عصر غريب أسوأ من الانحطاط
المحرر ورئيس التحرير: جاك خزمو
في الوقت الذي يواجه فيه الحرم القدسي الشريف اقتحامات المتطرفين اليهود لساحاته، وتقوم السلطات المحتلة بتنظيم سياحة عسكرية داخله منذ أكثر من سنتين، وفي الوقت الذي تعلن فيه دول العالم الاسلامي بأن القدس في خطر، ولا بدّ من انقاذها والعمل من أجل الحفاظ على عروبتها، وفي الوقت الذي يدين كل عربي اجراءات اسرائيل القمعية بحق أبناء القدس، واجراءاتها التعسفية بحق أبناء شعبنا، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الاستيطان على أراضينا العربية المحتلة منذ حزيران 1967، في الضفة الغربية والجولان، نسمع عن "تطبيع" في العلاقات ما بين دول عربية واسلامية مع اسرائيل. ونسمع عن تعاون كبير، وعن لقاءات تتم في ايلات أو جنيف أو في عواصم عديدة..
إنه لأمر غريب أن تتم مكافأة اسرائيل على سياستها القمعية الممارسة ضد شعبنا الفلسطيني باقامة اتصالات معها، وكأن شعبنا العربي ليس جزءاً من العالم العربي أو العالم الاسلامي. والغريب أكثر أن رئيس دولة اسرائيل شمعون بيرس يحظى بفرصة ذهبية من خلال القاء كلمة له عبر "الفيديو كونفرنس"، أي عبر الشاشة وبصورة مباشرة الى مؤتمر يشارك فيه وزراء حوالي 30 دولة عربية واسلامية يعقد في إحدى مدن الخليج العربي. ويصفق له هؤلاء الوزراء والمسؤولون موفرين لاسرائيل الغطاء لكي تسيطر على الحرم القدسي الشريف، وعلى القدس، ويمنحونها أيضاً "الإذن" لمواصلة سياستها الجلفة بحق شعبنا الفلسطيني.
الدول الأوروبية اتخذت قراراً صارماً بمقاطعة منتوجات المستوطنات تعبيراً عن رفضها للاستيطان، ومواصلة بناء المستوطنات، والدول العربية أو الاسلامية لا تفعل شيئاً.
كانت هناك وفي السنوات الماضية لجنة عربية هدفها وضع قوائم للشركات والمؤسسات التي تتعامل مع اسرائيل، لتوضع على لائحة المقاطعة العربية، أما اليوم فالدول العربية تواصل سياسة التطبيع ولا تكترث بالمقاطعة العربية للشركات الداعمة لاسرائيل، بل هي نفسها توفر الدعم لاسرائيل على حسابنا.
يقولون ويدعون في خطاباتهم أنهم مع اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 حزيران 1967، والقدس عاصمة لها، ولكن على أرض الواقع يساهمون ويشاركون في في سياسة اسرائيل لمنع اقامة دولة فلسطينية، ويتعاونون معها على "تصفية شعبنا".. إذ أن البيانات والتصريحات المنتقدة لاسرائيل لا تقدم لنا أي شيء، وهي للتغطية عن سياسة "تطبيع" ولربما هي في الواقع سياسة "ولاء" لاسرائيل خوفاً منها أو عليها..
الأمير بندر بن سلطان "زعلان" وغاضب على اميركا كثيراً لسببين: الاول لانها لم تقم بتوجيه ضربات عسكرية لسورية لتحقيق المزيد من الدمار فيها بعد الدمار الذي ألحقته بها المجموعات المتطرفة الارهابية المتواجدة على ارض سورية بدعم كامل بالعتاد والمال من السعودية. الا يكفيه ما تتعرض سورية من تخريب ويريد المزيد.
أما السبب الثاني فيعود الى ان اميركا والدول الكبرى الخمس الاخرى توصلت الى اتفاق اولي مع ايران حول الملف النووي الايراني. فهو ضد أي حل سلمي لهذا الملف، فهو يريد شن حرب عالمية على ايران لتدميرها.. وهو عراب الفتنة الدينية بين ابناء الامة الاسلامية، بين الأخوة في الدين، السنة والشيعة..
انه لزمن رديء وعجيب يعكس مدى العجز الذي تعيشه دول عربية، وخاصة تلك التي تدعي وتقول أنها من أقوى الدول العربية.. وتحاول فرض هيمنتها على كل الامة العربية!
سؤال يطرحه كثيرون ممن عاصروا اجواء العالم العربي في الستينات والسبعينيات من القرن المنصرم: هل كان احد يجرؤ على التآمر على عالمنا العربي، ويدلي بتصريحات مؤيدة ومساندة لاسرائيل مقابل لا شيء سوى اضعاف عالمنا العربي، وتعزيز هيمنة اسرائيل على المنطقة بأكملها؟ هل كان أحد ليجرؤ على دعوة أعداء أمتنا العربية على شن غارات وحروب واحتلال اقطار عربية؟ هل كان العالم العربي سيسمح بما يتعرض له عالمنا العربي اليوم من تدمير وتخريب وقتل وتفجير؟
انه عصر دون الانحطاط. وهذا العصر سيحرق عاجلاً أم آجلاً الذين يدعمونه ويتبنونه ويساهمون الى حد كبير في تعزيزه حتى يكون عالمنا العربي أكثر ضعفاً.
لقد كانت القضية الفلسطينية، قضية العالم العربي الأولى، ولكن يبدو أن هناك قضايا أهم منها في نظر هؤلاء "الزعماء" المدعومين من الغرب.
إننا نقولها وبكل صراحة، ومن قلب القدس، لا نريد دعماً منكم، ولكننا نرفض التآمر علينا من خلال مكافأة وتقدير الاحتلال القابع على صدورنا.. ونقول لكم أن التاريخ لن يرحمكم، وكذلك فان العالم العربي، وخاصة شعوبه، ستفيق لتجد أن عليها اعادة تموضع بوصلتها نحو القضية العربية المركزية، وان عليها معاقبة كل من يتطاول على عالمنا العربي، ويتآمر عليه، وعلى أمتنا الاسلامية عبر تعاونه مع اسرائيل، وتشجيعها على ممارسة ما تمارسه ضد شعبنا وضد أمتنا العربية.
"إن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة" هذا ما قاله أحد شعراء العصر الجاهلي وهو أبناء بلاد الحجاز.. وكأنه كان يتنبأ بوجود هؤلاء الاقارب الذين يقومون بدور العقارب من خلال لدغنا ومحاولة تدميرنا وقتلنا لصالح عدو السلام، ويعتدي على مقدسات طاهرة، ولا يريد لنا الا أن نعيش من دون كرامة.
إن الشعوب العربية عصية على هذه المؤامرات وستسقطها وسيسقط دعاة التعاون والتطبيع مع اسرائيل في مزابل التاريخ، هذا اذا هذه المزابل قبلتهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق