الأحد، 22 فبراير 2015

مأزق حركة حماس
الجمعة 20/2/2015م    19:05م
 
 الفتح نيوز- كتب\\ محمد قواص- خبرت حركةُ حماس في السنوات الأخيرة سلسلة من الاستحقاقات جعلتها في مواجهة تطورات أنتجت مواقف متقلّبة مرتبكة. بشّر الفرعُ الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين بسطوة العهد الإسلامي بديلاً عن المشروع الوطني، وذهبت الخصومة مع حركة فتح إلى حدّ الاجتثاث المعروف في قطاع غزة، فيما استبشرت حركة الشيخ أحمد ياسين خيراً برياح الربيع العربي من حيث أنها امتداد لرواج الإسلام السياسي في المنطقة برمتها.
تأخرت حركةُ حماس حتى منتصف الثمانينات للالتحاق بالعمل الفلسطيني الميداني، السلمي والمسلح، فيما الفصائل الفلسطينية الأخرى بدأت سعيها لتحرير فلسطين منذ الستينات. كانت لحركة حماس، بمسمياتها المختلفة قبل ذلك، عقيدة فقهية تجمعها بجماعة حسن البنا، لا تجد الصدام مع المحتل أولوية، ذلك أن قبله عهدا من الإعداد والدعوة، ولم تكن تشاطر بقية الفصائل قتالها، وقد يحدث ألا تعتبر قتلاهم شهداء، فلذلك تفسيراتٌ واجتهادات.
لم يأت انخراط حركة حماس في الانتفاضة الفلسطينية الأولى وما بعدها بما يعزز العمل الفلسطيني العام بحليف. فقد مثّل الجهد الحمساوي تناقضاً عضوياً، وربما وظيفياً، مع بقية الفصائل الفلسطينية، لعلمانيتها وقوميتها ويساريتها، ثم تحوّل الوجود الحمساوي إلى نقيض لسلطة أوسلو، بما ينطوي التناقض من صدام، كانت إسرائيل تتأمله بغبطة وخبث.
على أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حاول من ضمن دوره كـ”قائد للشعب الفلسطيني”، وبالتالي لكل الفلسطينيين بمن فيهم الحمساويون، أن يستوعبَ التناقض مع الجناح الإسلامي للحراك الفلسطيني، بل وأن يسهّل له مناوراته العسكرية، ويستند على “تطرفه” في مفاوضاته مع إسرائيل بالرعاية الأميركية المعروفة في حلقاتها المتعددة في كامب دايفيد وواي ريفرز وغيرهما. لكن التناقض الذي كان تحت السيطرة في عهد الزعيم الراحل، انفجر بعد غيابه وقاد إلى ما بات معروفاً من شقاق داخلي فلسطيني -فلسطيني لا ينتهي.
تحركت حركةُ حماس ضمن المنظومة الجيوسياسية التي تقودها طهران في المنطقة. بات التحالفُ كاملاً متكاملاً بين كيانات محور “الممانعة” الذي راج وتمدد على قاعدة العداء لما يُطلق عليه بقوى الاعتدال في المنطقة. باتت حماس متناقضةً مع السعودية لصالح إيران، وهو ما فسّر إخفاق الرياض في رعاية مصالحة فلسطينية-فلسطينية لا ترضى عنها طهران (وحليفتها دمشق). باتت الحركة الفلسطينية الإسلامية فاقدةً لغطاء عربي عام، على ما كان ينعمُ به الحراك الفلسطيني منذ منظمة التحرير الفلسطينية، رهينةَ محور طهران-دمشق، بحيث صار الفعلُ الميداني الفلسطيني، الذي بات الإسلام الجهادي يحتكره، ملتحقا بأجندة غير عربية، مستخدما وفق مقتضيات السياسة الخارجية للوليّ الفقيه.
المفارقة أن تناقضاً عقائدياً يبعدُ حماس عن منهج الخمينية وقواعد الجمهورية الإسلامية. لم تكن قاعدة حماس وقيادتها تخفي مقتها لإيران في الجوهر والشكل، ذلك أن المذهبية السنية الشيعية وجدت رواجاً في تلك العلاقة غير الصحية بين أتباع البنا وأتباع الخميني. وحين حصل الطلاق بين حماس وطهران على خلفية الموقف من دمشق، تحررت الأصوات الحمساوية وأفرجت عن حقد مذهبي كان مدفوناً تحت تراب التحالف الإسلامي ضد “قوى الاستكبار”.
سوّقت حركة حماس، على غرار حزب الله، للمقاومة بديلاً عن نهج الاعتدال والتفاوض. بدأت حركة فتح مسيرتها عام 1965 منتهجةً نفس السلوك ضد النمط العربي “المهادن” والذي “انتكس” عام 1967. قادت فتح العمل المسلح، والتحقت بها بقية الفصائل. بيْد أن مآسي الصدام التي قادت إلى “أوسلو”، قادت حركة حماس إلى مقاربة مماثلة بتعابير مختلفة للصراع مع إسرائيل. باتت حماس أسيرةَ اتفاقات وقف إطلاق نار برعاية خارجية، فيما خطابها السياسي يتأرجحُ بين الموافقة على مفاوضات تجريها السلطة، مروراً بالموافقة على هدنة طويلة الأمد مع المحتل، انتهاء بالتلميح بأنها الطرف الممكن أن يكون بديلاً “مقبولاً” عن سلطة أوسلو.
قطعت حماس علاقتها بنظام دمشق، التحقت بورشة الإخوان للانقضاض على الربيع العربي. بدت حماس معنيةً بتطورات اليمن وليبيا وتونس، كما بتلك في مصر التي انتهت إلى تولي محمد مرسي رئاسة البلد. بدا أن شمس حماس ترتفعُ وأن تفوّقها الفلسطيني سيمتدُ إلى الضفة الغربية ومخيمات الشتات، وأن استثنائيتها في المشهد الفلسطيني أضحت من عاديات المشهد العربي الصاعد.

تفقدُ حماس امتدادها الحيوي المصري بإزاحة الإخوان عن حكم مصر. وتفقدُ حماس أحلامَها الطموحة بتقهقر التقدم الإخواني في اليمن وليبيا وتونس. لم تعدْ الحركةُ تتمتعُ برعاية دمشق، وليس بإمكانها التعويل على علاقة ود مع دول الخليج، فيما القطيعة مع طهران أصابتها بعزلة مالية وسياسية، وتبدو علاقتها مع الدوحة رهن المزاج الخليجي الذي يضغط على قطر باتجاه خيارات بديلة.
هكذا تستيقظُ حماس على كمّ من الحقائق وكمّ من الأوهام تجعلُ سعيها ارتجالياً يحاكي اليوميات، فيما أداؤها عاجزٌ عن إنتاج أفق سياسي واضح بعيد المدى.
تعوّل إيران على تطوّر علاقاتها مع مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي. على هذا لا يمكن لحماس التعويل على إعادة تمتين علاقاتها مع طهران من أجل ابتزاز الجانب المصري المناكف. حتى زعيم حزب الله، الذي ينطقُ عن الهوى الإيراني، لم يستنكرْ القرارات المصرية التي وضعت الجناح العسكري لحماس على لائحة الإرهاب. أما الصحف الإيرانية القريبة من الوليّ الفقيه، فتشنُ هجوماً على حماس مستنكرة ما قيل إنه شروط تمناها خالد مشعل (في اجتماع قيل إنه جمعه مع قاسم سليماني في تركيا) لتنظيم التواصل المستجد مع طهران (لاسيما إعفاءها من موقف مؤيد لنظام دمشق).
في هذا أن طريق حماس نحو طهران دونها صعاب ومعوقات لن تزيلها مغريات محمود الزهار أخيراً، بدعوته “لتشكيل مجموعات لكتائب القسام في مخيمات لبنان لفتح مواجهة مع العدو من الشمال. فحتى هذا الاقتراح لم يلحظْ أن وكالة الأمر محصورة في حزب الله دون غيره.
ما بين الدوحة وأنقرة وغزة تسعى حماس لتعظيم بقاء بات مهدداً. تحاول الحركة إعادة الوصل مع الرياض معزية بالملك الراحل، معوّلة على تغيير في مزاج العاصمة السعودية في عهد الملك سلمان. تأملُ حماس انتكاسة في الاتفاق الخليجي للاحتفاظ بقطر حليفاً، وهي غير مرتاحة لإرهاصات تقارب بين تركيا والسعودية، فيما الداخل الفلسطيني في رام الله يبدو غير مستعجل لمصالحة لطالما أملتها حماس مخرجاً لمحنتها.
هو زمن المحنة هو زمن المأزق، ولا بد أن ثماره لن تتأخر في مواسم الحصاد.
ـــــــ
م.م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق