السبت، 18 مايو 2013


كتاب الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين :
أحد قادتها يكشف المسار التاريخي الملتوٍي والنهج التضليلي المخاتل

باقر الصراف
كاتب عراقي مقيم في هولندا                         


جذور الفكر التكفيري : تطوره وتجلياته

      التركيبة التاريخية الخاصة بمصر أفرزت واقعاً فكرياً فيما يتعلق بدور الشخص الأول أو الرئيس في أية ظاهرة سياسية على وجه التحديد ، في تفرده بالقرار الفكري والسياسي ومن ثم تعميمه على الكل المنضوي تحت سلطته المادية والمعنوية ، خصوصاً الشخصية القوية الكارزمية ، ونزول ذلك القرار من القمة عبر السفوح إلى الأدنى ، إنه أشبه بالتكوين الهرمي الذي أنشأه الفراعنة في الماضي الزمني السحيق .                                                                       
     حركة الإخوان المسلمين لا تختلف في مضمونها عن هذا الاِتجاه الفكري في مصر ، ورمزها المؤسس قد اِستعبد القواعد كلياً إلا مَنْ عصمه الوعي الفكري النفـّاذ ، لذا فإنَّ التدقيق والمعاينة المركزة ينبغي أنْ يرجع فيها الباحث الجاد إلى البحث والمناقشة في أواليات رؤية المرشد والمؤسس الأول على صعيد تكفير الآخرين واِمتلاكه حس العصمة وعدم الوقوع في مطب الزلل والاِنزلاق نحو مواقع الخلل واِرتكاب الخطأ البشري ، "فكل مَنْ أنشئوا حركات أطلقوا عليها حركات إسلامية هم من التكفيريين بقدر أو آخر ، يضيق التكفير عند البعض ويتسع عند البعض الآخر ، وحسن البنا لديه نوازع للتكفير لا ريب في هذا حتى لو قال غير ذلك في أدبياته ، ولكن التكفير يقفز في وجوهنا من رسـائله في أحيان كثيرة ،  [. . . في رسالة التعاليم حيث يقول] ، في البند الخامس والعشرين من الرسالة وهو يوجـِّه تعليماته للإخوان وما يجب أنْ يفعلوه في حياتهم : "أنْ تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي ، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة" ، [. . .] ، لم يكن ، إذن ، سيد قطب هو أول مَنْ اِبتدع جاهلية المجتمع والاِنعزال عنه ، ولم يكن شكري مصطفى منتجاً لأفكار خاصة به وهو يدعو إلى هجرة المجتمع الكافر الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، ولكنه اِستمد بعض أفكاره من رسالة التعاليم هذه ، وستجد في التعليمة رقم 37 أيضاً : "أنْ تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاِتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أمرت بذلك" . هذه يا بُني لمحات تكفيرية واضحة الدلالة وستجد في فكر البنا أشياء كثيرة لن تجد لها إلا تفسيراً واحداً ، هي أنَّ فكر التكفير كان مختبئاً في ضمير البنا لم تظهر منه إلا بعض فلتات ، لذلك كانت للاِغتيالات التي قام بها النظام الخاص تبريرات شرعية عند الإخوان .                                                                         
       يا لها من مفاجأة ، داخل حسن البنا الداعية الوسطي المعتدل حسن بنا آخر لا نعرفه ، هو حسن البنا التكفيري الصغير" ، هكذا يستخلص السيد الخرباوي ، [ص 275 ـ 276 من كتاب السيد الخِرباوي] .         
    ولكنْ ، كيف أصبحت التركيبة القطبية "الجديدة" إنْ صح التعبير ، المظهر الرئيس في قيادة الإخوان وباتت توزع أحكامها القيمية باِسـم الإسـلام على الآخرين ؟ يقول السيد الخرباوي التالي : "قبل وفاة المرشد عمر التلمساني أخذت بعض الأشباح تتسلل إلى جماعة الإخوان لتأخذ مكاناً ومكانة ، كانت هذه الأشباح تسير في ركاب الحاج مصطفى مشهور الذي كان قد عاد إلى البلاد عام 1985 م بعد رحلة هروب اِستمرت عدة سنوات ، وكان أخطر مَنْ حط رحاله في مصر قبيل وفاة عمر التلمسـاني هم محمد مرسـي ، خيرت الشـاطر ، محمود عزت ، محمد بديع ، كانت وجوه هؤلاء غريبة على مجتمع الإخوان ، إلا أنَّ الحاج مصطفى مشهور أعطاهم منديل الأمان فجعل من محمود عزت مسؤولاً عن قسم أساتذة الجامعة بدلاً عبد الستار المليجي ، وتولى محمد بديع مسؤولية قطاع كبير من الصعيد بدلاً من الحاج حسن جودة رغم أنه من المحلة الكبرى ، وأسند لخيرت الشاطر ملفات مهمة إلى أنْ ولاه مسؤولية القاهرة ، وجعل من محمد مرسي أحد المسؤولين الكبار في الشرقية إلى أنْ تولاها بدلاً من الحاج سعد لاشين ، وبهذا قفز عام 1965 برجاله إلى عام 1986 م ليستبدل أفراداً ورؤى وتوجهات ، والحق أنَّ عام 1965 م لم يستول كلية على عام 1986 م فقد اِتبع سياسة خطوة خطوة  ، ولكنه أصبح يحكم الإخوان بعد ذلك" ، [ص 100 من كتاب السيد الخرباوي] .    
    
       في أية حال ، لقد اِعتبرت جماعة الإخوان المسلمين "الموسيقى زندقة ، والآداب العالمية محرقة ، والفنون شيطنة ، تربت هذه الأجيال فكرياً على أنَّ الديمقراطية  حرام ، والليبرالية كفر ، فتحت هذه الأجيال رؤوسها ليتم حشوها بكراهية  كل المناهج السياسية والاِجتماعية التي اِبتدعها الإنسان لنفسه ، فهمت أننا نعيش في جاهلية أشد ضراوة من جاهلية القرون الأولى وأنَّ القوانين التي وضعناها لأنفسنا لتنظيم معايشنا هي الطاغوت والكفر ، فهمت "إنَّ الحكم إلا لله" على نحو يخاصم اِجتهادات البشر ، ليس لنا أنْ نجتهد لأنفسنا وكيف نجتهد والله هو الحاكم الحكم ، فهمت الله على غير مراد الله ، الله هو الذي لا يرحم إلا هم ، ولا يغفر إلا لهم ، ولا يدخل الجنة سواهم ، أما النار فقد خلقها الله لغير الإخوان ، الإخوان هم شعب الله المختار ، ولعلك لا تقرأ هذا في كتاباتهم ولكنك ستراه في أفعالهم" ، [ص 300 ـ 301 من الكتاب] .                  
   تصفح أيها القاريء المتابع بعض ما تقوله قيادات الإخوان "تجد منهم مَنْ يقول عن الليبراليين (الليبراليون فوضويون ، أتباع مكيافيلي ، ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، خمور ومخدرات ، أو شذوذ أو دعارة ، أو اِحتكار أو صفقات من أي نوع ، أو زراعات من أي نوع : خشخاش أو بانجو ، أو تجارة في البشر أو بيع للآثار أو أرض الوطن ، أو إنشاء مزارع للثعالب ، ومزابل للخنازير ، هؤلاء ليسوا مسلمين وإنْ صلوا وصاموا وحجوا البيت ، واِقرأ ما كتبه الحاج مصطفى مشهور عن الديمقراطية والتي اِعتبرها شركاً بالله ، واِقرأ تصريحات محمود غزلان ومحمد بديع ومحمود عزت وغيرهم ، هل تعرف ماذا قال أحدهم عن الناصريين وعن حمدين صباحي وحزبه الكرامة ؟ قال : إنهم شيوعيون ، أتباع ماركس ، ولينين وإنجلز ، وماوتسي تونغ ، وهنري كوريل مؤسس الحزب الشيوعي المصري "حدتو" ، وجيفارا ، وفيدل كاسترو في أمريكا اللاتينية ، إنهم ملاحدة لعنهم الله في كل دين" . [ص 312 ـ 313 من كتاب الخرباوي] .
و"الهضيبي كافر ، وإن كتب الله لك عمراً ستراني أحكم العالم بالإسلام  ، سيقول العالم إنَّ شكري مصطفى هو من ميراث النبوة ، وسأملأ أنهار بحار العالم بدماء الكفار ، وسأعيد الخلافة وستكون القدس هي عاصمة الخلافة" ، [ص 192 من كتاب السيد الخرباوي] .                                                                            أما محمود عزت : الشخصية الإخوانية المتنفذة في التنظيم فيؤكد بضربة من الأوهام الفظيعة وكمشة من التلفيقات المخجلة والأكاذيب المكشوفة على التالي ، أنَّ "ما يحدث في هذه الأيام يعتبر نزهة جميلة بالنسبة لما كان يحدث لنا ونحن في سجون عبد الناصر ؟ ، لم تكن هناك تحقيقات مثل هذه ولا محامون ، [. . .] ، كانوا يتعمدون لإذلالنا ، أتعرفون لماذا كانوا يفعلون ذلك ؟ لأنهم تلقوا الأوامر بهذا من الكافر جمال عبد الناصر ، أو تعرفون لماذا فعل عبد الناصر هذا ؟ ، لأنه تلقى الأمر بذلك من أسياده الملحدين في روسيا ، أصدر عبد الناصر أوامره بالقبض علينا من موسكو طاعة منه للكفرة ، والآن تلقى مبارك أوامره من أسياده في أمريكا وأصدر أوامره بالقبض علينا ، روسيا الملحدة في الستينات ، وأمريكا الكافرة في التسعينات ،[. . .] ، أمريكا هي الطاغوت الأكبر في العالم وهي لا تريد للإسلام أنْ يرتفع شأنه ، أمريكا تعلم أننا لو حكمنا سنقضي على إسرائيل ثم سنتجه صوبها ونقضي على قيادتها للعالم، الإخوان يا أخ عاطف سيقيمون دولة الإسلام ثم سيحصلون لهذه الدولة على أستاذية العالم ، وأمريكا تعلم ذلك ، لذلك هي تحرض علينا نظامنا الكافر" ، [ص 212 ـ 213 من كتاب السيد الخرباوي] .              
   ولكن لم تنقضِ سنوات عدة حتى رأينا الحركة وقادتها الذين تحدثوا عن الطاغوت الأمريكي المعادي لهما يعقدوا الاِتفاقيات معها ، والرسالة المرسلة من واشنطن إلى خيرت الشاطر : القيادي الإخواني المتنفذ والمعروف تدلل على هذا التوجه وطبعاً كيان الاِغتصاب الصهيوني والموقف السياسي منه هو جواز المرور لها في واشنطن 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق