وهم يقدموها باليمين ويأخذوها بالشمال فهؤلاء الخبراء يأخذون نصف المساعدات المالية المقدمة لنا ، لكي ينقلوا لنا خبرتهم في فتح الأبواب والحقائب ونحن وكما تعلم في حاجة للعلاقة معهم ، فقلت له مازحاً علينا أن نحضر عددا من اللصوص المحترفين لكي ينقلوا خبرتهم لهؤلاء المحاضرين في إطار تبادل الخبرات والمنافع.
جلس ويتلي وجلست غير بعيد عنه ولم يكن لهذه الهواجس أي علاقة بهذا اللقاء.
نظر نحوي وقال: نحن نعلم أنك العقل الأقرب من الجميع للرئيس عرفات ونعلم مدى ثقته بك ، ولكنك أحياناً تدفعه لاتخاذ مواقف متشددة من بعض القضايا فهذا ليس من مصلحتكم ، أتمنى عليك إقناع الرئيس أبو عمار أن تكونوا مثل حجارة الزلط الناعمة الملمس الصلبة في بنيتها ، إسرائيل لديها طمع وشراهه إلى درجة أنها تفكر في ابتلاعكم فدعوها تبتلع في معدتها حجارة الزلط الغير قابلة للهضم فهي سهله عند الابتلاع ولكنها ستدمر معدة إسرائيل والتي ستستغيث في حينها بنا لإجراء عملية جراحية بهدف تخليصها من هذه الحجارة ، فعندها ستفوزوا باستقلالكم التام وباعتبار أنه سيشكل المخرج الوحيد لبقاء إسرائيل على قيد الحياة.
فقلت له واجبي الدفاع عن قضية شعبي ، فنحن لسنا متشددين ولكنكم تحاولون تفكيك عقد التشدد الاسرائيلي الظالم على حساب المرونة الفلسطينية ومرونتنا لها حدود وضوابط ولا يمكن للرئيس عرفات أن يتجاوزها أو يقفز عنها ، فهو الشخص الوحيد الأمين والمؤتمن على قضية الشعب الفلسطيني ، قال وهو يبتسم: دعنا من هذا لكن قل لي ، لقد قرأت لك تقريرين في منتهى الأهمية الأول يتحدث عن انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي والثاني بعنوان الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون ، ونحن في الوكالة أي وكالة المخابرات الأمريكية لم نصدق هذه المعلومات فلم يكن لدينا تصور عن احتمال انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي ، كما أننا نظرنا باستخفاف للتقرير الثاني الذي يتحدث عن فوز الرئيس بيل كلينتون في الانتخابات على منافسه القوي جورج بوش ( الأب ) وبعد ذلك وعلى ضوء النتائج قمت شخصياً بقراءة التقرير المتعلق بالإنتخابات الامريكية عدة مرات لكي استوعب حقيقة الاحكام والتوقعات التي صدقت فيها ولم أتمكن فهل لك أن تفيدني وأن تشرح لي الأمر مجدداً؟ علماً بأن الأجهزة الأمنية الدولية والأوروبية كان لديها تقدير موقف يرجح وبقوة فوز جورج بوش ( الأب ) بولاية ثانية على منافسة الديمقراطي بيل كلينتون .
فقلت له مازحاً أتريد أن اجيب عن أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي أم عن أسباب نجاح الرئيس بيل كلينتون؟ فقال أريد إجابة عن السؤال الثاني/ الاتحاد السوفيتي أصبح في ذمة التاريخ ونحن نقر بأنك كنت مصيب في توقعاتك ، ولكن لماذا وكيف فاز الرئيس بيل كلينتون؟ أجبته بصراحة بأن العام الأخير من ولاية جورج بوش ( الأب ) شهد انحداراً ملموساً في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ولقد تجندت الوكالة اليهودية ومنظمات اللوبي الصهيوني ومراكز رأس المال اليهودي خلف الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية وتحت شعار إسقاط الرئيس جورج بوش ( الأب ) وعلى قاعدة أن دعمهم للمرشح الديمقراطي بيل كلينتون او غيره ليس نتيجة قناعة فيه او محبة له ، وإنما لتحاشي ودرأ الأخطار الجسيمة التي ستلحق بهم وبإسرائيل في حال فوز جورج بوش ( الأب ) بولاية ثانية فهو ولأول مرة مع وزير خارجيته جيمس بيكر يتحدث عن كرامة الأمة الأمريكية وبشعور قومي لا يخلو من العداء للنفوذ الصهيوني المستشري في الولايات المتحدة الأمريكية ولا يقبل باستمرار العدوان الإسرائيلي في الشرق الأوسط وضد الشعب الفلسطيني ، ولم ابلغه بالمطلق باسرار زيارتي السرية إلى موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي أبلغني فيها أحد المسئولين السوفييت الكبار وبألم ومرارة كيف أنهم وقعوا في فخ الوعودات الصهيونية وحيث تم التوافق رسمياً ولحل الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة والتي عصفت بالبلاد والعباد ، بأن تقوم روسيا الاتحادية بإعلان استقلالها الرسمي وبتفكيك منظومة دول الاتحاد السوفيتي في مقابل عودة رأس المال اليهودي الذي خرج منها بعد الثورة البلشفية في عام 1917م. والذي يقدر في حينه بعشرات المليارات من الروبل الذهبي وبحيث تصبح موسكو المركز الدولي المالي لليهود كبديل عن نيويورك ، وأنهم كبديل عن ذلك وبعد أن قام الرئيس بوريس يلتسن ومجموعته بتفكيك الاتحاد السوفيتي ارسلوا ما قيمته 500 مليون دولار فقط وبغرض وبهدف شراء ذمم بعض القادة والمرشحين الفائزين في " الدوما " ، أي البرلمان الروسي الجديد وأنهم حاليا يعتقدون بأن انتصار جورج بوش الأب بولاية ثانية سيؤدي إلى تفاقم الأزمة بين طواغيت رأس المال اليهودي والإدارة الأمريكية وهو الأمر الذي سيدفع بهجرة رؤوس الأموال اليهودية باتجاه موسكو وأن جورج بوش ( الأب ) وجيمس بيكر سيعملان بجدية لإنشاء دولة فلسطينية في عموم أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة متحدة كنفدرالياً مع شرق الأردن وسيفرضان على إسرائيل عودة مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى مناطق عام 1948م. ولهذا وبالرغم من كراهيتنا البغيضة للرئيس جورج بوش الأب لمساهمته في انهيار الاتحاد السوفيتي فإننا نتمنى فوزه لان فوزه سيكون في صالح روسيا الاتحادية وفلسطين.
لم ابلغه بكل ذلك واكتفيت بالتركيز على فداحة الأخطار التي يجسدها اللوبي الصهيوني في سياساته المتحكمة في مواقع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وقد بدأت على ملامحه علامات الارتياح والاستهجان حيث بادرني قائلاً: أنكم تتابعون أوضاعنا الداخلية أكثر منا وذلك بسبب انشغالاتنا الخارجية لقد استفاد الرئيس عرفات من هذا التقرير كثيراً وفي ليلة إعلان فوز الرئيس بيل كلينتون وفجراً أرسل بالتقرير إلى مكتب الرئيس كارتر وإلى أخرين ممن لهم علاقة بالحزب الديمقراطي وقد كان لرسالتك المختصرة في مقدمة التقرير للرئيس بيل كلينتون والذي خاطبته فيها بالقول: أن الشعب والقيادة الفلسطينية ينتظرون فوزك الأكيد ويعتبرونك خليفةً للرئيس الراحل جون كينيدي ويعتقدون بأنك ستواصل طريقة وهو الزعيم والقائد الأمريكي الذي كان يحمل إصرارا كبيراً على إنصاف ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم ، أثره البالغ في النفوس وفي وجدان الرئيس بيل كلينتون شخصياً ، ولكن قل لي هناك سؤال أريدك أن تجيب عليه بصراحة تامة؟ وقبل أن يسال قلت له لا تكمل إنني اعرف ماذا تريد ، قال ماذا؟ قلت له ستقول لي أنكم تريدون إحضار يحيى عياش حياً او ميتاً ، ضحك وقال هذا ما كنت سأسلك عنه بالضبط ، قلت له أعطيك الإجابة ولكن بشرط أن تعطيني وعداً أن لا تغضب مني أو تشتكيني للرئيس أبو عمار وغيره وأن تعتبر إجابتي في إطار ( أكاديمي ) لا علاقة لها بموقعي أو مسؤولياتي السياسية والأمنية ، قال: لك هذا ولك مني وعد أن لا احتج ولا اغضب مما ستقول فقلت له: لدي هواجس وشكوك بأن الطرف الإسرائيلي الذي يضغط عليكم بأن تضغطوا علينا وحتى نقوم بإحضار يحيى عياش حياً او ميتاً قد تمكن من تحديد المربع الأمني الذي يختبئ فيه وأنه يواصل الضغط عليكم وعلينا لإرباك الرئيس عرفات في خضم عملية التفاوض الجارية والمعروفة باسم ( طابا 2 ) وعندما يوافق الرئيس عرفات على الدخول إلى الضفة الغربية وبحسب الشروط الأمنية الإسرائيلية ويوقع عليها ستقوم إسرائيل باغتيال المجاهد يحيى عياش.
وفجأة وبعد أن استمع إلى الإجابة امتقع وجهه وخرج عن طوره وبدأ يصرخ هذا مش معقول هذا كلام فيه تجني على الحقيقة هذا كلام خطير لا يمكن تصديقه أو استيعابه ، وفجأة دخل علينا المرحوم توفيق جبر فقال له انظر ماذا يقول صديقك ابتسم توفيق وقال: ( احنا ملناش دعوة في كلامه هذا مستشار الرئيس قبل أن يكون عضواً في قيادة المخابرات).
وخرج مسرعاً من المكتب ونظرت إلى ويتلي وقلت له وعدتني بأن لا تنفعل وان لا تغضب وان لا تشكوني لأي كان ، وقد نهضت وخرجت من المكتب بدون أن أودعه ، وبعد نصف ساعة من خروجي اتصل بي المرحوم اللواء أمين الهندي ليعبر عن غضبه قائلا: (أي قنبلة هذه التي ألقيتها في وجه الجنرال ويتلي نحن يا دكتور مش قد هذا الكلام ، أكيد سيشتكيك عند الرئيس أبو عمار وعلى العموم دبر حالك مع صاحبك أبو عمار).
قلت له أنا والأخ أبوعمار بنتخلص ، وبعد مرور 48 ساعة على هذا اللقاء الغاضب مع الجنرال ويتلي اتصل بي في حدود الحادية عشر صباحاً المرحوم توفيق جبر على الهاتف وهو يقول: ( يا ابن الأرمله أنت منزوعاً عنك الحجاب ) فقلت له لا تكمل يبدو أنك تريد أن تقول لي بأن إسرائيل اغتالت المجاهد يحيى عياش ، قال هذا ما أردت إخبارك به ، على العموم الجنرال ويتلي يريد اللقاء فوراً معك ، وعدت إلى دير البلح وفي مقر المخابرات وقف الجنرال ويتلي وهو يضع إصبعه على فمه وهو يقول (لا تتحدث ببنت شفه ، لا تتحدث ببنت شفه ) أنا من سيتحدث ، أنا من سيتحدث .. أنهم مجرمون أنهم قتلة أنهم كذابون ومنافقون وسفلة ، قلت له لكن من هم هؤلاء؟ فقال أنهم الإسرائيليون ولم اعني ولن اعني أحداُ غيرهم لقد كان معك الحق في كل ما قلته لي ، ابتسمت وقلت له لكنك رفعت شكوى ضدي للرئيس عرفات ولحسن الحــظ أنه كــان مسافــر ومنهمك في مفاوضات ( طابا 2 ) والتي تم التوقيع عليها فقال أرجو أن تقبل أسفي على كل ما بدر مني عن طريق الخطأ في حقك ، ابتسمت وقلت له لا داعي للاعتذار والأسف لكن كان عليك أن تدرك أنهم الطرف الوحيد في هذا العالم الذي جعل من الثعلب رمزاً له والثعلب لا يملك شيئا من القوة غير المكر والدهاء والغش والخديعة لقد انتصر المكر والدهاء على الشجاعة والذكاء هذه المرة ، وتمكنوا من المجاهد يحيى عياش وتمكنوا من اغتياله ، وعليهم وطالما أنهم يتنكرون للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويصرون على مواصلة احتلالهم للأراضي الفلسطينية انتظار العشرات بل والمئات من أمثال يحيى عياش والذين وبحكم التجارب المتراكمة سيتمكنون من الجمع بين الذكاء والدهاء في معارك التصدي والمقاومة المستمرة لوجودهم الاحتلالي والعنصري البغيض.
وبعد مرور قرابة الشهر والنصف على هذه الحادثة تم سحب الجنرال ويتلي وإنهاء مهامه في مناطق السلطة الفلسطينية وإسرائيل وباعتبار أن الجانب الإسرائيلي أبلغ الجانب الأمريكي أن الجنرال ويتلي شخص غير مرغوب فيه.
وفي المبنى الرئيسي للمخابرات العامة الفلسطينية طلبت من أحد الإخوة المسئولين بتعريفي على الموفد الأمريكي الجديد بدلاً عن الجنرال الأمريكي ويتلي فابتسم قائلا بحنق ( كفى يا دكتور بعد لقاء واحد ولمدة ساعة مع الجنرال ويتلي تسببت في طرده فهل تريد أن تتسبب في طرد خليفته ، خلينا نشوف رزقتنا بعيداً عنك ).
ضحكت مما سمعت وخرجت من مكتبه يملائني شعور بالعزة والفخر من جهة والحزن على الجنرال ويتلي من جهة أخرى ، فأنا لا أدري بأي شعور رحل بعد خدمة 20 سنة في الشرق الأوسط لصالح وكالة المخابرات الأمريكية فهو المتخصص والممسك بأخطر ملفاتها أي ملف الثورة ومنظمة التحرير الفلسطينية ولا أعلم عن شعوره شيئاً بعد أن اكتشف حقيقة الجانب الإسرائيلي الماكر والمخادع والذي تمكن من تطويعه وبدون علم وبدون أن يدري لخدمة البرامج الأمنية الإسرائيلية المعادية للشعب الفلسطيني ، وقبل مغادرة المقر التقيت باللواء أمين الهندي فكان يبتسم بهدوئه المعهود وقال لي هل علمت ما حصل مع الجنرال ويتلي؟ أجبته بنعم فقال حتى لا تغضب أحداً وخاصة الطرف الإسرائيلي الغاضب دوماً منك ، عليك أن لا تتدخل في الملف الأمني للعلاقات الأمريكية الفلسطينية ، على العموم اتصل معنا الجنرال فلايمير فلاديميروفتش مدير محطة المخابرات الروسية وسيكون لنا معه لقاء في المنزل مساء الخميس وهذا أول اتصال يجري بيننا وبينه فيجب أن نعمل على نجاح الاجتماع والتوصل إلى تفاهمات نافعة ومشتركة.
ذهبت مع عدد من الضباط والمرافقين لاستقبال الوفد الروسي والاحتفاء بهم كما يجب كان ذلك مساء يوم الخميس ، وفي تمام الخامسة مساءً وصل في سيارة دبلوماسية تخص السفارة الروسية في إسرائيل الجنرال فلاديمير ومساعده العميد الدكتور سيرجي بوغدانوف ، نزل رجل طويل القامة ونحيف تجاوزت سنوات عمره السبعين وكان خلفه الضابط الاربعيني الشاب صافحني بحرارة وقال انك كما اعتقد الدكتور كامل ، قلت له نعم فقال وأنا الجنرال فلاديمير وهذا مساعدي العميد سيرجي بوغدانوف نحن نجيد الحديث قليلا باللغة العربية وخاصة الدكتور سيرجي وباعتباره خريج معهد آسيا وأفريقيا التابع لجامعة موسكو الحكومية في قسم الشرق الأوسط وهو نفس القسم الذي تخرجت منه يا دكتور كامل عام 1985م.
قلت له ما علينا أيام جميلة وانقضت تفضل لنجلس في سيارتي فقال لا أنا سأقود السيارة الدبلوماسية الروسية وأن ستجلس بجانبي ، والرفيق سيرجي في المقعد الخلفي والبقية يتبعونا في سياراتهم وهذا ما تم بالفعل ، ومن بداية الطريق حاولت أن أتحدث معه في الشأن السياسي وإذ به يهمس همساً في إذني نحن في هذه السيارات لا نتحدث في شئون السياسة والأمن لاعتبارات لا أظن انك تجهلها ، ابتسمت وقلت له حسناً سنتحدث عن جمال وعظمة روسيا والسماجون والفودكا والكفيار والنساء الروسيات الجميلات ، ابتسم وقال: هل حقاً شربت السماجون؟ فقلت له ولماذا تستغرب ذلك ، لقد أحضروه من القرى أصدقاء وصديقات لنا ونحن على مقاعد الدراسة من عند جداتهم ، وكما يبدو فإنه من الضروريات عند الفلاحين في شتاء روسيا القارص ، ضحك بصوت مرتفع سيرجي بوغدانوف في المقعد الخلفي وقال يا رفيق فلاديمير كما أن روسيا تعيش في وجدان الدكتور كامل فإنه أيضا يعيش في وجدانها فقد ترك بصماته الايجابية علينا حتى في داخل المعهد فهو ليس الفلسطيني الوحيد فقط الذي درس ونال شهادة الدكتوراه بل والعربي الوحيد وهو السابع مع ستة مرشحين لنيل هذه الشهادة كانوا مبعوثين من الدول الاشتراكية وقد تفوق عليهم جميعاً وبدلاً من أن يطلب عاماً إضافيا لاستكمال دراسته اختصر من الوقت المحدد لثلاثة سنوات ستة شهور وكانت هذه سابقة تستحق التنويه.
دخلنا مدينة غزة وبدأنا نسير باتجاه بيت اللواء أمين الهندي نظر نحوي فلاديمير وقال بحسب علمي فإن أمين الهندي كان مساعداً ورفيقاً مخلصاً للشهيد أبو إياد وصديقا حميماً ولدوداً للشهيد عاطف بسيسو أليس كذلك؟ ابتسمت وقلت له: إنك يا رفيق فلاديمير تعرف عنا كل شئ ، فرد قائلا انه عملي الممتع والشاق في نفس الوقت فهو ممتع لأنني من خلاله تعرفت على معظم زعماء الشرق الأوسط من زعماء وقادة وملوك وشاق في نفس الوقت لأنه سرق مني حياتي الشخصية.
وصلنا إلى بيت اللواء أمين الهندي حيث كان بانتظارنا عند الباب فاستقبل الوفد الروسي بحرارة وبترحاب كبير فصعدنا سوياً إلى المنزل لتناول وجبة العشاء قبل الدخول في جلسة العمل وعلى المائدة قال فلاديمير مخاطباً الأخ أمين شكرا لكم على هذه الحفاوة وهذا الكرم الأصيل ثم نظر نحوي وقال هنا يمكن الحديث عن الأمن والسياسة فنحن الآن في بيت الرفيق أمين الهندي ولسنا في السيارة الدبلوماسية المراقبة من كل الاتجاهات.
استغرقت جلسة العمل حوالي الساعة والنصف بدأها الجنرال فلاديمير بالحديث عن العلاقات التاريخية التي كانت قائمة بين الاتحاد السوفيتي ومنظمة التحرير الفلسطينية وأن لديهم الرغبة الأكيدة في مواصلة وتطوير هذه العلاقة بين جمهورية روسيا الاتحادية والسلطة الوطنية الفلسطينية.

فرد الأخ اللواء أمين عليه بالقول نحن في الشعب والسلطة الفلسطينية نثمن عالياً دعمكم المستمر للشعب الفلسطيني في كفاحه من اجل الحرية والاستقلال ونأمل في استمرار هذه العلاقات ، وبعد أن تم التداول في أمور كثيرة على الصعيدين السياسي والأمني قدم الرفيق فلاديمير دعوة رسمية لنا لزيارة موسكو وللتوقيع على اتفاقيات للتعاون الأمني بين روسيا الاتحادية والسلطة الفلسطينية ، وعبر تجاذبات الحديث أبلغنا بأنه صديق شخصي ومقرب من الرئيس العراقي صدام حسين وهو يأسف لما جرى ويجري في العراق ومع نهاية الاجتماع شرب كاساً أخرى من الفودكا وقال: هناك معلومة أرى من الضروري إعلامكم بها ، قلت له ما هي؟ قال: لقد اتخذنا قراراً اكيدً باسترجاع سلطة روسيا الاتحادية وهيبتها المخطوفة من قبل الخنزير بوريس يلتسن ، ونحن نعد في رئيس شاب من داخل المؤسسة الأمنية اسمه فلاديمير بوتين وسيكون رئيساً لروسيا بعد 6 أشهر ولسوف نرفع صوتنا مجدداً في وجه طواغيت الإمبريالية الأمريكية الظالمة ، وعندما نقلت الحديث للأخ أمين ابتسم مازحا وقال: ( ولك يا دكتور احنا مالنا ومال الإمبريالية نحن الآن في وضع جديد وعلاقات جديدة ) وبعد أن نهضنا جميعا وخرجنا لوداعه نظر نحوي فلاديمير وقال: كانت جلسة لطيفة وجميلة ولكنا تعجلنا في الأمر لان الوقت يسرقنا فنحن وبعد ساعتين على موعد آخر قلت له مع من؟ فقال مع الرئيس عرفات في رام الله ، هذا يعني إننا سنتجه مباشرة من غزة إلى المقاطعة ، أبلغت الأخ أمين عن وجهتهم الجديدة ابتسم بصوت مرتفع وقال: يعني على الفور يريد إبلاغ الأخ أبو عمار ( مليح ما تورطنا في أحاديث تخص الأخ الرئيس ابوعمار ).
ضحك فلاديمير بصوت مرتفع وهو يصافح أمين وقال نحن يا رفيق أمين كلنا جنود عند الرئيس عرفات وإلى أن يتم تحرير واستقلال فلسطين أنا اعرفه منذ الثلاثين سنة ، وبالضبط منذ أول زيارة حضر بها إلى موسكو مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، هذا الرجل لديه سحر مغناطيسي خاص فهو يجذبك إليه وبدون أن ينجذب إليك أو لأي إنسان أخر ، وهو مثله ومثل الآخرين من الزعماء قد يقع في الأخطاء أحياناً إلا أنه وبقدرة عجيبة يحول هذه الأخطاء وعبر الممارسة إلى هفوات يسهل اجتيازها بأمان إنه بالنسبة لي صديق عجيب وممتع في نفس الوقت فقال أمين نحن سعداء أن نسمع منك هذا الكلام الجميل والطيب بحق الرئيس عرفات ، ولكن هل ستبلغه بأن الدكتور كامل شرب معك الفودكا؟ فقال فلاديمير وهو يبتسم سأبلغه بالحقيقة الدكتور كامل جاملني بكأس والرفيق أمين شاركني بالزجاجة حتى آخر قطرة إلى اللقاء أيها الأصدقاء وموسكو في انتظاركم.
وبعد انهماك الأخ أمين ولمدة أسبوعين في التحضير لزيارة موسكو وحيث تم تحضير العديد من الهدايا القيمة والتذكارية دخلت عليه في صبيحة احد الأيام وسألته عن موعد السفر ، وإذا به يفاجئني وبصوت لا يخلو من الغصة والحزن ويقول: انسى يا دكتور زيارة موسكو فنحن لن نذهب وسنعتذر وبكل أسف عن تلبية الدعوة وبانتظار ظروف أخرى فأرجو أن لا تسألني عن الأسباب ، أنت وحدك تعرفها ، فنحن وحتى هذه اللحظة مسيرين ولسنا مخيرين فقلت له مازحاً: لعنة الله على الأمريكان لا تغضب يا أخ أمين إن للباطل جولة.

هناك تعليق واحد: