سيارة أجرة سماها صاحبها "تاكسي مصر" تجوب شوارع القاهرة وقد كست كل جوانبها لافتات سياسية بما يشبه تظاهرة متحركة تشكل نوعا جديدا من المعارضة السياسية والإعلام. DW عربية قرأت اللافتات وحاورت صاحب مبادرة تاكسي مصر.
بسمرة وجهه المصرية يجوب جمال أبو هاشم الشوارع بسيارته الأجرة باحثاً عن لقمة عيشه، أبو هاشم خطاط موهوب بالوراثة. بمزيج بين عمله وموهبته أختار أبو هاشم أن يوثق آراءه السياسية وأن يوصلها للعامة بكتابة لوحات وتعليقها على محيط سيارته ليقرأها الناس في الشوارع من حوله.
المارة و سائقو السيارات يبطئون ليقرأوا ما كتب أبو هاشم على سيارته التي امتلأت جوانبها بلافتات سياسية ساخرة وجادة في شكل رسائل قصيرة بخط يده. فيما كان المشهد الأبرز حين توقف أحد المارة الملتحين وخاطب أبي هاشم بعد أن قرأ اللافتات المعلقة على سيارته قائلاً: "اللي أنت كاتبه ده حلو جداً".
زحام القاهرة فرصة للتعبير عن الآراء السياسية
"أحذروا غضبي أنا الشعب"، تحذير وجهه أبو هاشم للحكومة عبر لافتة ألصقها على زجاج سيارته الأمامي. بجانبها كانت لافتة أخرى تعبّر عن خيبة أمل في حكم تيار الإسلام السياسي و تهكمت على مقولة بعض أتباعه والذين هللوا "بدخول الإسلام مصر" على حد تعبيرهم. اللافتة تقول : "الآن.. وبعد دخول الإسلام كل مصر بتقول حسبي الله ونعم الوكيل صبح وظهر وعصر ومغرب وعشاء".
"أفضل أن أترك كتاباتي تعبر عن ما بداخلي"، يقول أبو هاشم وقد ترك لكتاباته العنان للتعبير عن آرائه حيث علّق على سيارته أكثر من عشر لافتات تناولت أحوال البلاد وتقلباتها. ويروي ابو هاشم كيف ولدت الفكرة: "كنت في السابق أمر في بعض شوارع القاهرة في الثالثة صباحاً في قمة الآمان. فجأة وجدت أنني أصبحت لا أستطيع الدخول بها حتى في عز وقت الظهيرة نتيجة غياب عنصر الأمن".
حينها شعر أبو هاشم بضرورة ترجمة هذا الشعور إلى كلمات بخطه الجميل "وحشتيني يا مصر نفسي أزورك" علقها على زجاج السيارة، مضيفاً: "مش هي دي بلدنا". ويكمل أبو هاشم حديثه لDW عربية: "من حينها بدأت أتناول مشاكل البلد في كتابات أعلقها على محيط السيارة لتوصيل آرائي للناس".
ويشرح أبو هاشم كيفية استخدام لوحاته كشكل جديد للإعلام والاحتجاج السياسي قائلاً: "هناك ناس شغلهم طوال اليوم في الشارع كسائقي الأوتوبيس والميكروباص والتاكسي كذلك كثيرون لا يقرأون الصحف ولا يشاهدون تليفزيون ولا يدخلون على شبكة الإنترنت". ويكمل: "بوضعي لتلك اللافتات على السيارة وفي ظل ازدحام القاهرة الخانق لا مفر لمن حولي من سيارات ومارة من أن تقع أعينهم على اللوحات وهنا يكون لجمال الخط أولاً ثم لأسلوب الكتابة الدور لجذب انتباههم لقراءتها وبذلك أوصل رسالتي لشرائح كبيرة مختلفة من الشعب". ويضيف: "هناك أيضاً من يطلبون مني التوقف حتى يقرأون ما كتبت وهناك من يصور اللوحات ونسبة نجاح الفكرة تصل إلى 99%".
"السخرية هي لغة عامة الناس"
"زمان كان أبويا بيقول كل صباح "حسبي الله ونعم الوكيل".. والآن بفضل الله كل مصر بيقولوا زي أبويا"، تلك الجملة الساخرة كانت موضوع لافته أخرى ألصقها أبو هاشم على الزجاج الخلفي في إشارة إلى أحوال مصر السيئة.
فيما جاورتها لافتة أخرى كتب عليها: "نفسي قطر تساعد مصر وتساهم معانا في الأزمة المالية..وتشتري مشروع النهضة"، تهكماً على مشروع الإخوان وإسقاطاً على المساعدات المالية من دولة قطر لحكومة قنديل.
وعن لجوئه لأسلوب السخرية يقول أبو هاشم: "أنا أكتب بالأسلوب المصري البديهي الذي يستطيع عامة الناس أن تقرأه وتفهمه". ويستطرد: "الأسلوب الساخر ملفت للنظر بمعنى أنني أستطيع أن أتحدث معك باللغة الفصحى لكن من يرى سائق تاكسي واضعاً لوحة باللغة العربية الفصحى قد يشعر أن الموضوع غير منطقي". ويضيف: "اللغة التي أستخدمها هي لغة مصري أصيل من عامة الناس". وعبر أبو هاشم عن تفاؤله بالفكرة رغم حداثتها قائلاً: "الفكرة جديدة على الناس وهناك من ينبهر بها وهناك من يستغرب عدم خوفي من فعل ذلك وأنا أثبت للجميع أن من يريد أن يوصل رأيه سيوصله "حتى لو على باب الحمام".
"الفكرة تنم عن ذكاء فطري"
"هي طريقة وكل واحد يختار طريقته التي يعبّر بها عن رأيه على حسب إمكانياته وما يستطيع أن يفعله"، يقول عبد الرحمن مجدي، عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، في تعليقه لDW عربية على هذا الأسلوب الجديد في المعارضة السياسية. ويستطرد: "وكما يعبر كلٌ عن نفسه بطريقته أيضا كلٌ توصله المعلومة بطرق مختلفة بمعنى أن هذا الأسلوب قد يوصل المعلومة للبعض ولا يوصلها للبعض الآخر".
ونوه الأستاذ الجامعي إلى أن ما يفعله أبو هاشم هو حقه في التعبير في ظل إرساء القواعد الديمقراطية. أما على مستوى الإعلام، فيرى مجدي أن مقارنة هذا الأسلوب بشكل الإعلام التقليدي سيتبين انه يفتقد كثيرا من مقومات الإعلام.
وأثنى مجدي على أسلوب أبو هاشم في عرض رأيه واصفاً إياه ب"الذكاء الفطري". وبيّن رأيه لDW عربية قائلاً: "هو لم يستخدم وسيلة جديدة مثل الإنترنت لأنه في رأيه لا يصل لكل الناس في المجتمع، فهو بوعي فطري حدد جمهوره وهم الناس التي ليس لها علاقة بالإنترنت والتليفزيون". في النهاية أوضح مجدي أنه رغم أن الجمهور الذي سيتعرض لرسالة أبو هاشم أقل كثيراً من جمهور التليفزيون إلا أنه قد يصل إلى شرائح أكثر عددا سواء ممن يشاهدون التليفزيون ويدخلون على الإنترنت أو حتى من غير المهتمين نهائياً بهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق