المسلمون في أوروبا و"منافع" أيلول الفرنسية؟
يعتبر الكاتب والإعلامي موسى برهومة أن على المسلمين في أوروبا التعامل بجدية وشجاعة وانفتاح مع تحديات مرحلة ما بعد اعتداءات باريس الأخيرة وما شهدته من إرهاب جهادوي باسم الإسلام. كما يدعوهم في مقاله التالي لموقع قنطرة إلى التماسك ككتلة تحافظ على مصالحها، وعلى تدينها، وإلى نقل صورة «مشرقة» لدينهم، الذي لم يعد الغرب والعالم يعرفه، لفرط ما غرقت ممارسات الناطقين باسمه في الدم والعنف وتهديد السلم الاجتماعي.
لا محاسنَ أو منافعَ من قتل الأبرياء والمدنيين والمسالمين. لكنّه في الحالة الفرنسية قد يبدو مختلفاً قليلاً، لا لجهة أن عاقلاً يؤيد إزهاق روح الحياة، ولكن لجهة تعاظم الإحساس بضرورة محاصرة أولئك الذين يرتكبون، باسم الدين، أبشعَ الجرائم، وأشدَ الموبقات، وأكثرَ الممارسات خسة ودناءة وخروجاً عن نواميس الرحمة.
وليس المقصود هنا بالمحاصرة ما تفعله الحكومات والمؤسسات العسكرية والتحالفات الدولية والإقليمية والجهود الاستخبارية فقط، بل المحاصرة الشعبية التي تحظى بها جماعات «السلفية الجهادية» وبعض تيارات الإسلام السياسي التي لا يجد المراقب أي افتراق بين خطابها وخطاب التشدد الذي يتحول أدوات قتل واختطاف وحزّ أعناق، وينهل منالمرجعية الأيديولوجية الفقهية الجهادية نفسها.
في بعض الاستطلاعات التي رصدت التأييد الشعبي العربي الذي يحظى بها تنظيم «داعش»، أفاد، 15 في المئة من المستجيبين أن «الإنجاز العسكري لتنظيم الدولة الإسلامية»، هو العامل الأهم في شعبيته ونفوذه بين مؤيديه، في حين أفاد 14 في المئة أن «إعلان التنظيم الخلافة الإسلامية» هو العامل الأهم، وفق استطلاع رأي أعده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالدوحة، وأعلن عنه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
سردية المظلومية
ولعل في «النجاح» الذي حققته الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا أخيراً، وأستراليا، ومن قبلهما إسبانيا وإنكلترا وبلجيكا وبلغاريا والسويد وألمانيا، ما «يشفي» غليل أولئك الذين ما انفكوا يلوذون بسردية المظلومية التي يتعرض لها المسلمون في تلك المجتمعات، مع أن هذا الأمر جزء ثانوي في المعضلة الأساسية التي عنوانها تحــويل «المظلومية» وحيثياتها إلى استراتيجية، لا لتحقيق المطالب التي ترفع الضيم عن تلك الكتلة البشرية المسلمة التي تقطن في «بلاد الكفر»، وإنما لتوسع رقعة «الجهاد» ليشمل تلك المناطق التي لا تحكم بشرع الله، أي «المجتمعات الجاهلية» بحسب سيد قطب الذي قرّر في كتابه «معالم في الطريق» أن «الناس عبيد الله وحده، لا حاكمية إلا لله، لا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد، وهذا هو الطريق».
ولا يستهجنّن المسلمون القاطنون في تلك «المجتمعات الجاهلية» إن تعاظمت القيود عليهم، واتسعت رقعه الكراهية لهم وللإسلام، وحوصروا، ونُبذوا، وأحرقت مساجدهم، وصارت لفظة «مسلم» صنواً للتوحش والهمجية والوباء، ما دام هؤلاء لم يقولوا بعد قولتهم الموحدة، ولم يتماسكوا ككتلة تحافظ على مصالحها، وعلى تدينها، وعلى صورة «مشرقة» لدينها الذي لم يعد الغرب والعالم يعرفه، لفرط ما غرقت ممارسات الناطقين باسمه في الدم والعنف وتهديد السلم الاجتماعي.
الجهاد الأصغر...بالسيف
لا يتحرك القتل باسم الدين في فراغ، ولا يتم توليد مفاعليه من دون حواضن شعبية وإسناد نفسي ومالي ولوجستي من المجتمعات المسلمة في الشرق والغرب التي لا تعلم، لانعدام وسائل التوجيه الدينية العقلانية الحكيمة، ولطغيان الآلام الشخصية والجماعية، بأن تلك التنظيمات السلفية الجهادية التي «تنتقم» لهم، ستنتقم منهم عمّا قريب. وليس من بلد في مأمن من آلة القتل الهمــــجية العشوائية العمياء، لا سيما مع بروز ما صار يطلق عليه «الجهاد الفردي» الذي يجعل الكثير من المتزمتين دينياً في كل أنحاء العالم قنابل برسم الانفجار.
«الجهاد» الذي يزعمه أنصار السيف هو، في الظروف الطبيعية ذات الشروط التي شرحتها وقيّدتها الشريعة، ليس سوى«الجهاد الأصغر».
أما «الجهاد الأكبر» فيعني الجهاد ضد النفس وتزكيتها، ومنعها من الانزلاق إلى أعمال الشر وتدمير الحياة وقتل الإنسان الذي استخلفه الله لإعمار الأرض وتشييد بنيانها بالخير والعدل.
أما وقد انقلبت المعايير الدينية والأخلاقية، وغاب العقل، وتسيّدت الدهماء، وتعطلت «استراتيجيات الحكمة»، فقد توافرت كل أدوات الحرائق الدينية. ولا بأس لدى الخارجين من كهوف الماضي لو اشتعل العالم. فما الدنيا إلا ممر زائل ومتاع الغرور. فثمة عالم سرمدي بانتظارهم. وما «استشهادهم» إلا جواز سفر لعبور ذلك العالم الذي حقنته السرديات الدينية بكل ما في خيالها من سحر وجاذبية، وجعلت باب الجهاد أوسع أبواب ذلك النعيم المقيم!
موسى برهومة
حقوق النشر: موسى برهومة 2015
موسى برهومة كاتب وأكاديمي أردني معروف ورئيس تحرير صحيفة "ذوات" الثقافية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق