الاثنين، 26 يناير 2015





دنيا الوطن تنشر حصردنيا الوطن تنشر حصرياً كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الاولى:قصة "ايام الحب والحصار"

دنيا الوطن تنشر حصرياً كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الاولى:قصة  "ايام الحب والحصار"
تاريخ النشر : 2015-01-17
رام الله -خاص دنيا الوطن

أهدى الكاتب والاعلامي المعروف نبيل عمرو دنيا الوطن كتابه الجديد "صوت العاصفة" لاعادة نشره حصرياً على صفحات الموقع الالكتروني الاول في فلسطين .

ويسرد نبيل عمرو في كتابه تجربته الشخصية في إذاعة "صوت العاصفة" التي تحولت إلى إذاعة "صوت فلسطين" لاحقا ،كما يتطرق إلى علاقته مع القيادة السياسية والرئيس الراحل ياسر عرفات بشكل خاص خلال فترة عمله في الإذاعة.

وتحظى كتابات"نبيل عمرو" باهتمام كبير من قبل الشارع الفلسطيني ونخبة المثقفين وقادة الرأي.

و حصل نبيل عمرو للعام الثاني على التوالي كأبرز كاتب في استفتاء دنيا الوطن الذي شارك فيه اكثر من 180 ألف قارئ ،كما رشحه المشاركون للعودة إلى اللجنة المركزية لحركة فتح إيمانا منهم بقدرته السياسية التي تحتاجها المرحلة الحساسة في تاريخ القضية الفلسطينية.

وتولى عمرو عدة مناصب حساسة في السلطة الفلسطينية ،كما أنه أحد مؤسسي اذاعة صوت فلسطين ومن المقربين للرئيس الشهيد ياسر عرفات .

وتنشر دنيا الوطن الكتاب على حلقات يومية .قدم للكتاب الكاتب يحيى رباح ،واهداه الكاتب لروح عميد الاذاعيين الفلسطينيين فؤاد ياسين مؤسس صوت العاصفة .. وفيما يلي نص الحلقة الأولى .


في هذا الكتاب.

تقديم الجزء الاول

لو لم أكن فلسطينياً ،

ترى ماذا عساي أن أكون

لو لم أكن فلسطينياً،

سأخسر تلك الدهشة المقدسة التي لا تضاهى ،

دهشة قيامتي من موتي ،

ومواعيدي مع المستقبل حين نلتقى على مفارق الطرق،

وأكتشافي بأن قمة الأمان أن أكون في ذروة الخطر،

وبشارتي بأني أشعل الحرائق في أزمنة الصقيع،

وأزرع أشجار يقيني في مواسم القحط

تمراً حلواً و ظلاً ظليلاً ،

لو لم أكن فلسطينياً ،

لخسرت ما لا يضاهى ،

أسترداد صوتي المسروق من حنجرتي ،

وحضوري من غيابي ،

وبكائي الذي أخفيته عن عيون الشامتين .

وهكذا يعود صديقي العزيز نبيل عمرو لفتح خزائن الذاكرة الذهبية ،ويكتب عن تجربة فلسطينية مدهشة ،هي تجربة الإذاعة الفلسطينية التي كان هو واحداً من فرسانها المتميزين في زمن الثورة ،وهو زمن جميل مليء بالإنبثاقات بحيث كنا نؤمن فيه أن لاشيء على الإطلاق لانستطيع أن نفعله ،تجربة أذاعة صوت العاصفة ،صوت فتح ،صوت الثورة الفلسطينية ،التي أنطلقت في الحادي عشر من آيار عام 1968م ،من العنوان الأشهر في زمانه 4 شارع الشريفين المتفرع من شارع قصرالنيل في قلب القاهرة ،والذي ركب هو أيضاً مع الثورة التي كان يتحدث بأسمها بساط الريح الفلسطيني ،وجدد ميلاده في مناطق متعددة ،وبلاد بعيدة ،مثلما قيل في الأساطير عن شجرة عجيبة ما أن يقطع عرفها حتى تتجلى بألف فرع جديد!!!

وهكذا كان ،

فقد أنطلق صوت العاصفة ،صوت فلسطين ،صوت الثورة من الجزائر وبغداد وعمان ،من درعا في سوريا ،ومن صنعاء وعدن ،من برج رحّال والبابلية وجبل سينيق شرقي صيدا وجبل تربل شمال طرابلس إلى بيروت نفسها ،ومن الخرطوم  وتونس إلى أريحا ورام الله وغزة !!!

 هنا صوت العاصفة

صوت فلسطين

صوت الثورة الفلسطينية

المهم أن يظل الصوت مستمراً ولا ينطفىء ،فقد عانى شعبنا الفلسطيني من كثرة الذين تحدثوا عنه رغماً عنه ،وتحدثوا باسمه وعندما جاء دوره منعوه من الكلام ، وعندما أنطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة على يد فتح في مطلع عام 1965م،وجاءت معركة الكرامة في آذار عام 1968م لتثبت أن الإنتصار فعل ممكن ،كان لابد من أصحاب البشرى أن يتحدثوا عنها هم أنفسهم ،وهذا ماكان حين إنطلقت إذاعة صوت العاصفة ،لتصنع تجربة متفردة في الشكل والمضمون ،في كيمياء اللغة ،في مساحة الجسارة ،في الإبداع الذي يستمد معاييره من الدهشة ،من شباب لم يكن احد منهم قد دخل مبنى اذاعة من قبل باستثناء رجل واحد وهو فؤاد ياسين ابو صخر الذي كان احد المعلقين السياسيين في اذاعة صوت العرب.

وكنا –بيننا وبين انفسنا –قد عملنا بموجب القانون الذي يقول ان "افضل وسائل تعليم العوم في قلب النهر هو العوم نفسه " وقد حدث ان التجربة نجحت ،بل انها نجحت اكثر من كل التوقعات ،واثبتت هذه العائلة الفلسطينية العجيبة، عائلة الثورة الفلسطينية المعاصرة ،ان هذا الشعب العظيم شاءت له اقداره ان يحيا بين حدين قوة الانتشار وعبقرية الانفجار ،وكانت الاذاعة الفلسطينية هي الصوت المدوي لهذه الظاهرة الخارقة .

اعتقد ان صديقي العزيز نبيل عمرو قد استطاع وهو يقدم هذه التجربة ،ان يضع بين يدي اجيالنا الفلسطينية ما يمكن ان ينهلوا منه ويستندوا اليه، وذلك ان تجربتنا الفلسطينية في مجموعها، ابتداء من الكفاح المسلح الذي كان يتخطى القواعد وصولا الى الاعلام الذي جناحاه يرفعان كوفيتنا الفلسطينية فوق راس الشمس ،هذه التجربة تنطلق امس واليوم وغدا من فلسفة المحاولة المستمرة، ومن عدم الرضوخ للحظة الانكسار مهما كانت قاسية .

تحية للاخ العزيز نبيل عمرو على هذا الجهد المثابر ،وتحية لكل الذين ساهموا بجهد مميز في تجربة الاذاعة الفلسطينية.

يحيى رباح


تمهيد

بعد ما يقارب ثلث القرن، على صدور كتابي " ايام الحب والحصار"

 قررت اعادة طباعته، مع اضافة فصل جديد اليه، يحكي حكايتي الشخصية والمهنية مع اذاعة صوت العاصفة، والتي صار اسمها اذاعة صوت فلسطين، حين قررت القيادة السياسية تأسيس الاعلام الفلسطيني الموحد في العام 1974، في هبة وحدوية مشهودة لم تتوقف عند الاعلام، بل طالت اجهزة الامن، حيث تم تأسيس جهاز الامن الفلسطيني الموحد، واختار الاجماع الفلسطيني الشهيد صلاح خلف " ابو اياد " رئيسا له.

ايام الحب والحصار، يحكي تجربة الاذاعة الفلسطينية في بيروت، وخصوصا اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982، ورأيت ان اعيد نشر هذه التجربة، لعلها تكون مفيدة للاجيال الاذاعية والاعلامية التي تتداول الاثير، وتنشر في فضائه اللامتناهي ما يجدر ان ينشر عن فلسطين والقضية والوطن والمجتمع والناس والحلم.

قد يقول قائل .. لقد تغيرت الاذاعة على مدى ثلث قرن وتطورت الوسائل التقنية التي تحمل الصوت الى الاثير ثم الى المستمع، ودخل الى اللعبة المستمرة عناصر جديدة لم تكن من قبل، مثل الاقمار الصناعية والميكروفونات الاكثر دقة وحساسية، واجهزة التسجيل التي تزيد الصوت الادمي والموسيقي حلاوة فوق حلاوة.

وأقول.. هذا صحيح تماما .. الا ان الذي لا يتغير ابدا هو الجهد الآدمي، الذي يُشغِّلُ كل العناصر القديمة والجديدة، ويعطي للاجيال دروسا بليغة وفعالة في كيفية النجاح، وكيفية التأثير فما زالت الاذاعة هي وسيلة الاتصال الجماهيري الاولى، ورغم كل الطفرات الهائلة التي احرزها التلفزيون، الا انه لم يهزم الاذاعة، ولم يضعها في المقام الثاني، فمن اين لمليارات البشر الذين يقضون وقتا هاما من اوقات حياتهم اليومية في السيارات والشوارع والمنتزهات ان يشاهدوا التلفزيون، ويتخلوا عن الاذاعة التي هي في متناول اليد فالاذاعة تدل المواطن على الطرق وحالة الطقس والاخبار الطازجة، والاغنيات من لحظة ولادتها والحوارات التي صارت تتم على الهاتف ويشارك فيها الملايين.

غير ان للاذاعة الفلسطينية تميزا خاصا يمليه تميز الحالة الفلسطينية ذاتها، إن الوضع الاستثنائي للحياة الفلسطينية، افرز وضعا استثنائيا للاذاعة الفلسطينية، لم تكن الاذاعة الفلسطينية شبيهة باي اذاعة لاي كيان على وجه الارض، كانت تنطلق اساسا من فلسطين ثم من اي مكان يقبل اصحابه ان ننطلق منه لتملأ اثيرها اصواتٌ فلسطينية، الا انها كانت في معظم الاوقات، بعيدة عن ان تكون مالكة لحريتها ولمساحة ابداء الرأي والموقف دون قيود. واذا كانت الاذاعات الرسمية للدول تنطق باسم قياداتها السياسية صراحة، الا ان اذاعات الفلسطينيين كانت تنطق باسم الحلم  ولكن تحت اسقف واعتبارات الدول المضيفة، لذا كانت عرضة للتدمير وهذا ما حدث عندما اقتلعت الجرافات السورية محطتنا البدائية في درعا، ثم كانت عرضة للانتقال من مكان لآخر كما حدث مع اذاعة العاصفة اثناء معارك ايلول 1970.

وكانت عرضة للاغلاق، ولقد حدث ذلك مرتين او ثلاثة حين كانت قيادة الثورة تختلف مع القيادة المصرية وتقوم الاذاعة الفلسطينية بتغطية الموقف على نحو لا يرضي قيادة الدولة المضيفة، حدث ذلك في زمن عبد الناصر والسادات فيما بعد .

وفي الاضافة التي وضعتها في "الطبعة الثانية" حرصت على ان اسرد حكايتي، كتلميذ ساهم كثيرون في تعليمه وارشاده. وكشاهد على جهد جبار قام به متطوعون من الطلبة، تعلموا القراءة الاذاعية في ايام ثم تعلموا الكتابة كذلك، كان قائد هذه الفرقة الابداعية رجل متكامل الخلق والمواهب اسمه فؤاد ياسين.

وفي الاضافة كذلك تطرقت لأهم ما انتجته اذاعة العاصفة ثم اذاعة صوت فلسطين فيما بعد، وهي الاناشيد التي وصفها الكاتب العربي الكبير يوسف ادريس على انها "ثورة ابداعية في عالم الغناء العربي السياسي". وتحدثت عن تأسيس الاغنية وانتاجها، وتجهيز المذيع من الالف الى الياء، وصقل موهبة الكتابة عند المحللين والمعلقين، وكيف كانت القواعد المميزة للاذاعة الثورية صارمة الى حد بعيد، وكيف كان التطوير يأتي في وقته ما جعل الاذاعة الفلسطينية مواكبة لذوق الجمهور وشديدة التأثير فيه عبر الثقة والاقناع والتنويع والشجاعة تحت النار والخطر.

لم تكن الافكار والوقائع التي يتضمنها هذا الكتاب من صنعي، بل كنت المتلقي لكل من كان يعرض فكرة جديدة، او توجيها سديدا، وطيلة عملي الاذاعي الذي استغرق ما لا يقل عن خمسة عشر عاما، لا اذكر يوما واحدا مر دون ان يعلمني شخص ما شيئا جديدا.

حين قررت اعادة طباعة ": ايام الحب والحصار" واضفت إليه شهادتي عن الفترة التي سبقت تجربة الاذاعة المقاتلة في بيروت، كان في ذهني أن اقدم خلاصة تجربتي لابناء شعبنا الفلسطيني، ولمن يرغب من الاشقاء العرب، لعل طلبة الإعلام والعاملين في مجاله الرحب .. الحيوي والحساس والمؤثر يستفيدون ولو بفكرة .. هذا ما تمنيته منذ وضعت الكلمة الاولى في هذه المخطوطة..

مع كل الحب

نبيل عمرو


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/17/647796.html#ixzz3PwkzNO82 

Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebookيا كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الثانية: البدايات. دمشق درعا1971

تاريخ النشر : 2015-01-17
رام الله - دنيا الوطن
خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الثانية ننشر تجربته الاذاعية الاولى في صوت العاصفة بدرعا وشارع الشريفين.
                                 
تمهيد

بعد ما يقارب ثلث القرن، على صدور كتابي " ايام الحب والحصار"

 قررت اعادة طباعته، مع اضافة فصل جديد اليه، يحكي حكايتي الشخصية والمهنية مع اذاعة صوت العاصفة، والتي صار اسمها اذاعة صوت فلسطين، حين قررت القيادة السياسية تأسيس الاعلام الفلسطيني الموحد في العام 1974، في هبة وحدوية مشهودة لم تتوقف عند الاعلام، بل طالت اجهزة الامن، حيث تم تأسيس جهاز الامن الفلسطيني الموحد، واختار الاجماع الفلسطيني الشهيد صلاح خلف " ابو اياد " رئيسا له.

ايام الحب والحصار، يحكي تجربة الاذاعة الفلسطينية في بيروت، وخصوصا اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982، ورأيت ان اعيد نشر هذه التجربة، لعلها تكون مفيدة للاجيال الاذاعية والاعلامية التي تتداول الاثير، وتنشر في فضائه اللامتناهي ما يجدر ان ينشر عن فلسطين والقضية والوطن والمجتمع والناس والحلم.

قد يقول قائل .. لقد تغيرت الاذاعة على مدى ثلث قرن وتطورت الوسائل التقنية التي تحمل الصوت الى الاثير ثم الى المستمع، ودخل الى اللعبة المستمرة عناصر جديدة لم تكن من قبل، مثل الاقمار الصناعية والميكروفونات الاكثر دقة وحساسية، واجهزة التسجيل التي تزيد الصوت الادمي والموسيقي حلاوة فوق حلاوة.

وأقول.. هذا صحيح تماما .. الا ان الذي لا يتغير ابدا هو الجهد الآدمي، الذي يُشغِّلُ كل العناصر القديمة والجديدة، ويعطي للاجيال دروسا بليغة وفعالة في كيفية النجاح، وكيفية التأثير فما زالت الاذاعة هي وسيلة الاتصال الجماهيري الاولى، ورغم كل الطفرات الهائلة التي احرزها التلفزيون، الا انه لم يهزم الاذاعة، ولم يضعها في المقام الثاني، فمن اين لمليارات البشر الذين يقضون وقتا هاما من اوقات حياتهم اليومية في السيارات والشوارع والمنتزهات ان يشاهدوا التلفزيون، ويتخلوا عن الاذاعة التي هي في متناول اليد فالاذاعة تدل المواطن على الطرق وحالة الطقس والاخبار الطازجة، والاغنيات من لحظة ولادتها والحوارات التي صارت تتم على الهاتف ويشارك فيها الملايين.

غير ان للاذاعة الفلسطينية تميزا خاصا يمليه تميز الحالة الفلسطينية ذاتها، إن الوضع الاستثنائي للحياة الفلسطينية، افرز وضعا استثنائيا للاذاعة الفلسطينية، لم تكن الاذاعة الفلسطينية شبيهة باي اذاعة لاي كيان على وجه الارض، كانت تنطلق اساسا من فلسطين ثم من اي مكان يقبل اصحابه ان ننطلق منه لتملأ اثيرها اصواتٌ فلسطينية، الا انها كانت في معظم الاوقات، بعيدة عن ان تكون مالكة لحريتها ولمساحة ابداء الرأي والموقف دون قيود. واذا كانت الاذاعات الرسمية للدول تنطق باسم قياداتها السياسية صراحة، الا ان اذاعات الفلسطينيين كانت تنطق باسم الحلم  ولكن تحت اسقف واعتبارات الدول المضيفة، لذا كانت عرضة للتدمير وهذا ما حدث عندما اقتلعت الجرافات السورية محطتنا البدائية في درعا، ثم كانت عرضة للانتقال من مكان لآخر كما حدث مع اذاعة العاصفة اثناء معارك ايلول 1970.

وكانت عرضة للاغلاق، ولقد حدث ذلك مرتين او ثلاثة حين كانت قيادة الثورة تختلف مع القيادة المصرية وتقوم الاذاعة الفلسطينية بتغطية الموقف على نحو لا يرضي قيادة الدولة المضيفة، حدث ذلك في زمن عبد الناصر والسادات فيما بعد .

وفي الاضافة التي وضعتها في "الطبعة الثانية" حرصت على ان اسرد حكايتي، كتلميذ ساهم كثيرون في تعليمه وارشاده. وكشاهد على جهد جبار قام به متطوعون من الطلبة، تعلموا القراءة الاذاعية في ايام ثم تعلموا الكتابة كذلك، كان قائد هذه الفرقة الابداعية رجل متكامل الخلق والمواهب اسمه فؤاد ياسين.

وفي الاضافة كذلك تطرقت لأهم ما انتجته اذاعة العاصفة ثم اذاعة صوت فلسطين فيما بعد، وهي الاناشيد التي وصفها الكاتب العربي الكبير يوسف ادريس على انها "ثورة ابداعية في عالم الغناء العربي السياسي". وتحدثت عن تأسيس الاغنية وانتاجها، وتجهيز المذيع من الالف الى الياء، وصقل موهبة الكتابة عند المحللين والمعلقين، وكيف كانت القواعد المميزة للاذاعة الثورية صارمة الى حد بعيد، وكيف كان التطوير يأتي في وقته ما جعل الاذاعة الفلسطينية مواكبة لذوق الجمهور وشديدة التأثير فيه عبر الثقة والاقناع والتنويع والشجاعة تحت النار والخطر.

لم تكن الافكار والوقائع التي يتضمنها هذا الكتاب من صنعي، بل كنت المتلقي لكل من كان يعرض فكرة جديدة، او توجيها سديدا، وطيلة عملي الاذاعي الذي استغرق ما لا يقل عن خمسة عشر عاما، لا اذكر يوما واحدا مر دون ان يعلمني شخص ما شيئا جديدا.

حين قررت اعادة طباعة ": ايام الحب والحصار" واضفت إليه شهادتي عن الفترة التي سبقت تجربة الاذاعة المقاتلة في بيروت، كان في ذهني أن اقدم خلاصة تجربتي لابناء شعبنا الفلسطيني، ولمن يرغب من الاشقاء العرب، لعل طلبة الإعلام والعاملين في مجاله الرحب .. الحيوي والحساس والمؤثر يستفيدون ولو بفكرة .. هذا ما تمنيته منذ وضعت الكلمة الاولى في هذه المخطوطة..
الفصل الأول
البدايات. دمشق – درعا صيف العام 1971

=اخي نبيل ارجو ان تتجه الى غرفة مكتبك وتكلمني عبر الهاتف.
بادئ الامر ظننت ان السيد فؤاد ياسين مدير اذاعات الثورة الفلسطينية راغب في التحدث معي في امر شخصي ربما يندرج في خانة الاسرار !!
توجهت الى مكتبي، وطلبت من عامل البدالة ان يوصلني بفؤاد ياسين في الغرفة المجاورة .
=ها انذا اخاطبك من مكتبي .. قلت
=جيد وسأل كيف حالك ؟
=الحمد لله " كويس " 
=ارجو ان تُسمعني ابيات شعر تخطر ببالك 
قرأت ابياتا من الشعر القديم والحديث.
من القديم قرأت لامريء القيس نحاول ملكا او نموت فنعذرا، ومن الشعر الحديث لمحمود درويش لا يصل الحبيب الى الحبيب الا شهيدا او شريد.
=اشكرك باستطاعتك الحضور؟
افصح السيد فؤاد ياسين عن غرضه من هذا السلوك المفاجئ والغريب وقال...
" لقد نجحت في اختبار الصوت، واقترح عليك ان تنضم الى اذاعة صوت العاصفة .. واستطرد
وغدا سوف اصطحبك الى درعا لاجراء اختبار اكثر مهنية وبعدها نسافر معا الى القاهرة حيث تخضع لدورة تدريب مكثفة.
في اليوم التالي، توجهت معه الى درعا " المدينة الحدودية " وصلنا الى بيت صغير لا تتجاوز مساحته المائة متر مربع، وجدنا في استقبالنا رجلا كنت زاملته في جامعة دمشق حين كنت في السنة الاولى حقوق وهو في الرابعة.

قدمني السيد فؤاد ياسين " نبيل عمرو " مسؤول التنظيم الشعبي الفلسطيني في سوريا " فبادر احمد عبد الرحمن ولكن ببرود ظاهر اعرفه منذ سنتين او ثلاثة على ما اظن.

قلت مازحا كما لو انني ارد على بروده "المستهجن، كانت تجربتي معه فاشلة فقد ترشحت واياه في انتخابات اتحاد الطلبة ولم ننجح"
ضحكنا وعقب فؤاد ياسين الذي كان مشهورا بالتقاط الطرائف من بين ثنايا اي حديث يسمعه 
بالتأكيد فان المسؤول عن الفشل هو احمد
فوجئت بهزال الاذاعة التي كانت تزلزل المنطقة باصوات مذيعيها المميزين، وتعليقاتهم النارية، واناشيدها التعبوية القوية والساحرة. لم ارَ في المساحة الضيقة للبيت الريفي ما يشير الى اننا في اذاعة: لا مكاتب ولا استديوهات، سوى مكتب المدير الذي هو احمد عبد الرحمن، والى جوار غرفته غرفة نوم فسيحة تتراص فيها الأسرّة،كما لو انها مهجع جنود في معسكر وعلى الاسرة وحولها عدد قليل من الاشخاص يرتدون ملابس النوم اذ لا يوجد كما قال يحيى العمري المذيع الرئيسي انذاك، ما يدعو لارتداء ملابس اخرى.. فلا احد يرانا ولا نرى احداً.

بعد احتساء القهوة والتعرف على جميع العاملين وكانوا ثمانية دخل فؤاد في صلب الموضوع.

اخ احمد:- لقد اقترحت على صديقنا وصديقكم نبيل عمرو ان ينضم الى اذاعة العاصفة ولقد حضرنا من اجل اجراء تجربة صوتية ثانية له من داخل الاستديو.

اجاب احمد: لا مجال لذلك، اعذرني يا ابا صخر، فلا يوجد عندنا استديوهات تسجيل حتى نختبر الصوت ان لدينا استديو واحد يبث على الهواء ولا استطيع المجازفة باطلاق اختبار على البث المباشر.

=بوسعنا المجازفة بقراءة تنويه عن الموجات ولا اظن ان الامر سيستغرق اكثر من دقيقة، او بوسعنا اجراء التجربة اثناء توقف الاذاعة عن البث..

اسف مع احترامي لك كمسؤول عام للاذاعات الا انني هنا مسؤول الموقع ولا استطيع المجازفة بعمل كهذا 
تدخلت بعدما شعرت بان الحوار ينطوي على اهانة 
=ومن قال لكما انني بعد هذا الحوار يمكن ان اعمل في مكان كهذا، واضفت ساخرا إنه خرابة، قلت ذلك محاولا تثبيط همة احمد عبد الرحمن الذي تعامل معي كزائر متطفل لمحطة اذاعة اين منها الـ BBC.

نهضت واقفا وقلت مخاطبا فؤاد: انا مغادر الان الى دمشق ان كنت تحب البقاء فابقى بمفردك، وان احببت المغادرة معي فعلى الرحب والسعة 
كان فؤاد قد شعر مثلي بالاهانة وقال محتدا:- حضرنا معا ونغادر معا ونهض.

استبقه احمد همس في اذنه بكلمات قليلة ثم غادرنا المكان 
استبد بي فضول ملح، ماذا قال احمد لفؤاد همسا بالتأكيد انه امر متعلق بي
سألت فؤاد عن حديث الخلوة فاجاب بسؤال
هل بينك وبينه مشاكل او حساسيات او شيء كهذا ؟
اجبت:- منذ زمن لم اره ولا اعتقد ان بيننا اي شيء سلبي.
قال فؤاد:- غريب قال لي لو نبت في كف يدي شعر يمكن ان يصبح نبيل مذيعا .
ضحكنا وواصلنا الرحلة الى دمشق.

4 شارع الشريفين

غادر فؤاد الى القاهرة، ولم اعد افكر في عرضه. فلقد احبطني احمد عبد الرحمن، ونجح في صرف نظري تماما عن الفكرة فما الذي يدعوني الى انتظار ان ينبت الشعر في كفه حتى اصبح مذيعا ؟.

كان ذلك بعد ان كنا طردنا جميعا من الاردن، وانتقل عملنا الى دمشق، كانت سوريا قد اغلقت حدودها مع المملكة الهاشمية وحين قررت العودة الى عمان لاحضار زوجتي واكمال حياتنا في دمشق كان لابد من السفر الى القاهرة ومن هناك الى عمان فهذه هي الطريقة المتاحة لدخول العاصمة الاردنية التي كانت قبل شهور تحت سيطرتنا الكاملة

سافرت الى القاهرة بصحبة نقابي فلسطيني هو عضو في قيادة اتحاد عمال فلسطين "جبر الترك"، كان زميلي في دائرة التنظيم الشعبي، نزلنا في فندق متواضع انتظارا لموعد رحلة عمان .. طلب الي صديقي جبر ان ارافقه لزيارة مقر اتحاد عمال فلسطين في شارع جواد حسني بوسط القاهرة ولكي تصل الى هذا الشارع فلا بد من المرور عبر شارع قصر النيل احد اجمل شوارع القاهرة وسمته الاساسية انه يحتضن السينما التي كانت تحيي فيها كوكب الشرق ام كلثوم حفلتها الغنائية الشهرية، ثم تلج شارعا لا يزيد طوله عن المئة متر وهو كذلك اشهر شارع في الوطن العربي كونه يضم المبنى رقم "اربعة" الذي تنطلق منه اذاعة صوت العرب والقاهرة والشرق الاوسط والعاصفة فيما بعد، إنه شارع الشريفين.

امام المبنى التاريخي الداكن المكتوب على واجهته الاذاعة المصرية وجدت نفسي وجها لوجه مع فؤاد ياسين، كان يغلق باب سيارته ظن الرجل انني قادم بناء على اقتراحه حين التقينا في دمشق .. احتضنني بقوة وعانقني مظهرا كل ما  باستطاعته من سعادة لتلبيتي طلبه وقال 

=الى الاستديو

مشيت معه واعتذرت من صديقي جبر الذي وجد نفسه مضطرا لزيارة قيادته وحيدا دون ان يعرف كذلك انه سيضطر للسفر الى عمان وحيدا ايضا.

مصعد المبنى التاريخي يتحرك ببطء شديد صعودا ونزولا بين الطوابق ذات التصميم الهندسي القديم، حيث يفصل الطابق عن الاخر خمسة امتار ومنذ بناء الاذاعة في الثلاثينات لم يتغير المصعد ولم يتجدد الا ان الذين كانوا يتغيرون هم رواده من المذيعين والمطربين والممثلين والكتاب، كانت الهواية المفضلة لعم عبد الغني عامل المصعد والذي يحب تسمية نفسه بالمدير، هي معاكساته للركاب من الفنانين والمذيعين والنجوم واحتجازه لهم حتى يدفعوا له البقشيش ولو مرتين في اليوم، كان مسليا وشيقا وخفيف الظل. وصلنا الى الدور الثالث حيث صوت العاصفة، وجدت مقرا مهيبا أشعرني بضآلة مقر درعا .. كان مكتظا بالاستديوهات المكيفة والمعزولة بنسبة مائة بالمائة والمجهزة باحدث الميكروفونات واجهزة التسجيل، ومع ان المكاتب التي كانت في الاصل استديوهات صغيرة وضيقة بما في ذلك مكتب المدير الذي لا تزيد مساحته عن تسعة امتار مربعة الا ان شعورا بهيبة المكان سيطر علي منذ ولوجي الباب الخارجي الضخم، كان معظم كادر الاذاعة موجودا في تلك الساعة التاريخية بالنسبة لي، اذكر منهم الطيب عبد الرحيم نائب مدير الاذاعة، وعبد الشكور التوتنجي طالب كلية الطب وصاحب الصوت الذي تفتتح به الاذاعة حين تحولت من صوت العاصفة الى صوت فلسطين، وخالد مسمار الطالب الازهري صاحب الصوت الشجي السلس الذي يختصر المسافة بين حنجرته وقلوب المستمعين، وعارف سليم ( المميز المحترف) الذي توفي قبل اسابيع قليلة من كتابة هذه السطور، ورسمي ابو علي الاذاعي والاديب صاحب الكلام الساحر والصوت الاكثر سحرا، وبركات زلوم الذي يتكلم معك في اي امر كما لو انه يقرأ عليك نشرة اخبار لفرط اندماجه بعمله، ومن الكتاب يحيى رباح صاحب القلم الذي لا يتوقف عن التألق والتجدد، وزين العابدين الحسيني القاص الشهير ومعبود الاطفال، وعصام بسيسو رئيس قسم الاخبار، وعبلة الدجاني، ومديحة عرفات واسامة شراب، وعباس زرعي، وفؤاد عباس وآخرين، ربما اكون نسيت بعضهم  بعد مرور اكثر من ثلث قرن على لقائهم .

صفق فؤاد بيديه وهتف تعالوا جميعا للاحتفاء بزميلنا الجديد حضر الجميع بالفعل واقتادني فؤاد الى استوديو رقم 2، الذي يستخدم للتسجيلات وامر حسن ابو علي المهندس التاريخي للاذاعة بتجهيز معداته من اجل اختبار الصوت وناولني احدهم نشرة اخبار قديمة وقيل لي حين يرفع المهندس يده طالبا منك القراءة .. إبدأ

بدأت القراءة نظرت الى الحشد المتراص وراء زجاج الاستديو، كانوا جميعا ومن خلال حركة وجوههم وايديهم سعداء لسماع صوت جديد لشخص سوف يكون زميلا لهم 

قرأت عدة اسطر، لمحت اشارة المهندس بالتوقف ثم غادرت الاستوديو لسماع صوتي لاول مرة عبر ميكروفون الاذاعة 

كانت حفاوة الذين سأكون زميلا لهم، بمثابة تشجيع لا يقاوم على حسم امري باختيار هذا المكان لعملي الجديد، كان فؤاد ياسين وبحكم خبرته الاذاعية الطويلة والغنية مستعدا لتفهم الخوف الذي اثر على نبرات صوتي وانا اؤدي التجربة الاولى، وكان مستعدا كذلك لتفهم كثرة الاخطاء اللغوية ما لا يقل عن عشرين خطأ في ما لا يزيد عن عشرين سطرا .

انفض المحتفلون من حولي واصطحبني فؤاد الى غرفة مكتبه واغلق الباب فيما يشبه خلوة عمل.


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/17/648135.html#ixzz3PwkpSU5Y
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

دنيا الوطن تنشر حصريا كتابدنيا الوطن تنشر حصريا كتاب "صوت العادنيا الوطن تنشر حصريا كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الثالثة: الدرس الاول وبداية العمل

تاريخ النشر : 2015-01-18
رام الله - خاص دنيا الوطن

خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الثالثة ننشر بداية تجربته الاذاعية الاولى والدرس الأول في صوت العاصفة الذي حمل عنوان:"الدرس الأول وبداية العمل" ولرسائل القراء وتشويقهم قامت دنيا الوطن أيضا بنشر الفصل الذي يليه والذي يتحدث فيه د نبيل عمرو عن أول عمل له على الاذاعة مباشرة والذي حمل عنوان "على الهواء" بدأ الامر بخدعة بيضاء".

الدرس الاول وبداية العمل

 =اسمع يا نبيل ان صوتك اذاعي وحيوي وشاب، وحين تتخلص من خوف اللقاء الاول مع الميكروفون سيكون افضل واجمل واكثر استقرارا، ان جميع المستمعين يعتبرون المذيع مجرد صوت جميل يتأثرون به ويحبون الاستماع له كالمغني وفي حالة مثل احمد سعيد فانهم يشعرون بالاهتياج من كلامه وادائه، الا انني اقول لك ولكي تبدأ بداية صحيحة، ان الصوت مهم بالنسبة للمذيع ولكنه ليس الاهم انه اداة نقل الافكار، والتي تتضمنها النصوص اذ عليك ان تتعب على نفسك اولا باللغة ولا تطلب من احد ان يشكل لك الموضوع حتى في فترة التدريب، لانك لو فعلت ذلك فسوف تظل ضعيفا في اللغة وستعتمد على من يضع لك الضمة والفتحة دون ان تعرف لماذا.

ساساعدك بان امنحك اسبوعين، لتعرف اين تضع الضمة واين تضع الفتحة، واين واين واين واستطرد.

كذلك هنالك تقطيع المادة، فلا تدخل الاستديو دون ان تقطع الجمل والمفردات، كما لو انك تصوغ قطعة موسيقية. التوقف الطفيف يشار اليه بخط مائل والتوقف الطويل باشارة اكس ثم حاول ان تقرأ ما تكتب انت وعليك التدرب على الكتابة مع تدربك على القراءة وبوسعك الاستعانة بي في اي وقت، وكذلك عليك الاستعانة بزملائك الاقدم منك ثم حاول الدوام في الاذاعة لاطول وقت ممكن ولا تصاب بعدوى بعض الزملاء الذين يحضرون قبل ربع ساعة من قراءة نشرة الاخبار، او بعد خمس دقائق من موعد تسجيل برنامج، وقال هذا درس اولي، وستنفق وقتا طويلا للتعلم كن صبورا ومواظبا.

سرى خوف في روحي لعل سببه اعتقادي المتسرع بان مجرد اعجاب الزملاء بصوتي وفر لي كل امكانيات النجاح في عملي الجديد، ان نصائح فؤاد وتوجيهاته بدت لي في حينها كما لو انها شروط تعجيزية او تحميل لي وانا المبتدئ اثقالا لا قِبَل لي بها، كيف سأهضم كل ما قاله فؤاد خصوصا وانه عقد الامر اكثر حين قال ان كل ما قلت هو مجرد درس اولي فكيف ستكون الدروس التالية.

لحظ فؤاد علامات احباط ظهرت على وجهي بعد سماعي درسه الاول ومن اجل تبديد مخاوفي قال: ستبدو الامور صعبة عليك في البداية الا انها ستكون عادية وطبيعية  وسيوفر لك الدوام الطويل في الاذاعة ومعايشة الانتاج والمواظبة على التدرب مقومات نجاح وحتى تفوق، وقبل مغادرتي مكتبه سألني كيف انت والقراءة، اجبت انني مدمن على القراءة وخصوصا في الادب، قال هذا مهم  بل انه الشرط الاهم للكادر الاذاعي كي يجيد القراءة والكتابة، مضت ايام وانا في حالة تفكير، هل اواصل التجربة التي بدت لي مغامرة، اي انني سانتقل من عمل الى عمل مختلف كليا وفي زمن قياسي، ثم كيف سيكون وضعي حين اقبل بدور التلميذ امام هذا الجيش من الاذاعيين والمذيعين المتفوقين والمتمكنين، ثم كيف ارتب امور حياتي في القاهرة اذ لم يكن قد مضى على زواجي اكثر من سنة وبيتي في عمان.

لم استشر احدا في امر خياري فمن استشير؟ انني لا اعرف احدا هنا، ان كل الذين رحبوا بي رأيتهم في الاستوديو لاول مرة، بعضهم ما ان ينهي عمله في الاذاعة حتى يسارع الى كليته اما لحضور المحاضرات او لتقديم امتحانات، والبعض الاخر يذهب الى شؤون حياته في المدينة العملاقة " القاهرة " اخيرا حسمت امري على النحو التالي:

كبداية ونظرا لحياتي الجديدة في القاهرة فان افضل مكان اقضي فيه معظم وقتي هو مقر الاذاعة واكثر عمل اشغل نفسي فيه هو القراءة لاتقان اللغة وقضاء وقت طويل في الاستوديو اقوم بالتدرب على النصوص الاذاعية ثم احاول الكتابة، وجدت في نفسي وعلى نحو مبكر قدرة على اعداد برنامج سهل يعتمد على حس الانتقاء هو اقوال الصحف، وسُمح لي باعداد بعض الحلقات دون معاونة احد، ووجدتني اتطور بصورة لفتت نظر فؤاد ياسين في امر تشكيل المواد التي ستقرأ سواء كات اخبارية او تحليلية وسمح لي كذلك بتسجيل الاشارات اي الشيفرة التي ترسل الى مجموعات العمل في الارض المحتلة مثل من "ا.ق" الى " س. ع" وصلت الهدية.

كنت اسجل الاشارات دون ان اعرف معناها كانت الشيفرة مجرد اتفاق مباشر بين المرسل والمرسل اليه ا.ق تعني القيادة العامة اما س. ع او ص. ل او اي حرفين اخرين فكانا الاسم الرمزي لمتلقي الاشارة اما جملة وصلت الهدية او الطائر في الفضاء الخ.. فهي الموضوع الذي يراد للمتلقي معرفته والتحرك على اساسه كانت شيفرة مستحيلة على اسرائيل فك واحدة منها لانها سر بين اثنين ولا صلة لها بقواعد الشيفرات التي تستخدمها الجيوش في الحروب.

وبعد الشيفرة طلب الي ان اشارك في قراءة اقوال الصحف لانها مسجلة، واشارك في بعض البرامج، كان المهندسون يشعرون بالضجر من كثرة ما يعيدون التسجيل اما لضعف في ادائي او لأغلاط في اللغة. كان فؤاد ياسين يراقب شخصيا نمو قدراتي الاذاعية، وفي امر اللغة فإن ذلك الامر بالنسبة لي لم يكن بداية من الصفر وانما تذكر ما كنت نسيت من قواعدها حيث كنت دائما متفوقا فيها اما الكتابة فلها حكاية تستحق ان تروى.

كلفني فؤاد ياسين بكتابة تعليق حول حدث وقع في منطقة الخليل، وقال لي ان معرفتك بالمنطقة التي انت منها ستجعل تعليقك عنها اكثر صدقية وحرارة فجرب لتكون هذه اول مادة اذاعية تكتبها.

لم يكن لاي منا مكتب خاص به، كنا نكتب على اي طاولة فارغة، واقتصادا في الورق كنا نستخدم الوجه الفارغ للورقة التي يكون وجهها الاخر ممتلئا اما بتقارير الرصد الاذاعي او اي تقارير اخرى.

بدأت الكتابة .... اسرفت في الشرح وقبل ان اغوص في صلب الموضوع او ان اصل الى خلاصاته احببت استشارة الاستاذ فؤاد في التوجه والسياق والمقدمة وسؤاله ما اذا كنت اسير في الاتجاه الصحيح

سلمته ورقتين وقلت له: هذه هي مقدمة التعليق فان رأيته يشكل بداية صحيحة فسوف استمر في نفس الاتجاه وان رأيته غير ذلك فسأحاول اعادة كتابته.

ودون ان يلقي نظرة ولو عابرة على الاوراق التي وضعتها بين يديه قام بحركة استفزازية صارخة الى ابعد حد، مزق الاوراق والقى بها في سلة القمامة .

لماذا؟ على الاقل اقرأها احتراما لجهدي قلت محتجا، قال مبدئيا سامزق لك ورقا حتى يصل من الارض الى السقف وثانيا لو كان ما كتبته قطعة ادبية تتفوق على كتابات طه حسين والعقاد فان مصيرها بالنسبة لي هو التمزيق واشار بنظره الى سلة القمامة، فاي تعليق اذاعي تكون مقدمته صفحتان ، اذا انت تحتاج الى ثلاث اذاعات مثل اذاعتنا كي تتسع لتعليقاتك.

 كانت اذاعة العاصفة تبث ساعتين يوميا يومها عرفني فؤاد ياسين الى بعض خصائص المواد الاذاعية..

التعليق يجب ان لا يتجاوز الخمس دقائق الا في حالة الضرورة وتعليقي الذي مزقه كان يمكن ان يأخذ نصف ساعة وقال لي ان سيد الاذاعة هو ذلك الانسان الذي يستطيع الغاءك من الوجود بضغطة زر او انه المستمع الذي ان لحظ في تعليقك قدرا من المطمطة والتوسع واللف والدوران فسوف ينتقل على الفور  الى اذاعة اخرى فيذهب مجهودك كله.

وقال ايضا ان المادة الاذاعية هي الاخطر والاصعب ففي الصحافة المكتوبة بوسعك الاستعانة بعلامات الاستفهام او التعجب او الفاصلة او النقطة الخ، اما في الاذاعة فالامر مختلف كليا فلا فواصل ولا علامات استفهام وتعجب، وانما نص بسيط مباشر، يجب ان يصل الى المستمع ويشده ويسيطر على اهتمامه، وافهمني ان بين البساطة الجذابة والبساطة المفتعلة شعرة يوفرها الكاتب بنسبة عالية ويعاونه عليها المذيع في طريقة ادائه الذي يجب ان يكون فاهما تماما لما يقرأ، كي لا يكون مجرد اداة صوتية نمطية،  وهنا فهمت مغزى نصيحته السابقة لي ان اقرأ ما اكتب لانني في هذه الحالة اكون اكثر من يفهم المادة الاذاعية ويُفهم الاخرين.

" على الهواء" بدأ الامر بخدعة بيضاء.

استاذ فؤاد متى ستسمح لي بقراءة مادة على الهواء؟

وجهت هذا السؤال وكنت قد امضيت اقل من شهرين في العمل بين متدرب ومعد لبرامج وكاتب لتعقيبات قصيرة وبعض التحليلات البسيطة .. اجاب فؤاد.. لا تتعجل.

وبعد مرور شهر على هذا الطلب سمح لي بتقديم قارئ موجز الانباء وكان انذاك المذيع المحترف عارف سليم، كان الموجز يسمى عندنا الاخبار في سطور كنوع من التميز عن الاذاعات التقليدية، قال لي فؤاد اكتب افتتاح الاذاعة وعبارة والان اليكم الاخبار في سطور ثم يبدأ عارف قراءة الموجز كان ما كلفت به لا يتجاوز الثلاثة اسطر.

كتبت التحية المألوفة عند افتتاح الاذاعة وكذلك الموجات التي نبث عليها برامجنا ثم اليكم الان الاخبار في سطور، كان ذلك قبل ساعات من دخول الاستوديو ومعانقة الهواء لاول مرة الا انني بيَّت امرا فقد تدربت على الموجز المعد اكثر من ساعة وشكلته وقطعته عاقدا العزم على قراءته مخالفا اوامر المدير العام، لحظ عارف ان نسخةً من موجز الانباء في يدي وانها مجهزة للاذاعة ابلغته بان هذا تطور في برنامج التدريب حيث وصلت بالتنسيق مع خالد مسمار الى مرحلة تشكيل الموجز وتقطيعه تمهيدا لقراءته على الهواء خلال الفترة القادمة او بعد ان يأذن الاخ فؤاد بذلك.

اعطانا المهندس اشارة البدء، قمت بتلاوة تحية المستمعين والموجات العاملة وقلت الان اتلو عليكم الاخبار في سطور، وواصلت القراءة ذُهل عارف ولم يملك امام هذا التصرف الا ان يلوذ بالصمت.

انهيت القراءة دون لعثمة او اخطاء، كان فؤاد وعلى نحو دائم يتابع الاذاعة منذ بدايتها حتى نهايتها كما لو انه يؤدي واجبا مقدسا، شعر بالخوف حين سمعني اقرأ موجز الانباء خشية وقوعي في اخطاء فادحة، وشعر كذلك بتمردي على اوامره حين اقرأ على الهواء دون اذنه.

اجرى اتصالا مع المهندس وعارف ابلغوه بان نبيل اختطف الموجز ولم يتواطأ احد معه وتوعدني فؤاد بعقاب في اليوم التالي الا انه وامام اشادات الزملاء بحسن الاداء سمح لي بقراءة موجز الانباء وبعد شهر سمح لي بقراءة الاخبار مع مذيع رئيسي ثم سارت الامور بعد ذلك في سياقها البديهي واصبح بوسعي قراءة نشرة من نصف ساعة باقل قدر من اللعثمة والاخطاء اللغوية.

حين التحقت باذاعة العاصفة وكان ذلك في العام 1971 كما اسلفت، وجدت امامي فريقا يجيد فنون العمل الاذاعي وفق القواعد الصارمة التي وضعها فؤاد ياسين. لا اخطاء لغوية، مع قوة في الاداء، فالمذيع هو الصوت الحي للثورة، فيجب ان يكون منسجما مع رسالته مهنيا وموضوعيا، فالجمهور لا يستمع الى مذيع وانما الى ثورة كذلك يمنع منعا باتا ذكر اسم المذيع او الكاتب او المعد وراء كل مادة  أو قبلها.


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/18/648614.html#ixzz3PwkeI0fx 

Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebookصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الرابعة: "مخاض وولادة النشيد"

تاريخ النشر : 2015-01-20
رام الله -خاص دنيا الوطن
خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الرابعة ننشر بداية تجربته الاذاعية الاولى ومخاض  وولادة النشيد الثوري التي اشتهرت به أغاني الثورة الفلسطينية واذاعة صوت العاصفة الذي حمل عنوان:"مخاض وولادة النشيد" ولرسائل القراء وتشويقهم قامت دنيا الوطن أيضا بنشر الفصل الذي يليه والذي يتحدث فيه د نبيل عمرو عن أول عمل له على الاذاعة مباشرة والذي حمل عنوان "على الهواء" بدأ الامر بخدعة بيضاء".

مخاض وولادة النشيد

بعد شهور من عملي في اذاعة العاصفة التقيت في احد فنادق بيروت الكاتب العربي الكبير د.يوسف ادريس، كان ضيفا على المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للكتاب و الصحافيين  الفلسطينيين، قدمني اليه احد الاصدقاء ولما عرف انني اعمل في صوت العاصفة، اظهر اهتماما خاصا بي، وامطرني بكثير من الاسئلة حول مكان الاذاعة وما اذا كانت سرية، وحول الكادر العامل فيها، وكيفية التواصل بينها وبين الجمهور ومصادر التوجيه، فوجئ الكاتب الكبير بمعلومة ان صوت العاصفة تنطلق من قلب القاهرة، ومن احد الاستوديوهات التي يعرفها بوصفه احد نجوم الثقافة والادب في مصر، فمن هو الذي بوزن يوسف ادريس لم يجر معه صوت العرب واذاعة البرنامج العام واذاعة الشرق الاوسط العديد من المقابلات.

بتقول ايه  شارع الشريفين اياه، سأل مندهشا

نعم ومن الطابق الثالث.

ضحك الكاتب الكبير، وقال: كنت فاكر اذاعتكم بتذيع من فلسطين .. على كل حال هذا يعتبر نجاحا لكم، حين تجسدون البيئة الفلسطينية بدقة وانتم على بعد مئات الاميال منها الا انه قال جملة ظلت مستقرة في روحي وعقلي.

" انني استمع الى الاناشيد التي تنطلق من اذاعة العاصفة، انها الاجمل والاقوى في الغناء السياسي العربي، انكم بهذه الاناشيد اهم المجددين في مجال الموسيقى والاناشيد الملتزمة"

بحكم انني من الجيل الثاني او الثالث الذي التحق بصوت العاصفة بعد جيل المؤسسين الذين حققوا عملا اقرب الى المعجزة. فانني لم اشهد ولادة الاناشيد الاولى مثل باسم الله باسم الفتح باسم الثورة الشعبية ولا نشيد فدائي الذي ما زال حيا، لانه ما يزال النشيد الوطني الفلسطيني وهو من كلمات فتى الثورة ابو هشام المزين والحان الموسيقار المصري الكبير علي اسماعيل.

ولا طل سلاحي وشدو الزناد وانا يا اخي .
 لقد شهدت ولادة العديد من الاناشيد، كان انتاج النشيد يبدو غريبا بالنسبة لي وهكذا كان الامر.

بمعدل مرة كل ثلاثة اشهر يدعو مدير الاذاعة عددا من الكوادر الرئيسية من الكتاب والمذيعين لعقد اجتماع تحت عنوان الاناشيد الجديدة، ويتم خلال هذا الاجتماع بحث الموضوعات التي تستحق ان تكون موضوع اناشيد لها ذلك ان فكرة النشيد في صوت العاصفة تنطلق اساسا من صلب المعالجة السياسة للقضايا المستجدة والاحداث الرئيسية، لم تهتم الاذاعة باناشيد الحنين والتغزل بجمال الوطن واظهار حبه وسرد مزاياه الجمالية كلون البرتقال والسهول الخضراء الخ، بل اهتمت في ان يكون النشيد مكملا للتعليق او انه تعليق سياسي بحد ذاته، كانت هنالك اناشيد تعالج بكلمات مباشرة وباداء موسيقي وغنائي متقن، المنطلقات الاساسية للثورة الفلسطينية وتخاطب كل قطاعات الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده مثل يا جماهير الارض المحتلة، ويا شعبنا في لبنان، وتعالج كذلك مفاهيم الثورة واهمية الالتزام بها والدفاع عنها امام الاخطار، لم يكن يترك للشاعر مؤلف النشيد ان يكتب على مزاجه وهواه، لهذا كان مؤلفو الاناشيد هم من اكثر المشاركين في الاجتماع المشار اليه اهمية وضرورة، كان ابرزهم فتى الثورة ابو هشام المزين، صاحب النشيد التاريخي انا يا اخي امنت بالشعب المضيع والمكبل، ومحمد حسيب القاضي مؤلف عدد كبير من الاناشيد التي اعطت لصوت العاصفة هوية مميزة وصلاح الحسيني صاحب نشيد طل سلاحي النشيد الاكثر شهرة والاكثر ترديدا في المناسبات الوطنية وفيما بعد مريد البرغوثي.

كان مدير الاذاعة يعد تقريرا عن الاحداث التي وقعت بين انتاج اخر نشيد ويوم الاجتماع، ويجري نقاشا حول كيفية التناول، وذلك ضمن الضوابط الصارمة التي وضعها فؤاد ياسين وهي:

-        ان لا يزيد النشيد عن ثلاث دقائق والافضل ان يكون اقل.

-        ان يوصل المعنى المطلوب بصورة مباشرة وباكثر المفردات بساطة وسلاسة.

-        ان يؤدى عبر لحن سريع، وصوت جماعي قوي، والات منسجمة مع ايقاع الكلمات، وغالبا ما يكون ملحن النشيد حاضرا في الاجتماعات كي يتفاعل مع الفكرة والسياق وينجز عملا متكاملا من كل الوجوه.

الملحن الرئيس كان مهدي سردانة خريج معهد الكونسرفاتوار في القاهرة، الا انه قبل ذلك كان خريج سهرات شاطئ البحر في غزة، واعراسها ولياليها الصاخبة، لقد تشرب مهدي الالحان الفلكلورية الفلسطينية من منابعها الاصلية، الا انه اضاف عليها ما جعلها غير تقليدية وذلك مما تعلم في المعهد، كان يستعرض مهاراته التلحينية قبل الاجتماع فيضفي جوا من المرح، حتى انه ذات يوم وبحضور الرئيس ياسر عرفات قام بتلحين وغناء مانشيتات الاهرام.

ما ان يستقر رأي المجتمعين على الافكار التي ينبغي ان تتضمنها الاناشيد الجديدة حتى نصل الى الاهم أي التنفيذ.

يتوجه المؤلفون الى خلواتهم ويعودون في نفس اليوم او ربما بعد ايام قليلة حاملين نصوصهم كي تعرض على الاجتماع الثاني، وتجري مناقشة تفصيلية للنصوص ثم بعد اقرارها يتم تسليمها للملحن ومنذ البدايات كان عدد من كبار الملحنين المصريين قد تطوعوا لتقديم ابداعاتهم للاذاعة الوليدة .. علي اسماعيل ملحن النشيد الوطني فدائي وعبد العظيم محمد ملحن نشيد شدوا الطوق، وعبد العظيم عبد الحق ملحن نشيد نقاتل ونحنا واقفين ومحمود الشريف صاحب اهم لحن قتالي عربي" الله اكبر فوق كيد المعتدي، وطه العجيل المصري فلسطيني الاصل ووجيه بدرخان ومعذرة لمن نسيت.

" طوِّق"

وصلنا من الارض المحتلة لوم قاسي لعدم قيام صوت العاصفة بمعالجة حصار بلدة دورا الذي دام عدة اشهر، كان الحصار بغرض حمل سكان البلدة على الارشاد عن خلية باجس ابو عطوان وعلي ابو مليحة، وهي واحدة من انشط واكثر الخلايا فاعلية في فلسطين، كان الفدائيان ورفاقهما يعيشان في منطقة دورا ويقومان بانشطة احرجت قوات الاحتلال لفرط علانيتها وتحديها، كان باجس يتسلل الى مركز بريد دورا ويتصل بالحاكم العسكري ويقول له اتحدث اليك من بريد دورا ايها الجبان العاجز ارني ماذا ستفعل؟؟ كان يفعل ذلك ويختفي وبعد عدة دقائق تأتي طائرات الهليوكبتر والسيارات العسكرية وتنتشر في دورا حتى الصباح وهي تفتش عن الفدائيين الاستفزازيين ولكن دون جدوى وما ان يتأكد علي وباجس من ان المنطقة صارت خالية من القوات الاسرائيلية حتى يظهرا ثانية في الاعراس والجنازات وبيوت العزاء ولو لدقائق معدودات ثم يختفيان لقد اشاع الشهيدان جوا مزدهرا بالتحدي في دورا .

وطُلب من محمد حسيب القاضي تأليف نشيد حول هذا الموقف النادر دون ذكر اسماء الفدائيين ودورا خشية الظهور بمظهر الترويج لشخصين مثلهما الكثير، اختلى حسيب في احدى الغرف الضيقة، دخلت اليه بعد ساعة رأيت كومة من الاوراق الممزقة ما يدل على انه يعاني من مخاض ولادة القصيدة، بعد ساعات خرج الينا برائعة من اجمل روائع صوت العاصفة.

طوق يا عدو طوق، مدينتنا وقريتنا وشارعنا وحارتنا

يمين الله يمين الله عن الثورة ما نتخلى ولا بنحيد يمين الله

طوق يا عدو وانسف منازلنا بقلبي بنيت لثورتي بيت ...الخ.

احيل النص لمهدي سردانة وقام بتلحينه، ان حسيب ومهدي كتبا ولحنا الا ان الذي بث الروح في الكلام واللحن هو الحدث وابطاله وهكذا ولدت معظم ان لم اقل كل اناشيد العاصفة.

اليك نجيء

كان يحيى رباح ورسمي ابو علي يشكلان ثنائيا مبدعا في النص والاداء توصلا الى استحداث برنامج خاص بهما اسمياه كلمات الى فلسطين – الوطن والشعب.

كان يحيى رباح يكتب المادة ولكن بلغة وجدانية اقرب الى الشعر، وكان رسمي ابو علي يسجله يوميا بصوته العريض والعميق والحنون، كنا نقف في الاستوديو الضيق للاستماع الى البرنامج، وكنا بعد ذلك نحرص على سماعه مجددا قبل الثامنة بقليل، كان البرنامج الاهم في الاذاعة وكان المعتقلون حين يحصلون على مذياع ينسخونه ويوزعونه كتعويذة على كافة السجون، وحين كان يحيى يتوقف لسبب ما عن الكتابة كان محمد حسيب القاضي ومريد البرغوثي يتناوبان عليه.

ذات يوم وكنت مناوبا، ولهذا حكاية ستأتي في مكان اخر مررت قرب استدويو التسجيلات وسمعت صوت مريد البرغوثي يؤدي حلقة من البرنامج، كان اجتماع الخطة اليومية قد طلب منه كتابه حلقة عن عملية دلال المغربي اي عملية الشاطئ  المقطع الذي سمعته كان الاخير ويقول

" فتى يأتي يزنره الهوى والوجد... وتلو فتى وتلو فتى فيا اعداء عدّوا

طلبت من المهندس حسن ابو علي ان يسمعني الحلقة كاملة وكنت قد استوقفت مريد لسماعها معي وما ان انتهى التسجيل حتى قلت لمريد.

هذا شعر وليس نثر فلم لا نلحنه اغنية.

قال مريد ان امرا كهذا لم يخطر ببالي، قلت: اذن نادوا مهدي سردانة

بعد ان قرأ مهدي النص ومطلعه

اليك نجيء يا وطني اليك نجيء

بنا وجد اذا مدته ريح هواك

 فوق الارض فوق البحر يمتد

 وان متنا فلا نرتد عن عينيك

 بل انا الى عينيك نرتد

قال هذا الكلام يلحن نفسه بنفسه وبعد ايام اضيفت الى اثير صوت العاصفة واحدة من اجمل الاغنيات .

محاولة تطوير


كان لابد من الخروج عن القواعد الصارمة التي وضعها فؤاد ياسين للاناشيد، لم يكن ممكنا التفكير بامر كهذا وهو المعلم والمدير والعراب وصاحب الامر والنهي فيما يذاع ولا يذاع، كان متمسكا الى ابعد الحدود بقواعده، وكنت احاول اقناعه باهمية الخروج عن القواعد الصارمة من اجل التنوع واستقطاب الجمهور وابعاد الملل والرتابة عن الاناشيد المتكررة التي مهما بدت جميلة ومميزة الا ان تكرارها لن يكون جذابا للجمهور  لم يكن فؤاد ليصغي الى مرافعاتي في هذا الشان حتى يئست ولم اعد اطرح الموضوع معه.
حين غادرنا فؤاد الى وارسو سفيرا وتسلم المسؤولية الاولى الطيب عبد الرحيم وعينت نائبا له رأيت ان الوقت ربما صار اكثر ملائمة للتفكير مجددا بتجديد الاناشيد من خلال اذاعة اغنيات فلسطينة وعربية يؤديها مطربون محبوبون شريطة ان تكون المختارات الجديدة ذات مضمون وطني واضح ومباشر فما الذي يمنع من اذاعة قصيدة نزار قباني التي ادتها السيدة ام كلثوم اصبح عندي الان بندقية واغنية الارض بتتكلم عربي للفنان المصري الكبير سيد مكاوي وكلماتها للشاعر الكبير فؤاد حداد، ان باستطاعتنا ايجاد عشرات بل مئات الاغنيات الملتزمة والجميلة التي تكسر رتابة الاغنيات المتكررة، الا ان محظورا واجهنا ونحن نتداول في الامر، الا وهو قلة المساحة الزمنية التي نبث عليها برامجنا، انها مجرد ساعتين لا اكثر، اذا لا مجال لمطولات قد تلتهم كل الوقت دون ان نجد ما تبقى للمعالجات السياسية.

كلما كنا نواجه هذا المحظور الحيوي كنا نلغي الفكرة ونستعيض عنها بالعمل على انتاج اناشيد جديدة  الى ان جاءت السانحة للدخول التدريجي في التطوير والتجديد ولهذا حكاية.

قرر المصريون منح فرصة للفنان مهدي سردانة ليؤدي اغنية فلسطينية على مسر ح جامعة القاهرة الذي كان من اهم المسارح في مصر، واعد نفسه ليغني واحدة من اهم ما لحن ومن اكثر الاغنيات الثورية شيوعا، وحتى انها كانت تغنى في قواعد الفدائيين كلازمة او شعار يحبه الجميع ويهزجون به ويدندنون  به ليل نهار انها الاغنية التي تقول...

لوحنا على القواعد لوحنا... بالدكتريوف والاربي جي لوحنا

برصاصنا شفنا الموت وما هبنا ونفذنا العملية وروَّحنا يا هلا.

وحنا النشامى وين العدو يلقي دقي قدمك يا ثورتنا دقي.

بعد ان قدم كبار الفنانين المصريين وصلاتهم جاء دور مهدي وحين تم الاعلان عن وصلته انقطع التيار الكهربائي فجأة فعم الظلام القاعة الكبرى واضطر الفنان الفلسطيني للغناء دون ميكروفون، كان التحدي قد ولد لدى مهدي طاقة اضافية، فغمر صوته القوي فراغ القاعة الكبرى وكان ان تفاعل الجمهور بصورة اقوى معه الى ان عادت الكهرباء وواصل اغنيته الجميلة والقوية.

كنت اتابع عملي الروتيني في الاذاعة، سمعت صوتا قويا تصاحبه الموسيقى الجميلة ينطلق من استوديو التسجيلات، كان المهندس حسن ابو علي يقوم باعمال الصيانة والتأكد من الاشرطة والاغاني والتسجيلات فاذا به ودون قصد منه يضع الشريط الذي سجلت عليه اغنية مهدي في جامعة القاهرة، كان النشيد بالصوت الفردي اقوى بمرات من النسخة المسجلة بصوت المجموعة، طلبت من ابو علي اعادة الاغنية، ورحت اسمعها باهتمام وتركيز وفي ذهني سؤال، هل تصلح للاذاعة، هل بها ابدأ بخرق قواعد فؤاد ياسين واسمح بالغناء الفردي، ما ان اكملت الاستماع حتى استشرت ابو علي، ما رأيك في ان نذيع هذه الاغنية الجميلة ضمن فقرات برنامجنا اليوم، ضحك ابو علي فلقد تذكر ان فؤاد ياسين منع اذاعتها لانها تخالف القواعد التي وضعها وقال لي ممنوعة باوامر من الاستاذ فؤاد، قلت له مازحا الى ان تصل هذه الاغنية الى فؤاد في وارسو يكون ساعتها لكل حادث حديث، ضحكنا وادرجنا الاغنية في البرنامج ومنذ اذاعتها الى ان اغلقت الاذاعة ظلت اغنية مهدي واحدة من افضل الاغنيات التي يحبها الجمهور.

اذاً كُسرت القاعدة وامكن التحايل على الاغنيات الطويلة باذاعة مقاطع منها فاي اذاعة يمكن ان تنجح دون ان يعانق اثيرها صوت فيروز واغانيها المميزة عن فلسطين وندائها التاريخي سيف فليشهر  وزهرة المدائن والاوبريتات الراقية تأليفا وتلحينا وتوزيعا وغناء واذكر يوما كنت بيافا، لم تكن الازمات المتتالية التي كانت الاذاعة تضطر لتغيير برامجها لتغطية اخبارها وتطوراتها لتسمح بالتوسع في اذاعة هذا النوع الراقي من الغناء الملتزم والمؤثر الا اننا كسرنا القاعدة وصار بوسعنا استخدام هذا الغناء الجميل حين اسسنا اذاعتنا الخاصة في بيروت  حيث وصلت ساعات البث خلال حرب بيروت الكبرى الى ما يربو عن ستة عشر ساعة انذاك صار ضروريا اذاعة اغنيات فيروز وسيد مكاوي ومحمد حمام وعبد الحليم حافظ وغيرهم وكنا نختار الاغنيات وحتى المقاطع المنتقاة بعناية فائقة كي تظل النكهة الوطنية والثورية والسياسية للاذعة بعيدة عن ان تضعف....


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/20/649571.html#ixzz3PwkTOmxx 

Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الخامسة: "المحبة والصداقة"

تاريخ النشر : 2015-01-21
رام الله -خاص دنيا الوطن
خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الخامسة ننشر تجربته الجميلة والتي تكللت بـ "المحبة والصداقة" .

المحبة والصداقة

حين اصبحت المسؤول الاول عن الاذاعة وكان ذلك في القاهرة وفي بيروت كنت اعمل وزملائي ليل نهار وكل ساعة كان يتعمق في داخلي اليقين باستحالة النجاح والتقدم في العمل الاذعي، دون ان تؤمن بجدوى ما تعمل ودون ان تحب ما تعمل .

في القاهرة كان لدينا مساحة وقت واسعة تمكننا من ممارسة الحياة العادية في مدينة الاحلام الساحرة القاهرة، لم تكن كما هي الان شديدة الازدحام وكثيرة فيها صعوبات الحياة. لم يكن الغلاء قد غرز انيابه الحادة في حياة محدودي الدخل، كانت مرتباتنا تكفي لحياة عادية مستقرة، لم تكن باذخة بل كانت معقولة، لا اذكر اني ركبت تاكسي اجرة  الا مضطرا وفي حالات نادرة، فهنالك الاوتوبيس المميز الذي سعر تذكرته خمسة قروش يحمل الرقم "خمسمئة"، كنت وصديقي الحبيب حتى الان خالد مسمار نقطع مسافة كيلو مترات مشيا حتى نصل الى ميدان العتبة ليأخذ هو الاوتوبيس الى سكنه في الازهر وانا اخذ الاوتوبيس خمسمائة ليقلني الى منزلي في مصر الجديدة وكنا في حالات كثيرة نكرر هذه الرحلة الشاقة مرتين يوميا وعلى الطريق الطويل بين الشريفين ومحطة الاوتوبيس كنا نتبادل الحكايات البسيطة الجميلة، كان خالد يراكم لاخرته اجرا وهو يحاول هدايتي للصلاة وكنت اصغي له باحترام وحين اضطر لاجراء جراحة في الكلى قمت بدور الشقيق والاب والام ازوره كل يوم في المستشفى حاملا معي زجاجة من العصير الطازج وما تيسر من اطعمة خفيفة تحضرها زوجتي بشرى التي كانت تعتبر خالد بمثابة اخ قريب لها، كان جو العائلة الحميم يخيم علينا جميعا ونحن في بلاد فيها رائحة غربة عن الوطن، لقد نجحنا قبل اجادة فنون العمل الاذاعي في خلق جو عائلي حميم بيننا، نحن الذين ليس لنا اقارب من لحمنا ودمنا في البلاد الاخرى فخلقنا من انفسنا لانفسنا صلة قربى عميقة اخالها ظلت حية وترافقنا حتى الان، كان فؤاد ياسين بمثابة الاب الذي يفتح صدره لنا يستمع الى شكوانا يعالج مشاكلنا اذ لا عمل دون مشاكل وكنا نعمل كثيرا ونتنافس واحيانا نتشاجر  كان فؤاد هو ضابط ايقاع حياتنا داخل المكان الحميم الذي اسمه صوت العاصفة ،كات القيادات الفلسطينية وفي مقدمتها ابو عمار وابو جهاد وابو اياد وابو الهول، وكل من يحتل موقعا قياديا في الثورة يعتبر زيارة الاذاعة والاجتماع بكادرها واجبا يكاد يكون الزاميا ومن المرات النادرة التي كان ياسر عرفات يشعر بحتمية ملازمة المستشفى لعارض صحي يلم به، كان يفعل ذلك في القاهرة يغادر الى المستشفى من الاذاعة ويعود من المستشفى الى الاذاعة.

أول مقابلة ... على القمة  وجائزتها قلم بثلاثين قرشا

استدعاني فؤاد وقال لي بصوت خفيض كما لو انه يودعني سرا

لقد اتفقت مع القائد العام – نادرا ما كنا نستخدم مفردة الرئيس في وصف عرفات – على ان نجري معه حديثا اذاعيا طويلا ، وسأمنحك اول فرصة هامة في حياتك الاذاعية فانت من سيجري الحوار وسيكون ذلك غدا، الحديث سيكون مسجلا ولكن عليك ان تجري الحديث كما لو انه يذاع على الهواء مباشرة

هوى قلبي من هول المفاجأة، لم يكن قد مضى على وجودي في الاذاعة اكثر من عدة شهور لم اكن قد نضجت سياسيا ومهنيا الى درجة محاورة ياسر عرفات ولم اكن اعلم او اتوقع انني بعد سنوات ساكون واحدا من طاقمه الخاص الذي يعمل معه ويسافر معه واحيانا يختلف معه.

انها المرة الاولى التي أُجري فيها مقابلة اذاعية، والمصيبة انها ستكون مع القائد العام... لماذا مصيبة انها فرصة ثم ان الامر ليس صعبا كما تتخيل، قال فؤاد وراح يشرح لي شروط المقابلة الاذاعية الناجحة

اولا.. لا تخف من القائد العام انه وان كانت له هالة مميزة الا انه بسيط للغاية هيئ نفسك لحوار مع انسان عادي الا انه في موقع غير عادي، من الان وحتى ظهر الغد حضر نفسك جيدا، سوف اعطيك المحاور التي تتناولها معه وانت قم باستخلاص الاسئلة وصياغتها وعند العاشرة صباحا سنلتقي لنناقش الامر

لحظت استغرابا في عيون زملائي الذين رأوا انني غير جدير بامتياز كهذا، ان الذي يجب ان يحاور القائد العام هو مدير الاذاعة او نائبه او كبير المذيعين، وكان عندنا كبير مذيعين شديد التميز ومكتمل الكفاءة المهنية هو رسمي ابو علي.

كانت ساعات شاقة تلك التي امضيتها وانا اعد اطار واسئلة المقابلة تخيلت نفسي وقد اصبت بحالة من الحمى الا انني نمت ليلتها نوما عميقا.

اعجب فؤاد بالاطار الذي وضعته والاسئلة التي استخلصتها من محاور الحديث المفترض، وحين وصل القائد العام للاذاعة قدمني له فؤاد بصورة فيها تزكية لي وتشجيع لي امام نفسي .. وضع القائد العام يده فوق رأسي وقال مازحا خف علي في الاسئلة انا لسه مريض، كانت مزحة الرئيس مفتاحا سحريا لمقابلة ناجحة اديتها دون ارتجاف او ارتباك..

بعد انتهاء المقابلة تناول القائد العام قلما يكتب بالوان متعددة وقدمه لي هدية ظننت ان القلم نادر وباهظ الثمن وحين سألت صاحب مكتبة في ميدان التحرير ان كان عنده قلم مثله وكم ثمنه قال لي انه صناعة صينية وثمنه ثلاثون قرشا.

الجو العائلي مرة اخرى

عودة الى الجو العائلي وتاثيره المباشر في اداء العمل الاذاعي بصورة جيدة

كان فؤاد الذي يكبرنا بما يقارب العشرين سنة، يشدد في توجيهاته لنا، على حتمية ان يكون المذيع مرتاحا كي يشعر المستمع بالارتياح، ان المذيع المجهد او الذي يعاني من مشاكل حياتية وعدم استقرار لا يستطيع تحييد صوته واداءه عما يشعر به، اذا ما دخل استوديو التسجيل وهو في هذه الحالة او دخل الى ستوديو الهواء لتلاوة نشرة اخبارية او تعليق، وكان يستخدم عبارة صارت محفوظة لنا عن ظهر قلب " ان لم تستطع الدخول الى الاستوديو دون ان يكون لديك مشاكل في الاصل فعلى الاقل حاول وضع المشاكل خارج الاستوديو وانساها ولو مؤقتا"

الا ان مشاكلنا كانت قليلة وكلها من النوع الذي يمكن تجاوزه او نسيانه، كان يساعدنا على اقتناص السعادة والهناء، اننا جميعا اصدقاء، ومتقاربون في الوعي، والمستوى المعيشي، ويجمعنا حلم واحد  وانتماء واحد، كنا دائمي التزاور والتفاعل في معظم شؤون حياتنا تزوج كثيرون اثناء العمل وكنا نشكل من انفسنا وعائلاتنا حاشية للعريس كي نقوي حضوره بين انسباءه الذين هم غالبا من المصريين.

ما ان يمرض احدنا حتى نقوم جميعا بالواجب، لم تكن المسافات التي تفصل بيين الاحياء التي نسكنها في العاصمة الكبرى، لتحول دون الزيارة المواظبة والتناوب على الوقوف الى جانب سرير المريض، حين اضطررت لاجراء جراحة لاستئصال اللوزتين في احد مستشفيات مصر الجديدة وكنت قد انجبت ابني البكر طارق، فان الذي اخذني الى المستشفى كان فؤاد والذي اخرجني خالد مسمار والى ان تعافيت لم اشعر ولو للحظة واحدة انني بعيد عن الجو العائلي او ان احدا من زملائي في الاذاعة تأخر عن زيارتي والسؤال عني.

هذا الجو ضروري في الحياة واكثر ضرورة في الغربة، الا انه شرط حتمي للنجاح حين يتعلق الامر بالعمل في الاذاعة وتحديدا في صوت العاصفة.

فترة استثنائية

علمنا عبر برقية عاجلة من برقيات وكالة انباء الشرق الاوسط، التي تقع في الطابق الثاني من مبنى الشريفين ان السيد وصفي التل رئيس وزراء الاردن ووزير الدفاع قد اغتيل ظهر اليوم في ردهة فندق شيراتون الجيزة في القاهرة، بدأت الاخبار تتواتر علينا تباعا ووجدنا انفسنا في حالة استنفار وحين يقع حدث كهذا فان الكادر القيادي الرئيسي الموجود في القاهرة يفضل الحضور الى الاذاعة حيث الاخبار من منابعها الاصلية والتوجيهات المباشرة والفورية من القيادة، لتحديد الموقف والمعالجة كان واضحا لنا ان شبهة تقديم الاجهزة المصرية تسهيلات مهمة لتنفيذ عملية الاغتيال فكرة منطقية فمن يستطيع دخول فندق يقيم فيه جميع وزراء الخارجية والدفاع العرب، ومن يتجاهل حتمية الاجراءات الاستثنائية والصارمة التي ينبغي ان تتخذ لحماية اكثر رجل في العالم اشكالية انذاك وهو وصفي التل الذي حمَّله الفلسطينيون وحلفاؤهم مسؤولية مباشرة عن كل ما حدث في ايلول 1970 في الاردن.

كانت التعليمات تقضي باظهار الحياد في صياغة الخبر دون اظهار اي قدر من الابتهاج او الشماتة او اية اشارة توحي بتبني العملية او تأييدها او تبريرها، الا ان هذا لم يكن هو المثير في الامر، لان المثير حقا هو ذلك الذي حدث بعد اشهر قليلة حين قدم منفذو العلمية الى المحكمة وكان هنالك قرارا مصريا لجعل المحاكمة بمثابة عمل سياسي وتعبوي من الدرجة الاولى. انها محاكمة لأيلول..

فتحت مصر كل الابواب لجيش من المحامين العرب الذين قدموا من كل حدب وصوب ليس  من اجل تبرئة المنفذين وانما من اجل ادانة وصفي التل والنظام في الاردن على احداث ايلول.

كانت الاذاعة قد اعدت برنامجا مميزا لتغطية الحدث الكبير " المحاكمة" لقد اجرت ساعات طويلة من التسجيلات الموجهة مع جميع المحامين الذين سيترافعون، وقررت الاذاعة في اجتماع الخطة تسجيل وقائع المحكمة واذاعتها اي ان وقتا طويلا ستستهلكه الاذاعة في هذا الامر بالذات.

كان ابرز المحامين واشدهم لفتا للنظر هو السيد احمد الشقيري الرئيس الاسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان المغفور له "ابو مازن" احد اهم خطباء العربية ان لم يكن اهمهم ثمة ملامح مشتركة بين طريقته في القاء الخطاب وطريقة احمد سعيد في قراءة التعليق، كنا نسجل المرافعات وننقلها ونذيعها على حلقات في تلك الاثناء ارتفعت نسبة متابعي صوت العاصفة الى عشرات اضعاف النسبة العادية وتأكد لنا وللمرة المائة ربما ان الايام العادية والاحداث العادية الخصم الفعال لاذاعتنا بينما الاحداث الصاخبة هي التي توفر للاذاعة ازدهارا واسعا فتقفز من ذيل قائمة الاذاعات المؤثرة الى رأسها.

اخفاق

لم تكن اذاعة صوت العاصفة مجرد لوحة مجد ونجاح باهر، بل كان لها اخفاقات مدوية خصوصا في امر المعالجات المتسرعة لبعض القضايا واحيانا المبالغة فيها وعدم منطقية بعض الاخبار التي لا يقبلها العقل خصوصا حين نصف المعارك ونغالي في ارقام خسائر العدو، كان من أخطائنا التي تأخرنا كثيرا وطويلا حتى تفاديناها حين كنا ننسب ضحايا حوادث الطرق في اسرائيل لعمليات ثوارنا وكما نستخدم لازمة مملة تقول والجدير بالذكر ان العدو دأب على اخفاء خسائره بتحميلها الى حوادث الطرق، كان تبريرنا لهذا النوع من الخطأ الفادح ان الأخبار تأتينا من المركز اذا فهو الملام، وكان تفسيرنا لخطأ المركز يقوم على اساس الحرص على تقوية معنويات الجمهور دون ان ننتبه الى ان حصيلة خطأ متراكم كهذا هي إضعاف مصداقية الإذاعة ما يضعف ثقة الجمهور بها وبالثورة اجمالا.

وخطأ اخر وقعنا فيه وقد تم تداركه بعد وقت قصير وهو  اتهام العمال الذين يعملون في اسرائيل بالعمالة ومطالبتهم بالتوقف عن العمل وذلك عبر نداءات مباشرة بهذا المعنى، لقد توقفنا عن معالجة هذه المسألة الشائكة بعد ان جائتنا نداءات صريحة ملخصها قبل ان تمنعوا العمال من العمل في اسرائيل وفروا لهم عملا او دخلا لا يميتهم من الجوع .

وكذلك الامر مع الشرطة وقطاعات اخرى من الموظفين إلاّ ان عجلة الاحداث التي تدور بلا هوادة طوت هذه الامور ولم تعد بحد ذاتها قضايا مفصلية للثورة واذاعتها .

فؤاد ياسين وتعليم القيادة

لو اسميت هذه المخطوطة، فؤاد ياسين لما اوفيت الرجل حقه، لم يكن مجرد مؤسس لاذاعة ثورية، كما لم يكن بالتأكيد يؤدي وظيفة على النمط التقليدي، كان مجددا ومبدعا،ـ وكان قائدا بكل ما للكلمة من معنى ايجابي، كان يوجهنا وكنا نصغي اليه، من خلال وعينا لتاريخه في الحقل الاذاعي وتفوقه المهني علينا جميعا، فقد عمل سنوات طويلة في اذاعة دمشق، وسنوات اخرى في صوت العرب، وحين كلف بتأسيس صوت العاصفة، وضع كل الدروس التي تعلمها في الاذاعتين الكبيرتين في مفاعل ابداع وتجديد واضافة، كان اكبرنا سنا ويكتب التعليق الاساسي للاذاعة، وكان بعنوان " كلمة الجماهير الثورية" يحفظ الشعر ويجيد اللغة العربية والانجليزية وعلى نحو معقول " العبرية " التي تعلمها وهو في الخمسينيات من عمره، كنا نتسابق على قراءة المادة التي يكتبها .. فهو صاحب الكلمات السلسة المنتقاة، والجمل القصيرة الواضحة والجذابة، كنا نقرأ تعليقه وهو مكتوب بخط اليد، الفاصلة في مكانها والنقطة، وبداية السطر وكل ذلك كان يوصل الفكرة بلا عناء.

في الاجتماع الفصلي الذي ينعقد كل ثلاثة اشهر، ويتم فيه وضع خطط الدورة الاذاعية الجديدة، بحيث يتم تثبيت البرامج الناجحة واستبعاد التي لم تنجح واستبدالها ببرامج جديدة، قرر فؤاد الاقدام على تجربة غير مسبوقة، وهي ان يتولى ادارة الاذاعة ليوم واحد احد الكوادر من المذيعين او المحررين واعلمنا ان خطته هي التالية:

حين يعقد الاجتماع اليومي الذي لم تنقطع عنه الاذاعة الا حين الغيت، يكون رئيس الاجتماع هو الرجل المناوب وليس المدير، ويكون قد استمع قبل يوم الى البرنامج من الفه الى يائه، ليضع ملاحظاته عليه وليعد مقترحات المعالجة ليوم مناوبته، وبذلك يصبح المناوب هو المدير الفعلي للاذاعة وصاحب القرار النهائي في برنامجها، فهو من  يوزع المواد على الكتاب والمذيعين، يراجع الاخبار والبرامج والتعليقات وله حق الشطب والاضافة ياتي الى الدوام عند التاسعة صباحا ويغادر عند التاسعة مساءً، اما مدير الاذاعة فكان له يوم كالاخرين ولم يكن يتدخل الا في الشؤون الادارية.

سألت فؤاد ياسين، ما الذي يجعلك تفكر بهذه الطريقة .

قال: الحاجة

قلت وما حاجتك لنظام كهذا ؟

قال حاجتنا وليس حاجتي، ان هذه الاذاعة يجب ان تتحول الى مدرسة لتخرج القادة الاذاعيين فلدينا اكثر من اذاعة في اليمن والجزائر وبغداد وربما بهذه التجربة ارسل اي واحد منكم الى اي اذاعة لنا واكون مطمنئا لسير العمل، وضع فؤاد خطته موضع التنفيذ وبذلك يكون قد اسس لجيل مهني من القادة الاذاعيين الذين تسلموا مصير جميع اذاعات الثورة حيثما وجدت.

اذاعة الازمة

قبل ايلول 1970، لا اعاد الله مثله علينا وعلى اشقائنا في بلاد العرب، كانت تجري مناوشات شبه يومية بين الفدائيين والقوات الاردنية، وكان بعضها يتطور ويتسع ليشكل مقدمة لمعارك واسعة النطاق في العاصمة الاردنية عمان، واحيانا مدن اخرى، وحين تتمادى الاشتباكات ويتورط المستوى السياسي في ازمة علنية، تتحول لإذاعة من ناطق باسم الثورة الى ناطق باسم الازمة، كانت الاذاعة بمثابة جيش الهجوم المرعب، الذي تخشاه الانظمة، نظرا لقوة تأثيره في الجمهور وكلما كانت الازمة تجد سبيلها الى الحل  كانت تهدئة الاذاعة هي البند رقم واحد، في اي بيان مشترك او اعلان عن اتفاق، في تلك الازمات التي تواترت ما قبل ايلول لم اكن اكثر من مستمع مواظب للاذاعة اتفاعل مع كثيرين غيري معها واستقي منها اخبار الازمة وتطوراتها وقد عرفت فيما بعد ان خطا ساخنا كان ممتدا بانتظام وتواصل بين مركز القيادة في عمان وادارة الاذاعة في القاهرة، كانت الاخبار ترد لحظة بلحظة وكانت الازمة بمثابة تجديد لشعبية الاذاعة وسيطرتها شبه المطلقة على الاثير  حيثما يصل ارسالها هذا النوع من الازمات افضى اخيرا الى المعركة الكبرى التي دونت في التاريخ بعنوان ايلول الاسود 1970، في تلك الاثناء كانت اذاعة العاصفة من القاهرة قد اغلقت وتمت الاستعاضة عنها باذاعة بدائية تغطي بالكاد بعض مناطق عمان حملت اسم "زمزم"، كانت بعيدة كل البعد عن مستوى اذاعة العاصفة، من القاهرة، الا انها كانت توفر مصداقيتها من حرارة المعارك، وبطولة المذيعين المواظبين على اداء عملهم تحت القصف دون ان يظهر اي قدر من الرعب او الهلع  على اصواتهم، كان المواطنون يسمعون الى جانب صوت المذيع ربحي عوض وخالد مسمار اصوات القذائف وهي تنهمر على الموقع او في محيطه، وكان المحيط جبل الاشرفية في عمان وبعد ان بدا واضحا سيطرة النظام على العاصمة، وبدأ اخلاء الفدائيين عن مواقعهم في عمان، اخليت الاذاعة الصغيرة لتهاجر الى درعا اقرب مدينة سورية على تماس مع الحدود الاردنية، كان صوت العاصفة من درعا بمثابة الشهقة الاخيرة التي صدرت عن تجربة الثورة في الاردن، كان لديها بعض امل في ان يستعيد الفدائيون نفوذهم على الفردوس الجغرافي الذي طردوا منه، الا انها هي بالذات اقتلعت من جذورها والذي فعل ذلك هو اليات الجيش العربي السوري حيث لم تستطع الدولة الحليفة تحمل صوت العاصفة ينطلق من ارضها وهي بصدد مصالحة مع النظام الاردني بعد ان قاطعته وخاصمته لردح من الزمن.


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/21/650255.html#ixzz3PwkImE40
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

دنيا الوطن تنشر حصريا كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة السادسة:أزمة مع جمال عبدالناصر

تاريخ النشر : 2015-01-24
رام الله -خاص دنيا الوطن
خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة السادسة ننشر تجربة عمرو بعنوان "أزمة أخرى" .

أزمة أخرى

كان جمال عبد الناصر اشبه بطائر الفينيق، حمل على اجنحته القوية والكبيرة الثورة الفلسطينية الوليدة، ووصفها بانبل ظاهرة عرفتها الامة العربية في العصر الحديث، وانها وجدت لتبقى.

كان عطف ودعم عبد الناصر بمثابة كلمة السر التي فتحت اهم الابواب امام الثورة الوليدة، حتى ان عبد الناصر ذاته حمل ياسر عرفات في طائرته الى موسكو وقدمه للقادة السوفيات كممثل للشعب الفلسطيني الذي اسس ثورة وطنية تحررية وآن الاوان للدولة العظمى، ان تمنح هذه الثورة الواعدة اعترافها ورعايتها ودعمها. الا ان التطورات السياسية اضطرته لقبول مشروع روجرز الذي ينطوي على تنازلات تبدو جسيمة حين يقدم عليها جمال عبد الناصر، صاحب شعار ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير بالقوة والاهم من ذلك فهو معبود الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، وهو املها الحي، بتجسيد هذا الشعار البليغ، كان قبول عبد الناصر للمشروع الامريكي، بمثابة حركة اضطرارية يكسب فيها الوقت لاستكمال حائط الصواريخ السوفياتية الذي شرع في بنائه على طول الجبهة الجنوبية، والذي من دونه لن يستطيع القيام بحرب استنزاف فعالة تمهد لحرب اكتوبر التي نفذها خلفه السادات بعد سنوات من رحيل الزعيم الكبير .

كانت الثورة الفلسطينية قد جذرت نفوذها ووجودها في العاصمة الاردنية عمان وقد أتاح لها هذا الوضع تنظيم اكبر مظاهرة شعبية اردنية فلسطينية اعتراضا على قبول عبد الناصر لمشروع روجرز وقد رفعت لاول مرة ربما في العالم العربي شعارات تتهم عبد الناصر بالخيانة والاستسلام وقيل ان احد التنظيمات الفلسطينية ثبت صورة عبد الناصر على ظهر حمار وسار به في شوارع العاصمة عمان.

صدم عبد الناصر من المشهد المأساوي والمهين وامتلأ صدره بمرارات موجعة لما اعتبره خذلانا له من شعب لم يقصر في دعمه منذ حرب 1948، فامر باغلاق صوت العاصفة، وبصعوبة بالغة كما قال صديقه الاقرب محمد حسنين هيكل قبل استقبال عرفات في الاسكندرية وقال قولته الشهيرة لو كنت فلسطينيا لرفضت مشروع روجرز ولكن ليس بهذه الطريقة!

اعتذر عرفات عما بدر من بعض التشكيلات التي تجاوزت الحدود، وبعد فترة وجيزة اندلعت حرب ايلول وفي ايامها الاخيرة توفي عبد الناصر.

الا ان خليفته السادات قرر اعادة فتح صوت العاصفة وايامها التحقت بالعمل فيها.


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/24/651074.html#ixzz3Pwk6h2r5
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

حصريا على دنيا الوطن .. الحلقة السابعة : أزمة مع السادات

تاريخ النشر : 2015-01-25
رام الله - دنيا الوطن
خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة السابعة ننشر تجربة عمرو بعنوان "أزمة مع السادات" .



ازمة مع السادات.

كنت جالسا اتبادل حديثا مع المدير فؤاد ياسين، حوالسي الساعة الثانية عشرة ظهرا، دخلت الينا احدى الاخوات العاملات في قسم الاخبار، كانت تؤدي عملها بروح الموظف الذي لا يبالي الا بساعات الدوام، وقفت امام المدير وقالت:

استاذ فؤاد وصلنا من "ا.ش.ا" اي وكالة انباء الشرق الاوسط برقية احب ان تطلع عليها..

تناول ابو صخر البرقية، ، تغير لون وجهه، نهض واقفا وقال: يبدو ان الحرب قد بدأت.

وقرأ لي البرقية، كانت عبارة عن تصريح لناطق مصري عن بدء العمليات  وتصريح اخر لموشي دايان يقول، لقد تمكن المصريون من اختراق خط بارليف، الذي اصبحت تحصيناته اشبه بقطعة الجبن غرويير التي فيها من الثقوب اكثر مما فيها من الجبن.

دعا فؤاد الى اجتماع طارئ، قرر تغيير البرنامج اي الغاء ما تم اعداده في الظرف العادي، واعلنت حالة الطوارئ في الاذاعة وامر الجميع بعدم المغادرة.

كان لنا قوات تشارك  في الحرب، وقد قمنا بمجهود فعال طيلة ايامها، كنا نقدر انها ستحمل لنا الفرج او على الاقل ستفتح بابا لحل قضيتنا المستعصية، بعد ايام تبين انها مجرد حرب تحريك فذابت الامال في نفوسنا الا اننا ظللنا بحكم الموقف السياسي الرسمي ملتزمون بدعم المجهود السياسي المصري.

اضطر السادات كما اضطر عبد الناصر الى ابرام اتفاق سيناء، كان التوجه المركزي للسادات قد ظهر جليا بانه سيكتفي بما حقق على القشرة من انجاز عسكري وسيتجه الى المفاوضات والاتفاقات مع اسرائيل.

كان موقف الثورة الفلسطينية معترضا بشدة على اتفاقية سيناء، وهنا وجدنا انفسنا في الاذاعة في موقف حرج فان التزمنا موقف القيادة وعرضناه وروجنا له فستغلق الاذاعة حتما وان تجاهلناه فباسم من ينطق صوت العاصفة ؟

كان وزير اعلام السادات انذاك هو احمد كمال ابو المجد، وهو رجل مثقف وذو سمعة طيبة ولقد استدعى مسؤول الاذاعة انذاك وكان طيب عبد الرحيم، اما فؤاد الذي كسر قلمه بعد اول قرار لوقف اطلاق النار، قال ان الاجدر ان نسميها بحرب اكذوبر وغادر سفيرا الى بولندا.

اصطحبني الطيب معه لمقابة الوزير، كان لطيفا وحنونا للغاية وطلب منا ان لا نهاجم الموقف المصري من قلب القاهرة اذ لا داعي للاحراج والمشاكل كان ذلك بمثابة انذار مهذب الا انه اصبح قرارا شديد القسوة حين اذعنا قرارات القيادة المنددة باتفاقية سيناء وامرنا في اليوم التالي بعدم التوجه الى الاذاعة التي ختم بابها القديم والسميك والعالي بالشمع الاحمر
.



المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/25/651620.html#ixzz3PwjtsiLN
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

دنيا الوطن تنشر حصريا كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الثامنة: "بيروت"

تاريخ النشر : 2015-01-26
رام الله -خاص دنيا الوطن

خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الثامنة ننشر تجربة عمرو بعنوان "بيروت".

"بيروت"

حين صدر قرار اغلاق الاذاعة في القاهرة، كرد على اتفاقية سيناء .. قررت القيادة الفلسطينية تأسيس اذاعة ميدانية في بيروت، وقد كلف رجل فلسطيني بتجميع اذاعة.. نظرا لصعوبة الحصول على اذاعة متكاملة وشحنها وتركيبها واطلاق بثها من بيروت، الرجل كان ذكيا وطموحا ودؤوبا اسمه ابو خالد حمام، كان يعمل ضمن جهاز الشهيد ابو جهاد، ويقوم بتركيب اجهزة اتصال وامور اخرى لا نعرفها.

كان الطيب عبد الرحيم الذي هو المسؤول الاول عن الاذاعة التي اغلقت والاذاعة التي يجري تجميعها، قد غادر الى بيروت لمتابعة العمل هناك، اما انا وكنت نائبه فقد استقر الرأي على ان ابقى في القاهرة، لتزويد بيروت بما يلزم من الكوادر والمواد الاذاعية .

بدأت الاذاعة في بيروت بالعمل، لم تكن قدرتها الفنية كافية لتغطية ما نطمح، كانت تغطي بعض اجزاء من لبنان وبعض اجزاء من شمال فلسطين ونادرا ما تلتقط في سوريا، الا انها كانت اذاعة على اي حال، تضمن ايصال صوت الثورة الى قطاع محدود من البشر وكنا بحاجة ماسة حتى الى هذا، غادرت وجميع من كان قد تبقى من زملائي القاهرة  الى دمشق ثم الى بيروت وبدأنا العمل، بعد فترة تم تعيين طيب عبد الرحيم سفيرا في الصين، وتم تعييني مسؤولا عن الاذاعات الفلسطينية جميعا، وكانت انذاك تنتشر من اقصى الوطن العربي الى اقصاه من الجزائر غربا حيث تحمل اذاعتنا على جميع الموجات العاملة  في الاذاعة الجزائرية، وتغطي الى جانب المغرب العربي معظم أنحاء اوروبا وكثيراً من مناطق العالم الاخرى وقد وفرت لنا هذه الاذاعة ومدتها ساعة كاملة يوميا اتصالا منتظما مع الفلسطينيين وانصار الثورة من العرب اينما وجدوا. وفي القاهرة حيث البث يصل الى ساعتين ونصف يوميا ومن ضمنها ساعة على أقوى الموجات المصرية العاملة، وكانت تغطي بوضوح شديد منطقة الشرق الاوسط بكاملها ثم اذاعتنا في بغداد واذاعتان في صنعاء وعدن ذلك الى جانب اذاعات محلية في امريكا اللاتينية كانت تطلب دعما ببعض البرامج والاناشيد وكنا نلبي احتياجاتها، ما وضعنا على الاثير في جميع انحاء المعمورة .

كانت صورة بيروت قبل الحضور اليها مرعبة ومنفرة فهذه المدينة الجميلة التي كانت بمثابة الفترينة الحضارية الاولى للعالم العربي تنهشها النار، ويشوه وجهها الدمار ويوقف نموها الذي كان فلكيا ذلك الاقتتال الشرس الذي لم ينج منه احد او طائفة او فريق سياسي، كانت بيروت مكانا يتقاتل فيه وعليه الجميع مع الجميع فيما يشبه انتفاضة غرائز مكبوتة لعقود في نفوس الناس الذين يشكلون خليطا كثير التنوع في عناصره ومكوناته، لا دين ولا مذهب ولا عقيدة ولا استخبارات ولا ولا ولا، الا وكان له في بيروت ميليشيا قادرة على تهشيم الواجهة الزجاجية التي هي الاستقرار والحداثة وقادرة ايضا الى الحاق المدينة الجميلة والانيقة والمتحررة الى ذيل قوائم القرى او الخرب التي تعج بالتخلف وتسكن فيه ذلك هو السر الذي يفسر لماذا لم ينج احد من الاقتتال في بيروت ثم في لبنان كله، ثم لماذا لم يتوصل احد بعد الى الاجابة عن سؤال لماذا؟ كان الفرقاء جميعا يقتتلون بحماس وشراسة وهم جميعا يعلمون ان لا امل لهم في كسب الحرب وانهم في وقت ما سيجلسون إلى مائدة اقتسام العيش على بقايا الوطن، تلك البقايا التي نجت من السنة النار .

كان الوافدون الى بيروت يحملون معهم اجنداتهم المتعارضة، التي هربوا بها من قسوة الانظمة شديدة الشراسة تجاه من يخالفها كانت بيروت بمثابة المنطقة الحرة الجاهزة لاستقبال كل البضائع السياسية والعقائدية الممنوعة في البلدان الاخرى، والجاهزة كذلك للاتجار بها، لقاء ما يسمى بالكوميشن، غير ان هذا الكوميشن كان يغلف بشعارات مجيدة وبرامج توحي بان معلنيها هم من العقائديين الذين لا مانع لديهم من الموت دفاعا عن هذه البرامج. وكانوا احيانا يموتون رغم كل محاولات النأي بالنفس وتجنب الخطر المباشر

اما الفلسطينيون الذين كان الجميع يتسابق على جر رجلهم الى الحرب الاهلية التي نشبت اساسا بفعل وجودهم المسلح، وبفعل شعور من طائفة معينة، بان الفلسطينيين سوف يحسمون الامور بانضمامهم بكل قوتهم البشرية والتسليحية وحتى السياسية والاقتصادية الى جانب طائفة اخرى، وما يخل بالتوازن المختل اصلا بين مكونات الدولة والمجتمع. الفلسطينيون هؤلاء يتمترسون في لبنان بعد ان طردوا من فردوس الجغرافيا السورية والاردنية وصاروا تحت السيطرة الفعلية لاجهزة هاتين الدولتين، تلك الاجهزة  التي هي بكل المقاييس اقوى مما لدى الدولة اللبنانية الف مرة.

الفلسطينيون هؤلاء أخيراً راحوا يستكملون وبلا تردد او وجل المقومات الفعلية لدولة داخل الدولة. فها هي اتفاقية القاهرة التي رعاها جمال عبد الناصر وفرضها بقوة سحره ونفوذه توفر لهم وجودا حرا وبصورة مطلقة في جنوب لبنان وفي منطقة سميت رسميا " فتح لاند" وحين تتكرس دولة عسكرية صغيرة في الجنوب، فلن يكون امامها اي حاجز جدي كي لا تتصل بكل التجمعات الفلسطينية والحليفة في باقي لبنان وعلى وجه الخصوص في المفتاح السحري الذي اسمه بيروت.

كان فريق هام من اللبنانيين يرفض بالمطلق هذا الشكل المسلح من اشكال الوجود الفلسطيني الغريب وحين انطلق صوت فلسطين صوت الثورة الفلسطينية من قلب العاصمة بيروت تعمقت المخاوف واضيف دليل حاسم على ان استيلاء الفلسطينيين مباشرة عبر حلفائهم على الوطن اللبناني دخل طور الاكتمال.

دنيا الوطن تنشر حصريا كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة التاسعة :يوسف قزاز "أبو تميم"

تاريخ النشر : 2015-01-27
 
رام الله -خاص دنيا الوطن

خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة"ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة التاسعة ننشر تجربة عمرو بعنوان "يوسف قزاز".

يوسف قزاز "ابو تميم"
حين وصلت الى بيروت مع رفاقي من كادر الاذاعة في القاهرة وجدت امامي اذاعة مفتعلة يرافق صوت المذيع فيها صفير وتشويش يجعل من متابعة الاستماع لها عقوبة قاسية، والغريب في الامر انها كانت اذاعة مزاجية تأتي واضحة تماما في بعض المناطق و مشوشة بصورة جزئية في مناطق اخرى وغير مسموعة في معظم المناطق، الا انها اثبتت حضورا قويا في اوساط بيروت وصيدا، اما في الجنوب حيث القوات التي انشئت الاذاعة اساسا من اجل التواصل معهم وتعبئتهم معنويا فقد اكتشفنا ان معظمهم لا يعرف بان لنا اذاعة في بيروت، عرفت ذلك بمحض الصدفة وهذه حكاية.

تعطلت سيارتنا على مشارف مدينة صور، كنا في جولة جنوبية من تلك الجولات التي كنا نسميها جولات التعايش مع المقاتلين، ارسل لنا القائد الميداني  الرائد عبد المعطي السبعاوي سيارة لتقلنا الى حيث مقر قيادته في بلدة الخيام الحدودية، ونحن على ابواب الخيام بدأ بث اذاعتنا سألت السائق ان ينقل مؤشر الراديو اليها، افادني بانه لا يعرف اين هو موقع صوت فلسطين، وقال نحن لا نستمع اليها احيانا وفي الليل فقط نستمع الى الاذاعة القديمة التي تبث من القاهرة.

آنذاك قررنا تكليف فدائي الاثير ونجم الاذاعة الساطع يوسف القزاز بالتفرغ لمهمة جذب مقاتلي الثورة الفلسطينية الى الاذاعة والمواظبة على سماعها، واقترح ان يجري لقاءات ميدانية مع القوات وبصورة يومية ويعلن على اجهزة اللاسلكي موعد اذاعة اللقاءات وان يعمم على القطاعات جميعا الاستماع للبرنامج اليومي " مع المقاتلين " خلال اقل من شهر سرت الاذاعة في مواقع الفدائيين في الجنوب سريان النار في الهشيم، وكلما تأخرت الاذاعة عن زيارة موقع من مواقع الثورة كان يأتينا احتجاج ساخط على هذا الاهمال، وبذلك نجحت الاذاعة في الوصول الى من يحب ان تصل اليه، كان البطل الاساسي لهذه التجربة هو يوسف القزاز مخترع البرنامج ومنفذ الحوارات اليومية وصاحب العلاقات الحميمة مع كل مقاتلي الثورة  الفلسطينية وحلفائها من قوات الحركة الوطنية اللبنانية.

الحلقة العاشرة من "صوت العاصفة"..حصرياً على دنيا الوطن:حادي فلسطين والخميني وشريط الكاسيت التاريخي


تاريخ النشر : 2015-01-29
 
رام الله - دنيا الوطن

خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة"ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة العاشرة والأخيرة من الجزء الأول من الكتاب يتحدث عمرو عن الخميني والثورة الاسلامية بحلقة بعنوان "
حادي فلسطين والخميني وشريط الكاسيت التاريخي"


حادي فلسطين والخميني وشريط الكاسيت التاريخي



يوم الجمعة حيث الاسترخاء البدهي عند معظم العاملين في الاذاعة ولا اذكر التاريخ بالضبط، كنت جالسا في مكتبي اتابع التحضيرات لبرنامج الظهيرة  ،ذلك بعد ان فرغنا من اذاعة الفترة الصباحية، منذ تلك الفترة وانا استيقظ الساعة السادسة صباحا حتى لو نمت بعد منتصف الليل، كان استيقاظا الزاميا تعودت عليه، اذ لابد من اجازة نشرة الاخبار بعد مراجعتها خبرا خبرا واحيانا سطرا سطرا، كانت النشرة الاولى تذاع على الهواء مباشرة الساعة السابعة اما الثانية فعلى التاسعة الا ربعا.

اقتحم مكتبي رجل قدرت انه في الاربعينيات، ينتشر على رأسه قليل من شعر رمادي داكن، ويحمل تحت ابطه الة موسيقية عرفت فيما بعد انها اصعب الالات واجملها وهي البزق،  كانت الالة مغطاة بجراب جلدي اسود اما حاملها فكان مزهوا كما لو انه يضع عصا المارشالية تحت ابطه.

الاخ نبيل مسؤول الاذاعة، سأل.

نعم انا هو، واشرتُ عليه بالجلوس.

وبينما  يتخذ لنفسه مقعدا قال معاتبا، يارجل يوجد لفلسطين اذاعة في بيروت، ولا تتصل بملك العتابا والميجانا والشروقي،  ... ابو العلاء يوسف حسون.

كانت طريقته في الكلام توحي بفلسطيني شديد الاعتداد بنفسه وما ان استقامت جلسته على المقعد الجلدي الاسود حتى شرع في تخليص الته من جرابها، وبدا لي ان لا قوة على وجه الارض تستطيع منعه من العزف والغناء، ودون مقدمات راح يدوزن آلته العنيدة، ويسلك اوتاره وفي خلال دقائق صدح صوت الحسون بموال شروفي فاذا به يستولي علي دون مقاومة.

هذا كنز هبط من السماء، يوم جمعة صيفي شديد الحرارة  والرطوبة، كان أداءً متكاملا للعزف والنص والغناء من الوهلة الاولى اسرني ببلاغة النص، وسلاسة العزف وعذوبة الاداء، حيث اعطاء معاني الكلمات بلغة الصوت الواعي والذكي والمتموج، حسب مقتضيات ايصال المعنى ...

الله يا ابو العلاء الله، كم نحن بحاجة الى هذا النوع من الفن الشعبي الاصيل، اعتذر لك عن المدة الطويلة التي انقضت دون ان نتصل بك ونعمل معك

ضحك ابو علاء من قلبه وقال الجايات اكثر من الرايحات، قلت:- انني ساعرض عليك مشروعا كبيرا ومهما وربما يكون تجديدا، نحن بحاجة اليه في مجال الغناء الوطني السياسي والتعبوي، وقبل ان اعرض عليك المشروع اود ان اعرف ماذا تعمل؟ هل هنالك وظيفة محددة غير الغناء؟

فاجأني بالجواب، كنت مهيئاً نفسي لسماع مهنة تتعلق بالاعراس والليالي.

انا مدير مدرسة في وكالة الغوث، ارفع الهاتف من فضلك واسأل عني اسماعيل شموط فهو ملك الرسم وانا ملك الغناء الشعبي.

وجدتها سانحة للاتصال بالرجل الذي احب واحترم واعجب به كرائد مميز للفن التشكيلي الفلسطيني

جاءني صوت اسماعيل الهادئ الذي يشبه في عذوبته وعمقه لوحاته المدهشة.

قلت :-عندي صديق لك طلب مني ان اسألك شهادتك فيه، ومع انني اصدق كل حرف قاله الا انني احب ان اسمع منك بعض الشيء عنه، انه ابو العلاء يوسف حسون.

ضحك اسماعيل واظهر ابتهاجا بالمفاجأة وقال هذا اهم شاعر شعبي في فلسطين وبلاد الشام وقد قمت بتسجيل اغنية مدهشة له بعنوان مرحب هلا. واضاف

احب ان تزورني في البيت وتستمع الى هذه الاغنية، هذا رجل عظيم والغريب انكم لم تتعرفوا عليه الى الان.

قلت :- نعم وهذا من نواقص الاذاعة الفلسطينية وابرز مجالات تخلفها وتقصيرها، لقد اعمى الاستغراق السياسي اذاعتنا عن اعطاء الاهتمام الضروري بالشأن الثقافي، كنا نقدم برنامجا واحدا لا يقترب من مستوى قوة الثقافة الفلسطينية وكنا نجري لقاءات مع فنانين ومثقفين الا ان الاستغراق السياسي المباشر والمبالغ فيه وضع الشأن الثقافي في المؤخرة.

اخي ابو العلاء ان كل ما يصدر عن هذه الاذاعة يتم في سياق الالتزام السياسي حتى اناشيد الثورة واخالك تعرفها وربما تحفظ بعضها كانت تصنع في مطبخ سياسي، لهذا نريد منك ان تتساوق مع هذا الوضع وان تؤلف وتغني في ذات السياق

ابدى يوسف حسون تفهما واعيا لما اقول، واحب اضافة امر لفت نظري للرجل وهو ثقته التي بدت زائدة بنفسه وقدراته، كان شيئا يشبه غرور المتنبي ينز من بين كلماته ولهجته الفلسطينية القحة انا الملك ومملكتي تبدأ من شعب في الجليل وحدودها افضل الشعر وافضل الالحان وافضل الغناء.

اذا دعنا نبدأ العمل من الان قلت.

قال وانا جاهز من امبارح واطلق ضحكة مجلجلة.

دعنا نبدأ باربع مقطوعات تتضمن الافكار التالية  وسردت عليه اهم المواضيع السياسية التي نعالجها في التعليقات والبرامج، وسألت متى تكون جاهزا

قال الجمعة التالية

شككت في قدرته على تأليف اربع قصائد في ستة ايام، وهو مدير المدرسة المستغرق في عمله،

يوم الجمعة التالية وعلى العاشرة صباحا وصل يوسف حسون متأبطا البزق ومعه احد مساعديه وهو عازف عود كان المهندسان عبد الله ابو الجبين وهشام السعدي يتناوبان على التسجيل والبث، استدعيت عبد الله وطلبت منه تجهيز الاستوديو للتسجيل ورحت اتفحص النصوص

بهرتني القصائد الاربع لا تصنّع فيها ولا تعقيد، كانت بسيطة سلسة عميقة المعنى رصينة المبنى، سألت نفسي كيف سيكون الامر داخل الاستوديو فيوسف حسون ملك الشعر الشعبي والعتابا والميجانا عمل في كل مجال الا الاذاعة.

تم تسجيل الحلقات الاربع مدة كل واحدة منها عشر دقائق، كان صوت حسون يصلني من الباب المفتوح الذي يفصل الاستوديو عن غرفتي، كنت مع كل دقيقة ازداد اعجابا بعبقرية المغني الشعبي، لم اجد نفسي مضطرا لتعديل ولو حرف واحد، مع اننا وبعد سنوات طويلة من العمل الاذاعي كنا بحاجة الى من يعدل كتاباتنا وقراءتنا كل مرة .، كنت اقول في داخلي ماهذا الكنز الذي هبط علينا من السماء.

ابديت اعجابي الشديد بانجازه الفني المتميز وطلبت منه اعداد مقدمة وختام لبرنامجه الغنائي، لم يستغرق الامر اسبوعا، في اليوم التالي حضر الحسون ومعه المقدمة والنهاية.

برنامج كهذا ليس له مذيع لتقديمه، الا ذلك الفنان المدهش والمميز الذي يغني نشرة الاخبار ويشدو بالتعليق السياسي ويذوب ويذيبك معه رقة وعذوبة وهو يقرأ اي شيء من صباح الكلاشينكوف في عمان الى نداء الارض المحتلة من القاهرة، الى مقدمة اناشيد الثورة والوطن من غيره خالد مسمار الحاج خالد الصوت الذي يفيض شبابا وحبا وصدقا .

لم يكن صعبا عليّ اختيار من يقدم بوجود خالد مسمار الا ان الصعب دائما وابدا هو اختيار اسم البرنامج.

كنت قد تداولت والحاج خالد في عناوين جديدة ولم يستقر رأينا على عنوان بذاته الا ان الحسون ساعدنا في حسم الامر، حين عرض علينا المقدمة التي تبدأ بجملة .. غنى الحادي، وقبل ان يكمل قلت للحاج خالد هذا هو عنوان البرنامج بارك الله فيك يا يوسف حسون فلقد حسمت جدلا استغرقني وزميلي وصديق عمري ساعات طويلة من الزمن اذا فان اسم البرنامج "غنى الحادي".

صوت فلسطين ... صوت الثورة الفلسطينية

غنى الحادي وقال بيوت، بيوت غناها الحادي سدّو الدرب منين افوت، افوت واقدر بعنادي، يا هلا بك يا هلا

فوق التل تحت التل وبين الوادي والوادي

ان تسأل عنا تندل وتلقاني وتلقى ولادي

لحظت ان المقدمة بحاجة الى تعديل ان جملة غنى الحادي حين تتكرر بصوت المذيع قد تضعف الايقاع الا ان حسون وفر لنا مخرجا للمرة الثانية من خلال الختام الذي يقول فيه.

حياكم الله ومرحبا حي الرجال الغانمين يا حلالي يا مالي

يللي سمعتو للندا من صوتنا الحر الامين يا حلالي يا مالي.

وضعنا الختام في المقدمة ووضعنا المقدمة في الختام، وبصوت خالد مسمار والحسون وبالكلمات الرقيقة صار لدينا اجمل مقدمة لاجمل برنامج وكذلك اجمل ختام.



ظل الحسون يعمل دون توجيهات، كان يلتقط بحسه السياسي والفني وموهبته الغزيرة ما يستحق ان يؤلف من اجله قصيدة، كل ما كتب وغنى كان مثالا للالتزام السياسي وعبر قالب فني راق ومتقن الى ان وصل الذروة، برائعته التاريخية التي اذيعت عشية عودة الخميني الى طهران، تلك القصيدة التي حكا فيها بكل البلاغة الممكنة قصة الثورة الايرانية والامال المعلقة عليها وقصة التحالف بين ثورة الخميني وثورة فلسطين عنوانها "لله در الخميني"

بعد تسجيلها وكانت مشتقة من حوار جرى بين يوسف حسون ويوسف القزاز حتى انني لم اكن اعرف شيئا عن هذه القصيدة الا بعد ان استمعت اليها بناء على الحاح القزاز طلبت نسخ القصيدة المؤداة باتقان على شريط كاسيت وتوجهت بها الى مقر القائد العام احضرت السيدة ام ناصر مديرة مكتب الرئيس جهاز تسجيل وادرنا الشريط، اعجب عرفات بالقصيدة حتى انه طلب ابقاء جهاز التسجيل على طاولة مكتبه ليسمعها كل زواره وطلب الي استنساخ عشرات الاشرطة الا ان الشريط الاهم هو ذلك الذي اهداه الى الامام الخميني حين التقاه في قم، حيث كان قائد الثورة الفلسطينية هو الزائر الاول لقائد الثورة الايرانية



يوم حزين

انا علاء ابن يوسف حسون

نعم انا نبيل

البقية في حياتك عمي لقد توفي والدي

لم نكن قد سمعنا بمرض اصاب فناننا الكبير، حتى نهيء أنفسنا لاحتمال كهذا، ومع ايماني بقضاء الله وقدره الا انني سألت كيف حدث هذا؟

توفي على مكتبه في المدرسة كان يكتب وهوى رأسه على الطاولة واكتشف الامر زملاؤه من المدرسين.

صعقني النبأ لقد مات يوسف حسون ابن شعب هوى وذوى على نحو مفاجئ، سقطت واحدة من سنديانات فلسطين عميقة الجذور بالغة الخضرة صلبة السيقان والاغصان وارفة الظلال، مات الملك الذي كان شديد الاعتزاز بموهبته وبانتمائه وشخصه، سيفتقد الاثير جديدا يؤديه يوسف حسون بالغناء الجميل وببلاغة النص العبقري البسيط، بوسع الات التسجيل ان تديم الاغنية على موجات الاثير الى الابد الا ان الذي انقطع هو التجدد. وابداع المغني الذي مات

كان الحسون مؤرخا جميلا لاحداث الثورة في اهم المفاصل، وكان احد من ضبطوا ايقاع الرأي العام بالموسيقى والغناء.

ابلغت الرئيس عرفات بوفاة الحسون كان عرفات يستقبل كل يوم نبأ فقد عزيز عليه وعلينا، الا انه صدم بالنبأ وطلب مني القيام بكل ما يلزم لوداعه وداع مبدع ورائد كبير.

في ذكرى الاربعين اقمنا للحسون مهرجانا تأبينيا مميزا كان الجمهور من عشاقه الفلسطينيين والعرب ممن يرتدون الحطات والعقل ويلبسون القنابيز والاحزمة العريضة ويلتفون بالعباءات السوداء المطعمة ياقاتها بخيوط الذهب

كانت القيادة الفلسطينية وحليفتها اللبنانية تجلس في القاعة وكان تأبين ابو العلاء مختلفا فلا خطب ولا شعارات ولا حديث في السياسية بل قصائد شعبية اداها تلاميذه ومريدوه وزملاؤه من سادة الشعر الشعبي، من سوريا ولبنان وفلسطين ومصر، كان مهرجانا يليق بالملك وكان غيابه ايذانا بغياب شمس الثورة عن ربوع لبنان.


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/29/654317.html#ixzz3QObj8qVa
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook


الحلقة الحادية عشر من "صوت العاصفة"..على دنيا الوطن: اغاني العاشقين، الحكاية كلها "أحمد دحبور"


تاريخ النشر : 2015-01-31
 
رام الله -خاص دنيا الوطن
خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الحادية عشر والاولى من الجزء الثاني حيث تحدث عن أغاني الثورة الفلسطينية وشاعر الثورة أحمد دحبور تحت عنوان " اغاني العاشقين، الحكاية كلها. "بقلم: احمد دحبور

بدأت الحكاية في ربيع العام 1977، عندما قررت دائرة الثقافة والاعلام – فهكذا كان اسمها – ان تنتج في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، مسرحية للشاعر سميح القاسم بعنوان" المؤسسة الوطنية للجنون". كان مدير عام الدائرة آنذاك هو المرحوم عبد الله الحوراني- ابو منيف- وكان المكلف بإخراج المسرحية المخرج السوري الكبير الراحل فواز الساجر. ولقد لفت نظر فواز، ان المسرحية تشتمل على اغان مكتوبة بالعبرية أصلا، وهي لغة يجيدها سميح القاسم، وقد وضعها في تلك الصيغة لأنها تحاكي مأساة اليهود العراقيين الذين غُرر بهم وسيقوا الى اسرائيل بوصفها الجنة الوطنية  الموعودة، ومن هنا كانت مفارقة العنوان، فهذا المشروع الاستعماري ليس إلا " المؤسسة الوطنية للجنون" وكان طبيعيا ومنطقيا، ان يتجاوز المخرج العربي السوري لغة الاعداء التي لا يعرفها اصلا، فاستعان بي لايجاد كلمات عربية ذات ايقاع لتحل محل اللغة العبرية، وكان ما فعلته، هو ابتكار نصوص ذات حيثية محددة تتعلق بالتفاصيل الدرامية كما كتبها سميح، الا اغنية واحدة رأيت ان تكون مدخلا الى العمل، وهي ذات مناخ وطني عام، غير مقيد بتفاصيل المسرحية، تلك الاغنية كانت مأخوذة من ترديدة موقعة كانت امهاتنا في الجليل يرددنها على التوالي.

" والله لأزرعك بالدار       يا عود اللوز الاخضر"

وكان الايقاع – لمن يعرف الاصل- سريعا يكاد يحاكي الرقص، حتى اذا وضعت هذه المحاولة بين يدي حسين نازك، الموسيقي، الموسيقي الكبير المعروف، احدث تغييرا على الايقاع، فأبطأ به، ومنحه مسحة من الشجن، وحين تم عرض المسرحية علق لحن " اللوز الاخضر" في اذهان الجمهور كما وضعه حسين نازك حتى اصبح اغنية مستقلة.

لم اكن اتوقع ان يلاقي " اللوز الاخضر" ذلك الانتشار الشعبي الذي غلب على اسم المسرحية، ولا سيما ان الكلمات التي كتبتُها كانت مبنية على اساس اغنية متكاملة، هي هذه التي يعرفها جمهور فلسطيني وعربي على نطاق واسع، حتى ظهرت تساؤلات عما اذا كان ثمة مشروع غنائي وراء ذلك.

اذكر يومها ان المرحوم ابا منيف، قد استدعانا انا وحسين، وطلب منا ان نتوسع في مشروع فرقة موسيقية فلسطينية، آن لها ان توجد، فقد كانت هناك اغاني الثورة المعروفة، وهذه معظمها من كلمات الشاعرين الكبيرين الراحلين سعيد المزين وصلاح الدين الحسيني، واسمهما الشعبيان هما فتى الثورة ابو هشام وابو الصادق، اما الالحان فكانت في معظمها من وضع موسيقيين مصريين او فلسطينيين متأثرين بالثقافة الموسيقية المصرية، فلماذا لا نعمل على مشروع فلسطيني خالص؟

تحمس حسين نازك للفكرة وعلى الفور قال: نحن ننشد لفلسطين، كعشاق ذوي هوى، فهل نسمي ما ننتج " اغاني العاشقين"؟ واهتززنا طربا لفكرة حسين، ولم يلبث ابو علي ان أتبع فكرته بتطبقيات جمالية، عندما التقط بعض النصوص من شعراء الارض المحتلة، محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، واختار منها ما شكل نواة البوم مضيفا اليه " اللوز الاخضر" وفي تلك الفترة كانت دائرة الثقافة والاعلام تنتج عملها التلفزيوني الاول الذي اخرجه فيصل الياسري بعنوان " بأم عيني " والعنوان من كتاب المحامية اليهودية الشيوعية "فليتسيا لانغر" التي ضمنته وقائع من دفوعاتها عن الفدائيبين الفلسطينيين المعتقلين، ولما تم تكليف حسين نازك بوضع موسيقى المسلسل، فانه اخذ تلك الاغاني التي اعدها في تلك التجربة واعطى الالبوم عنوان المسلسل : "بأم عيني".

كان نجاح شريط بام عيني مدويا في الاوساط الفلسطينية، فالكلمات المنتقاة ذات شعبية والحان ابي علي وصلت الى وجدان الجمهور، حتى جاء يوم خاطبه فيه ابو منيف قائلاً: "اللي طلع الجمل على السطح لازم يتابع اموره، بدأت فأَكمل"، اذ لا يجوز ان يكون شريط " بأم عيني" بيضة ديك .. وهكذا اصبحت اغاني العاشقين حقيقة قائمة.

-2-

اخذ ابو علي حسين يختار بين تلامذته ومعجبيه من سيشكل نواة الفرقة، فتخفف اولا من كلمة " اغاني" مكتفيا بالعاشقين، لسبب محدد هو انه قرر اضافة مجموعة، تقدم الرقص الشعبي في مواكبة مجموعة الغناء، واهتدى الى المصمم الراقص البديع ميرز مارديني فكلفه بهذه المهمة، وميرز فنان سوري كردي، متدرب في المسرح العسكري السوري ذي السمعة الطيبة في مجال الرقص التعبيري، وقد نجح في تجميع راقصين مبدعين، وكانت بثينة منصور هي الاهم في هذه التشكيلة، اما على مستوى الغناء فكان ابو علي يختار من يضمه الى مشروعه هذا بدقة ومقاييس صعبة، حتى ان لم يكن في تلك المجموعة من لا يعزف على الة شرقية في اقل تقدير، العود والايقاع والقانون، مع منتخب يجيد العزف على الكمان.

واشهد لهذا الفريق الشاب، بالاذن الموسيقية التي كانت تناقش ابا علي في هذا المذهب الموسيقي او ذاك، لكنهم عند التنفيذ يكونوا اشبه بالجيش المنظم من حيث الانضباط والالتزام، وقد برز في طليعة هؤلاء من اطلقنا عليهم تحببا تعبير " الهبابشة" ذلك انهم ثلاثة اخوة وشقيقاتهم من اسرة هباش " خليل ،خالد، محمد، آمنة، وفاطمة. واذا كانت الشقيقتان ركيزتين في القسم "الكورالي"، فقد كان خليل عازف ايقاع، وخالد عازف قانون ومجوز، ومحمد الطفل المعجزة آنذاك يعزف على العود ويغني، ولديه قدرة ملحوظة على تقديم البرامج، ولم تلبث دائرة الثقافة ان أنتجت مسلسلها التلفزيوني الثاني، "عز الدين القسام"، وقد كتبت قصة العمل ومعظم السيناريو، ثم سافرت الى اليمن حيث اراد هيثم حقي مخرج العمل مزيدا من الاغاني للمسلسل، لاني ركزت في القصة على شخصية الشاعر نوح ابراهيم، رفيق درب القسام وقد استشهد بعد القسام بفترة. وقد تولى الشاعر المرحوم ابو الصادق، مهمة استكمال ما بدأته من اناشيد المسلسل على لسان نوح ابراهيم، ومن الطريف ان تداخل ما كتبناه انا وابو الصادق، بحيث لم نعد نفرق من صاحب هذه الكلمات من ذاك، حتى ان المرحوم احمد الجمل – وكان مدير عام الدائرة- قال ذات يوم: إن هذه الاغنية  من كلمات احمد دحبور، فلما سألناه عن سر هذا الاستنتاج، قال: ان في الاغنية قولا: ما عاد فينا نستنى، وهذا التعبير ماعاد فينا بتأثير اللهجة السورية وانت يا احمد كنت في سورية دائما فلا يقولها ابو الصادق ابن غزة!!

ان هذه المحادثة الطريفة تشير الى مدى الانصهار في جهد القائمين على العمل، ولكن المهم في الامر ان اغاني مسلسل القسام كما كانت اغاني مسلسل " بام عيني " هي من اداء العاشقين، ونتيجة للنجاح الكبير الذي حققته اغاني القسام، فقد افرد لها المرحوم ابو منيف البوما صوتيا خاصا، لا يزال الجمهور يتداوله حتى اليوم مع انه مكتوب في العام 1981،

وراحت الفرقة تزداد وتتكامل بكل من عناصر الغناء والرقص التعبيري الشعبي، اضيف الى هؤلاء احمد الناجي عازف العود البارع، وكذلك يعرب البرغوثي، وذات الصوت القوي المتميز بمساحاته المتعددة سهام دغمان. ولكن لا يجوز اغفال ان قائد هذه الكوكبة الغنائية هو " الجبل الذي يغني" حسين منذر وقد اطلقت عليه هذه الصفة في اول ما كتبت حول ميلاد فرقة العاشقين.

وبطبيعة الحال نجح حسين نازك، باضافة عناصر جديدة باستمرار، وان كان يعول كثيرا على ميرز مارديني، في اختيار عناصر الرقص التعبيري، حتى اتى ذات يوم شهد فيه مسرح عدن خمسة وعشرين فنانا  بين عازف ومغن وراقص يصعدون المسرح مرة واحدة، ولا يمكن المرور على تلك التجربة دون توقف عند الجندي المجهول الذي كان يدير هذه المجموعة باقتدار وخبرة، فضلا عن عزفه على الفلوت، ذلك هو محمد سعد ذياب ابو ايمن.

-3-

كان البوم العاشقين الاول، هو كما سبقت الاشارة اغاني مسلسل بام عيني، وظل نظام هذه الاغاني يقود التجربة باستمرار، فالاغاني التي كتب نصوصها الشاعر ابو الصادق صلاح الدين الحسيني ولحنها الموسيقي المقدسي حسين نازك، ظلت تعتمد على الاداء الجماعي اساسا، الا حين كانت الحاجة الفنية تقتضي ظهور "الصولو"، فكان حسين المنذر وهو ابو علي ايضا، بصوته الجبلي الجهير يصدح فيها ويعلو.

اما الالبوم الثاني، وقد وضع كلماته ايضا شاعرنا الكبير ابو الصادق، فهو ذو بناء درامي متميز، حيث اشتق ابو الصادق من فلكلورنا الشعبي شخصية " ظريف الطول" رامزا به الفلسطيني المجرب المناضل، الساعي الى حبيبته " دلعونا" وهي رمز في هذا العمل للقضية الفلسطينية، وقد احتاج في هذا البناء الدرامي الى استخدام الاغاني الشعبية المعروفة مثل دلعونا، وعلى ما قال المغنى والحوار بين الحادي والمستمع. وهو ما التقطه ابو علي حسين نازك بحذق ودراية من حيث الابتكار الموسيقي، وتضمين الجملة الغنائية المتوارثة، ولأن العمل ذو طبيعة درامية فقد اقتضى اضافة شخصية جديدة هي الفتى المنشد الذي ادى دوره باقتدار فاتن، محمد هباش، الذي كان لايزال في مقتبل العمر، اضافة الى سهى التي شكلت اضافية ندية الى العمل، واتسع دور الرقص التعبيري فابتكر ميرز مارديني رقصات مثيرة تستوحي الدبكة الفلسطينية، وتضيف اليها وقد تألقت بثينة منصور في هذا الرقص الذي كان يقتضي في الاحوال العادية قامة طويلة لكنها وان لم تكن لها تلك القامة نجحت في الاقناع واشعال حمية الجمهور.

ومن ينسى صيف 1982، يومها شن العدو الصهيوني هجومه الشهير على الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان، وكنت آنذاك في دمشق، اتابع الاخبار كأي عربي، مشدودا الى التفاصيل والوقائع التي كانت تصل الينا بوسائل مختلفة، وحينذاك بدأت اكتب الاغاني المواكبة للوقائع او بالاحرى وجدت نفسي اقوم بتأريخ العدوان غناءً، حتى ان اغنية " اشهد يا عالم علينا وع بيروت" كانت بمثابة تدوين لانتقال المعارك من الجنوب الى بيروت وصولا الى الذروة الدرامية الخاصة بخروج الفلسطينيين من لبنان، فوقوع مجزرة صبرا وشاتيلا ثم بروز المقاومة الفلسطينية اللبنانية في لبنان، وقد بلغت ذروتها في عملية مشهودة وقعت في صور وتحولت مجموعة النصوص التي أرّخت بها تلك المقاومة والصمود، الى البوم بعنوان " الكلام المباح" والطريف ان ورشة عفوية قد تشكلت في حينها فانا اكتب وابو علي نازك يلحن، وابو علي المنذر ومعه جملة العاشقين يغنون، وحين دعينا الى عدن في العام 1983، لنحتفل بذكرى الانطلاقة ظهرت على الملأ فرقة العاشقين لتردد بعدها الجماهير اغاني الكلام المباح، حتى ليمكن القول ان حفلة عدن – كما صرنا نسميها – كانت هي الانطلاقة لتوظيف الاصوات الفردية الى جانب الصوت الجمعي، وظهر الى جانب صوت ابو علي المنذر، صوتان فرديان هامان هما محمد هباش وسهى دغمان، واصبحت الفرقة في وضع حساس، فهي في مستوى لا يجوز التراجع عنه او البقاء عليه، واصبحت تتلقى الكثير من الدعوات في الوطن العربي ودول المعسكر الاشتراكي، بل امكن احياء حفلات في لندن وباريس، والى ذلك اصبح للفرقة رصيد من الاغاني بما يحيي عددا من الحفلات.

وكان ابو ايمن، محمد سعد ذياب، يغذيني بجمل موسيقية محفوظة من فلكلورنا الشعبي التي تضافرت مع الحان ابي علي نازك لتجعل من العاشقين ظاهرة تستحق الاهتمام الكبير، اذ لم نتوقف عند البوم "الكلام المباح" فقد كتبت نصوصا جديدة، اطلقنا على بعضها اسم مغناة عتابا، تيمنا بنص كتبته لتأريخ ظاهرة العتابا في الفلكلور، بالترابط مع الحدث الفلسطيني، وجمع ابو ايمن هذه الاغاني التي انجزناها متفرقة فاعطاها اسما خاصا " لو حتال" وكان يقصد مشهد الصمود الفلسطيني في الداخل، ووقائع تشكل الثورة الفلسطينية وتأثيرها في الوجدان العام.

ذلكم بعض ما تحفظه الذاكرة عن هذه الظاهرة التي ظلت مفتوحة باستمرارا على الاحداث والتجارب الفنية الجديدة ولا يزال الحبل على الجرار.


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2015/01/31/654990.html#ixzz3QOaXbiuH
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق