اللعبة الكبري" الأوراسية : تحولات جيوبوليتيك الغاز الإيراني
بقلم : تامر بدوي
الإثنين هـ - 14 أبريل 2014م
بدأ اتفاق جنيف الذي وقعت عليه إيران و القوي الكبري – كمغير للعبة – في إعادة إحياء مشروعات قديمة لتصدير الغاز الإيراني إلي الغرب اعتبرها المراقبون غير قابلة في ظل المواجهات المتتالية بين إيران و القوي الغربية. علي الرغم من أن التقارب الإيراني – الغربي لا يعني أن القضايا العالقة بين الطرفين قد تم الإنتهاء منها, إلا أنها اعطت الضوء الأخضر للاعبين المختلفين – كدول مُصدرة أو مُستوردة أو شركات عالمية – لأخذ بعض الخطوات لتنفيذ هذه المشروعات, في ظل تنبؤ اللاعبين المختلفين بسير المحادثات النووية بشكل ايجابي. و ذلك لأن مشروعات بناء خطوط الغاز و النفط – كمشروعات استراتيجية – تستغرق اعواماً طويلة حتي تدخل إلي مراحلها العملانية.
وسط الطلب الآسيوي المتزايد علي الغاز الطبيعي و المساعي الأوروبية لتنويع وارداتها من الغاز بالتوجه إلي عدداً من اللاعبين الجدد لتعزيز أمنها الطاقوي, تظهر إيران اليوم كلاعب محوري يستطيع الوفاء بمتطلبات أسواق الغاز العالمية.
غير أنه لا يعيق دمج إيران في اسواق الغاز العالمية علاقات طهران المتدهورة مع القوي الغربية و العقوبات القاسية المفروضة عليها فقط, بل يعيقها ايضاً عوامل داخلية. حيث تعاني إيران من الأرتفاع المستمر لمعدلات استهلاك الغاز الطبيعي محلياً و هو ما يعيقها عن تصدير كميات كبيرة من الغاز, فبينما كانت تنتج إيران 180 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً, تستهلك إيران 160 مليار متر مكعب من الغاز محلياً. علي الرغم من ذلك, بدأت إيران في اتباع استراتيجية مزدوجة للتغلب علي هذه العقبة : 1- تقليص دعم الطاقة لتقليص الاستهلاك الكثيف للغاز لإيجاد فائض من الغاز لتصديره. 2- تطوير حقل جنوب فارس الذي سيمكن إيران من تصدير كميات أكبر من الغاز الطبيعي.
المشكلة الأخري التي يعاني منها قطاع الغاز الإيراني هي تعثر مشروعات الغاز المُسال الطبيعي و ذلك لعدم امتلاك طهران تكنولوجيا بناء منشآت تسييل الغاز التي تستطيع إدخال إيران إلي سوق مربحة.
"تتريك" جيوبوليتيك الغاز الإيراني
ساهمت تركيا بفاعلية في تعزيز أمن الطاقة الأوروبي بلعبها دور الجسر الناقل لنفط و غاز منطقة بحر قزوين إلي أوروبا كما أنها اسهمت في إعطاء الدول السوفيتية السابقة فرصة تصدير نفطها و غازها دون اللجوء إلي روسيا. ناهيك عن خطي باكو- تبليسي – جيهان (BTC) و باکو – تبلیسی – ایرضروم (BTE) لنقل النفط و الغاز الأذري, تخطط تركيا لإنشاء المزيد من انابيب الغاز لنقل الغاز الشرقي إلي المستهلكين الأوروبيين, حيث من المتوقع أن تدخل هذه المشروعات إلي المرحلة العملانية قريباً في اعوام قليلة.
علي نفس خطي تركيا, تتطلع إيران إلي أن تتحول إلي جسر لنقل غاز منطقة بحر قزوين شرقاً إلي المستهلكين الآسيويين. ففي الوقت الذي تلوح فيه أزمة نقص الطاقة في الهند, تعيد كل من إيران, عمان و الهند مناقشة خط غاز الشرق الأوسط – الهند البحري الذي من المخطط أن ينطلق من المياة العمانية و يمر بإيران لينتهي في الهند.
كان قد تم مناقشة المشروع في لقاء جمع بين وزير الخارجية الهندي, سلمان خورشيد, و نظيره العماني, يوسف بن علوي بن سلطان. كما تم مناقشة المشروع في زيارة لوزير الخارجية الإيرانية, محمد جواد ظريف إلي الهند التقي فيها بنظيره الهندي.
لن يُمَكن هذا الخط إيران من تصدير غازها فقط بل الغاز التركماني و الأذري إلي الهند المتعطشة إلي المزيد من الغاز الطبيعي. لذا سيعطي خط الشرق الأوسط – الهند نفوذ لطهران في المنطقة الأوراسية.
علاوة علي ذلك, يمكن ترجمة هذا المشروع كمناورة من طرف إيران ضد باكستان المترددة في إتمام بناء انبوب غاز إيران – باكستان (IP) فی اراضیها. یبدو أن الضغط الأمريكي – السعودي علي آسلام آباد مؤثراً حتي الآن.
لا يبدو الموقف الروسي و الصيني واضحاً حتي الآن إلا أنه يمكن التنبؤ به بالنظر إلي الدور الذي تلعبه تركمانستان كمصدر للغاز إلي الصين و روسيا. من المرجح ألا تُفضل الدولتان تصدير عشق آباد غازها إلي لاعب ثالث كالهند. مع ذلك, إذا اعطي اللاعبون الرئيسيون الضوء الأخضر للبدء في تنفيذ المشروع, يمكن لشركة كغازبروم الضغط للحصول علي حصة ضخمة في كونسورتيوم المشروع حتي تضمن لنفسها دوراً مؤثراً في مشروع ضخم كهذا.
لا يبدو واضحاً إذا كان المشروع قابلاً للتحقق أم لا نظراً لإنسحاب الهند سابقاً من خط غاز إيران – باكستان – الهند في 2009 بضغط من الولايات المتحدة. علي ذات النسق, قد تنسحب الهند بشكل محتمل من مشروع خط الشرق الأوسط – الهند و يتكرر ذات السيناريو نظراً لضغط أمريكي أخر و نظراً لوجود خط غاز منافس آخر مدعوم من الولايات المتحدة و هو "تابي" (تركمانستان – أفغانستان – باكستان – الهند).
اخيراً, من المرجح أن يكون المشروع الهندي مناسب لإيران و أكثر ربحية من مشروع خط غاز إيران – باكستان نظراً للوضع الأمني غير المستقر علي حدود البلدين بالشكل الذي يهدد استدامة المشروع. و الأهم, أن إيران ستحقق نفوذ جيوبوليتيكي أكبر بإدخال لاعبين مختلفين إلي هذا المشروع, مؤثرةً علي موازين القوة في المنطقة.
الولوج إلي الأسواق الأوروبية
يدفع الآن الصراع الأوروبي الروسي - علي خلفية الأزمى الأوكرانية - إلي تسريع نقلة جيوبوليتيك الطاقة في أوروبا و إدخال لاعبين جدد إلي الساحة الأوروبا. مع الأخذ في الأعتبار أن الإتفاق الروسي مع اوكرانيا الذي يقضي بتصدير غازها من خلال أراضيها إلي أوروبا سينتهي بحلول 2019, قد تعني جهود المفوضية الأوروبية لإجهاض الجهود الروسية لبناء خط الساوث ستريم, إدخال إيران بشكل محتمل إلي أسواق الغاز الأوروبية بجانب لاعبين آخرين.
نظراً لعدم امتلاك إيران لتكنولوجيا تسييل الغاز في الوقت الحالي, تعد تركيا طريق إيران الوحيد لتصدير غازها إلي أوروبا علي المدي القصير و المتوسط. إذا اخذنا في الاعتبار أنه ليس من المتوقع أن تضع تركيا خط غاز إيران – تركيا – أوروبا (ITE) علی اجندتها, يبدو أن خطي غاز العابر للأناضول (TANAP) و العابر للادرياتيكي (TAP) هم الخطين المناسبين لتصدير الغاز الإيراني إلي أسواق جنوب شرق و غرب أوروبا.
مع ذلك, يعتمد تصدير الغاز الإيراني عبر خط الغاز المذكور علي مستوي العلاقات الإيرانية – الأذرية و موقع إسرائيل من صفقة ضخمة كهذه, حيث تتمتع كل من باكو و تل ابيب بعلاقات وثيقة. نظراً لمعارضة تل ابيب لإتفاق جنيف و تخفيف العقوبات الغربية, يمكن لها أن تضغط علي باكو لاستبعاد طهران من تصدير غازها إلي أوروبا من خلال الخط.
يبدو أن باكو حاولت التأثير علي الأسواق الأوروبية من خلال الاستحواذ علي حصص من مؤسسات أوروبية في ظل أزمة منطقة اليورو. في نهاية عام 2013, استحوذت باكو علي 66% من شركة توزيع الغاز الداخلية في اليونان. بذلك تعد باكو الآن لاعباً محورياً في الأسواق الجنوب شرق أوروبية يجب علي إيران أخذه في اعتبارها.
إذا استطاعت إيران الدفع إلي التنفيذ المشروع و الإتفاق مع أذربيجان علي تصدير غازها إلي الهند (مع الأخذ في الأعتبار أن أذربيجان لا تملك احتياطات كبيرة من الغاز), يمكن أن تستخدم إيران هذا كأداة مساومة لإدخالها إلي الأسواق الأوروبية. و بالإضافة إلي ذلك, تأسيس حالة من "الاعتمادية الطاقوية" بين طهران و باكو.
خط غاز إيران – العراق – سوريا (خط الغاز الإسلامي)
علي الرغم من تخطيط إيران لتصدير غازها إلي أوروبا عبر تركيا علي المدي القصير و المتوسط, بدأت إيران في العمل علي مشروع ضخم لتصدير غازها إلي العراق, سوريا, لبنان و اخيراً إلي أوروبا, علي المدي البعيد.
مع ذلك, فأن خط الغاز الإسلامي – الذي يتم بناءه حالياً – غارق في الوضع الفوضي الذي تعاني منه سوريا اليوم. غير واضحاً حتي الآن إذا كان المشروع قابلاً للتحقق أم لا و لكن تشير المكاسب التي حققتها قوات الأسد علي الأرض مؤخراً إلي احتمالية نجاح إيران في إتمام المشروع في ظل إعادة سيطرة القوات الحكومة علي طرق و منافذ استراتيجية.
تتجاوز طموحات طهران تصدير غازها إلي أوروبا عبر لبنان إلي تصدير الغاز السوري (الذي يتم التنقيب عنه في الوقت الحالي) إلي باكستان عبر خط إيران – باكستان أو ربما عبر خط الشرق الأوسط – الهند و الذي قد ينتهي كل منهما في حال إتمامه في الصين و بذلك يتاح لإيران فرصة تصدير الغاز الطبيعي إلي الصين. سيجعل هذا المشروع الطموح إيران جسراً للطاقة بين شرق المتوسط و البحر الهندي.
اما فيما يخص طموحات إيران لتصدير غازها إلي أوروبا. إذا استطاعت إيران مد خط الغاز الإسلامي إلي اليونان, سيكون لباكو دور في المشروع نظراً لدورها الجديد في هذه المنطقة.
مشروعات متعثرة
منذ ما يقرب من عقد, وُضعت مخططات لنقل الغاز الأذري, التركماني و الإيراني إلي أوروبا من خلال خطوط غاز تعبر البحر الأسود عبر الأراضي الجورجية و الأذرية (متفادية روسيا). علي الرغم من هذه المشروعات لم تكن حينها قابلة للتحقق لصعوبات سياسية و مالية. مع ذلك, كان من الممكن إحياء هذه المشروعات بعد اتفاق جنيف و لكن بضم روسيا لجزيرة القرم أصبحت هذه الخطط غير قابلة للتحقق نهائياً و ذلك لأن اوكرانيا كانت إحدي الممرات الاستراتيجية المقترحة لهذه الخطوط و التي لا يمكن إيصال الخطوط لها دون العبور علي جزيرة القرم. و بذلك حققت روسيا مكسباً جيو – استراتيجياً بالاستحواذ علي القرم.
كان خط غاز الوايت ستريم إحدي هذه الخطوط المقترحة بين عامي 2005 و 2008 لنقل غاز منطقة بحر قزوين إلي أوكرانيا و رومانيا عبر جورجيا. اما الخط الثاني الذي اُقترح فكان خط غاز أذربيجان – جورجيا – رومانيا.
لا يزال في إمكان إيران تصدير غازها إلي الأسواق الشرق أوروبية عبر الخط البلغاري – الروماني المزمع إنشاءه.
لا يزال إنشاء خطوط الغاز يكلف مليارات الدولارات في مقابل الغاز المُسال الذي يسهل شرائه في الأسواق الفورية و الذي يكون شرائه أقل تكلفة علي المدي البعيد.
الآن, تسعي الدول الأوروبية إلي إنشاء المزيد من منصات الغاز المُسال البحرية لتقليل الاعتماد علي الغاز الروسي بهدف إحباط أستخدام روسيا لسلاح الغاز.
الخلاصة
يمكن القول أن عملية إعادة تشكيل جيوبوليتيك الغاز الإيراني عملية معقدة تستدعي لاعبين مختلفين و اجندات متناقضة. إذا كانت إيران ترغب في أن تتحول إلي جسر للطاقة يجب علي طهران تكثيف جهودها الدبلوماسية للتوفيق بين مختلف اللاعبين.
تتطلب هذه الخطط إبقاء طهران علي رؤية و سياسية متوازنة في المحادثات مع دول 5+1 و ذلك لاعتماد طموحات إيران الطاقوية علي نتاج هذه المفاوضات. فانحراف مسار المفاوضات سيجهض الطموحات الإيرانية و سيعيد دبلوماسيتها الطاقوية إلي الصفر.
اما العقبة الكبري التي تواجه إيران فهي تعثر مشروعات الغاز المُسال الإيرانية. تحتاج إيران إلي التغلب علي هذه العقبة بقدر الإمكان لدخول أسواق الغاز المُسال. تحاول إيران تفادي هذه العقبة عبر التخطيط لتصدير الغاز المُسال إلي الأسواق العالمية عبر منشآت تسييل عمانية, و هو ما يمكن أن يحل مشكلة قطاع الغاز الإيراني علي المدي القصير.
اما إحدي المشكلات الأخري التي تواجه إيران و الدول الأخري المُصدرة للغاز فهي ثورة الغاز الصخري حيث يُجري حالياً التنقيب عن احتياطات صخمة من الغاز الصخري في أوروبا, آسيا و الولايات المتحدة الأمريكية.
اما بالنسبة لعقباتها الداخلية, سيكون تقليص الاستهلاك الكثيف للغاز شرط مسبق لتصدير كميات كبيرة من الغاز الطبيعي, فاستمرار الوضع الحالي لا يمكن أن يساعد جهود إيران حتي لو تم رفع العقوبات الغربية أو تم تخفيفها. مع ذلك, سيكون لتقليص الاستهلاك الكثيف للغاز من خلال السياسات النيوليبرالية (المُقترحة من قبل البنك الدولي) آثاراً مدمرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق