ثمن إضافي لمفاوضات فاشلة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
بعد انتهاء نصف التسعة أشهر المقررة للانتهاء من المفاوضات التي تقرر إجراؤها بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كانت هيمنت عليها القضية الأمنية التي تختص بها إسرائيل، وليس حول ما كان مفروضاً أن تتم المفاوضات بشأنها، وهي القضايا الفلسطينية التي نزل الجانب الفلسطيني من أجل التوصّل إلى حلولٍ بشأنها، وكأن القضية انتقلت بالكامل إلى مجرّد قضايا أمنية إسرائيلية وحسب، وإسرائيل هي الآن، التي تطالب بالموافقة على الحلول التي تراها ضامنة لها ولدوام مستقبلها في المنطقة.
كانت منطقة الأغوار المحاذية للحدود الأردنيّة، قد شكّلت إحدى أبرز الخلافات بين الجانبين وكانت من غير المتوقع أن تكون سبباً مباشراً في إفشال المفاوضات برمّتها، حينما كانت بمثابة الشغل الشاغل للمفاوضين الإسرائيليين، وحصلت على اهتمامهم أثناء كل لقاء تفاوضي، وكأنّهم يقيناً يريدون إفشال العملية التفاوضية الجارية من خلال دوامهم على التعلل بها.
في فترة من توقف المفاوضات مثلما هو الحال دوماً، قامت الحكومة الإسرائيلية بالفرار من أمام الجولة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” وفي قفزة نوعيّة لاستباق مقترحاته الخاصةً في هذا الشأن، واللجوء إلى الإمكانية الأسوأ. حين قامت لجنتها الوزارية للشؤون التشريعية بالمصادقة على قانون يقضي بضم منطقة الأغوار إلى إسرائيل، بعد أن تقدمت به عضو الكنيست “ميري ريغيف” عن حزب الليكود الذي يتزعمه “نتانياهو” نفسه. والذي يعني سيطرة الاحتلال على منطقة الأغوار وتطبيق القانون الصهيوني عليها، ضمن خطوة لمنع تقديم تنازلات في الأراضي التي تخضع لها. وبالتالي حرمان الفلسطينيين ممّا يقارب 30% من أراضي الضفة الغربية، بالإضافة وهذا – مهم- حرمانهم من حدودهم الطبيعية ومنافذها مع المملكة الأردنيّة. بعد أن كانت إسرائيل تطالب فقط، بالتواجد في المنطقة لعدة سنوات من خلال اتفاقية خاصة وإجراءات أمنية معيّنة، أو من خلال استئجارها لعقود طويلة، مثلما الحال مع منطقة الأغوار التابعة للمملكة الأردنية.
قيام الحكومة الإسرائيلية بلجوئها إلى هذا الخيار، جاء بعد أن رفض الفلسطينيون الدخول إلى غرفة المحادثات مرةً أخرى، إذا لم تتخلَ إسرائيل عن المطالبة بالسيطرة على منطقة الغور، وإذا لم تنفذ شروط أخرى بشأن استحقاقات سلام فائتة، وفي ضوء التأكيدات الإسرائيلية وخاصةً الوزارية بأن الرئيس الفلسطيني لن يوافق على مقترحات “كيري” الآتية في الطريق- كإطار سلام- ولم يُكشف النقاب عن فحواها بعد.
الآن، وبغض النظر عن الموقف الفلسطيني إزاء هذا القرار، سيكون “كيري” في وضعٍ أكثر حرجاً وسيهبط رصيده من ثقته العالية بنفسه إلى الدرجة الدنيا، حيث لا أحد تقريباً يمكنه شرح أن يقوم بجلب مقترحات واتفاق إطار، ثم يُفاجئه الإسرائيليون بضم كامل المنطقة والسلام.
ربما لا يجد “كيري” بعد هذا المنقلب، سوى التعبير عن رفض بلاده القاطع أو الجزئي على الأقل، بسبب أنه سيعمل على عرقلة جهود السلام، وربما يجد من الضرورة المسارعة إلى إدخاله بعض التعديلات على اتفاقية الإطار خاصّته، في الجو وحتى في أثناء سقوطه على أرض المطار، كأن ينصح الفلسطينيين بالتنازل عنها وأن هناك وسائل مختلفة للتواصل مع المملكة الأردنية ومنها الطرق الجوية كما هو المقترح الذي من المحتمل أن يتم بشأن التواصل فيما بين الضفة الغربية والقطاع في الغرب، أو أن يقوم الفلسطينيون باستئجار بعضاً من أجزاء المنطقة لأجلٍ مسمّى لدواعٍ إنسانية.
كان وجد الفرصة ولكن بثمن هذه المرّة، كبير المفاوضين الفلسطينيين د. “صائب عريقات” عقب الإعلان عن قرار الضم الإسرائيلي، لإعلانه صراحةً، بأن المفاوضات مع الإسرائيليين الآن فشلت، وبأن ليس هناك حاجة لـ 9 أشهر. جاء ذلك بعد أن بُحّت أصوات السواد الأعظم من الفلسطينيين – فصائل وحركات وأصوات سياسية وشعبية- بعدم العودة إلى المفاوضات الماشرة، بسبب أنها لن تفضِ إلى شيء. ومن باب العزاء أيضاً، ألقى على إسرائيل مسؤولية فشل جهود السلام ومساعي “كيري” من بدايتها وإلى الآن. ومن ناحيةٍ أخرى أشار على القيادة الفلسطينية بالتوجه للانضمام للمؤسسات الدولية في الحال.
كان واضحاً منذ البداية بأن إسرائيل وبرغم الانتقادات الدولية والملاحظات الغربيّة والأمريكية، لم تكن جادّة في السلام، وأنها ليست مهتمة في التوصل إلى حل الدولتين، ولا الدولة الواحدة ولا نصف الدولة، وقد أظهرت آلاف العلامات الدالّة على أنها دائبة فقط في السعي إلى تدمير جهود السلام، سواء كانت تلك المساعي عن طريق ممارساتها اليومية ضد السكان الفلسطينيين من ملاحقة وقتل واعتقال، والقيام بالاستيلاء على ممتلكاتهم ومقدّساتهم، أو بطريق مواصلة النشاطات الاستيطانيّة، أو بطريق اللجوء إلى عملية ضم الأراضي إلى بقية الأراضي التي تحتلّها وتسيطر عليها، وهي أقصى ما لديها من مساعٍ لمسح كلمة السلام من قواميسها نهائياً.
سنرى بأمّ أعيننا ما هو فاعل ” كيري” عندما يأتي إلى المنطقة، ربما خلال المنخفض القادم، إذا لم يكن هناك تأجيل لسببٍ أو لآخر، وسنرى كيف سيشرح لنا الأمور؟ وكيف سيُفسر ذلك التطوّر الإسرائيلي على الملأ، وليس فقط في أذن الرئيس “أبومازن”؟ وكيف سيستطيع تجاوز القرار الإسرائيلي؟ وفيما إذا كانت ستقبل إسرائيل بمقترحاته أولاً، أو تُبادر إلى سلخ نفسها عن الطاولة، قبل أن يبادر الفلسطينيون بالفعل إلى استخدام أقدامهم في دفع تلك الطاولة.
ربما هروبها المحتمل لا نتمنّاه قبل أن يفعله الفلسطينيون، لا سيما وأن هناك مطالبات عِدّة من اليمين الإسرائيلي المتطرف، تدعو إلى جعل القضايا الأمنية سبباً في عدم التوجّه للمفاوضات، وبعدها سنرى ماذا سيفعل المجتمع الدولي والدول الغربية والولايات المتحدة إزاء تلك التطورات مجتمعة.
إن مسألة صبر المجتمع الغربي على إسرائيل إلى هذه الدرجة – فيما لو كان جاداً- أحدث وضعاً يمتاز بالتشكك وعدم اليقين، لا سيما بعد أن سمعنا بحدوث عقوبات أوروبية عامة ومجتمعية أمريكية خاصّة، وباحتمالية حدوث عقوبات كبرى من شأنها إرباك إسرائيل وجعلها تأخذ بنصائحها طوعاً أو كرهاً، إذا لم يكن في الحال فقد يكون في المدى البعيد، بالرغم من أننا في كل مرة نجد هناك التفافات غربيّة وإسرائيليّة معاً، على كل ما أمكننا سماعه، وكأنه كُتِب لأجل العرب فقط والفلسطينيين بوجهِ خاص.
الشيء المؤلم، والذي نشعر به على مدار حياتنا، هو أن المؤسسات الإسرائيلية بجملتها- الحكومة، الكنيست، القضاء- جميعها في شغل شاغل، أمام الكل، الداني والقاصي، من حيث ابتداع السياسات المريبة وخلق المناورات الجريئة، وإصدار القرارات القاضية، ولا نشعر بشيء من تلك أبداً، عند توجُّهِنا للجانب العربي الذي ليس لديه سوى قرار واحد ليس له ثانٍ، وهو ما زالت المبادرة العربية على الطاولة، والجانب الفلسطيني الذي كان قراره وما يزال، أنه يؤمن – أمداً- بالسلام كخيار استراتيجي. عدم إقدامهم على اتخاذ قرارات أخرى أكثر حسماً ضد إسرائيل، ليس بسبب أن هناك تقصيراً أو احتراماً لإسرائيل، ولكن ليقينهم التّام والشامل، بأن إسرائيل لن تقوم بأي حال بضم البقية الباقية من الأراضي الفلسطينية، وخاصةً أراضي الضفة الغربية وأراضي القطاع.
خانيونس/فلسطين
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق