الخميس، 10 أكتوبر 2013


قراءة في واقع القدس والأقصى

قراءة في واقع القدس والأقصى
تاريخ النشر : 2013-10-22
كبر الخط صغر الخط
د. لطفي زغلول

الحديث عن القدس والأقصى المبارك من منظور فلسطيني، لا يأتي من فراغ ولا هو مجرد كلام يقال في المنابر أيا كانت، وإنما هو صوت ينطلق من التعبير الصادق والترجمة الفعلية لحقيقة منظومة الثوابت الفلسطينية المنبثقة من انتماءات عقائدية وتاريخية، سواء على الصعيد القطري أو القومي.
هذه المنظومة هي بلغة أقرب إلى التوظيف تشكل الآليات التي بواسطتها وعلى هداها يتحرك الفلسطينيون صوب العملية السلمية التي يفترضون بها أنها تضمن لهم حلا عادلا ومشرفا لقضيتهم، وتضع حدا لمعاناتهم المستدامة، وتزيل أكبر قدر من مساحة الظلم التاريخي الذي حاق بهم جراء النكبة التي حلت بهم وبوطنهم التاريخي.
في ظل ما تتعرض له القدس من مخططات التهويد المستمرة، وما يتهدد الأقصى المبارك من أخطار الإقتحام، وإنزال أي شكل من أشكال التدمير والهدم وإلحاق الأذى به، يصبح الحديث عن القدس والأقصى في هذه الأيام بالذات ليس باعتبارهما من الثوابت الفلسطينية فحسب، بل باعتبار ما يدبر لهما من مخططات ومكائد ونوايا عدوانية، قد يتوهم المعتدون بذلك أنهم يتخلصون من أهم هذه الثوابت وأخطرها.
بداية ليس من المستغرب أن النوايا العدوانية المبيتة قد اشتد أوارها في ظل الحديث عن إمكانية تجدد العملية السلمية المتعثرة التي يفترض أن تكون في مسارين متوازيين ومتزامنين مسار إسرائيلي وآخر فلسطيني. إلا أن هذه العملية ما زالت لم تبرح مكانها جراء الإجراءات والممارسات الإسرائيلية التي أثبتت عدم جدية الطرف الإسرائيلي بالسلام، وإصراره على فرض سياسات الأمر الواقع على الأرض الفلسطينية.
ما دام الحديث عن سياسات الأمر الواقع، فإن القدس هذه الأيام تواجه تهديدين خطيرين الأول وهو تهديد حكومي رسمي يتمثل في توسيع رقعة مساحة هذه المدينة لتصل إلى أراضي الخان الأحمر " مستوطنة معاليه أدوميم " حيث تنوي الحكومة الإسرائيلية بناء آلاف الوحدات السكنية ملحقة بهذه المستوطنة، وبذا تصبح حدود القدس المحتلة حتى هذه المستوطنة وزيادة على ذلك فإنها ستفصل جنوب الضفة الفلسطينية عن شمالها، إضافة إلى آلاف الوحدات السكنية المقامة والتي ستقام لاحقا في إطار الهجمة الإستيطانية التي لم تقف لححظة واحدة.
أما التهديد الثاني فهو تلك النوايا المحمومة للمستوطنين الإسرائيليين، ولجماعة ما يسمى بأمناء الهيكل المتمثلة باقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك بآلاف المستوطنين بهدف إلحاق الأذى بهذا المعلم الإسلامي التاريخي المقدس لدى المسلمين، والتمهيد لإقامة الهيكل المزعوم مكانه أو في ساحاته. وسواء كانت النوايا احتلاله كله وإحلال الهيكل مكانه، أو استلاب باحاته لإقامة هذا الهيكل على مبدأ " التقاسم " كما في المسجد الإبراهيمي في الخليل، فإن الأمر سواء، ولا يعني إلا شيئا واحدا وهو اغتصاب أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم ومعراجه عنوة على مرأى ومسمع من كل المسلمين.
ما دام الحديث عن المسلمين، والعرب منهم، فالحديث هنا لا يستثني هؤلاء الذين يتجاهلون ما يحدث في المدينة المقدسة من انتهاكات واعتداءات، وكأن الأمر لا يعنيهم ولا يخصهم، وكأن الدين ليس دينهم، والعقيدة ليست عقيدتهم. إن غالبية المسلمين قد قلبوا ظهر المجن للقدس والأقصى المبارك.
لقد افترس الإستيطان الجغرافي والديموغرافي التهويدي القدس، وبات الأقصى المبارك رهن التقسيم المكاني والزماني، هذا إذا ما كتب له أن يصمد في وجه التهديدات التي تتربص به لهدمه، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، لا قدر الله.
إزاء هذا كله ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح: ماذا يفعل هؤلاء المسلمون؟. الإجابة لا شيء. إن أجهزة إعلامهم تتغاضى عما يحدث في الأقصى المبارك. ذلك أن أنظمتهم السياسية سادرة في غيها وضلالها، وهم لاهون بمبارياتهم الكروية، وبرامج فضائياتهم، وأجهزتهم الخلوية، وكومبيوتراتهم، والأنكى من كل ذلك معاداتهم لبعضهم البعض.
في ذات السياق، ثمة الكثير من إفرازات الإحتلال الإسرائيلي تشغل بال الفلسطينيين. إلا أن قضية الأقصى هي الأكثر سخونة والتي على شرفها يتحركون للدفاع عنه بكل الوسائل المتاحة لهم، والتي في اعتقادهم الحازم أن المساس به أو انتهاك حرمته يعنيان زج المنطقة في أتون صراع خطير لا يعلم ما يؤول إليه إلا الله.
إستكمالا لقد أثبت الفلسطينيون أن القدس والأقصى هما من الثوابت الفلسطينية الرئيسة، ويخطىء من يظن أنهما مجرد استحقاق سياسي، أو أن القدس مجرد عاصمة للدولة الفلسطينينة. صحيح أنها كذلك، إلا أنها إلى جانب هذا فهي عاصمة روحية للمسلمين جميعا، والفلسطينيون قد تشرفوا بالدفاع عنها وعن أقصاها المبارك، وصخرتها المشرفة.
إلا أن الفلسطينيين وهم لم يبخلوا في يوم من الأيام على القدس والأقصى المبارك والصخرة المشرفة بأي غال أو نفيس، يعتصر الأسى قلوبهم، ويدمي القهر جوارحهم، وهم ينظرون في كل اتجاه فيجدون أنهم لوحدهم في ميدان الدفاع عن عروبة القدس وقداستها وأمجاد تاريخها.
إن الفلسطينيين، وهم يتبنون قضية الأقصى بكل تداعياتها مذهولون من هذا الصمت العربي والإسلامي على مستوى الأنظمة السياسية، وحتى على مستوى الشارعين السياسيين العربي والإسلامي في كثير من أقطارهما، وكأن القدس والأقصى المبارك والصخرة المشرفة لا تهمهم فوقفوا منها هذه المواقف اللامبالية، فلا الجامعة العربية ولا القمم العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي تحرك أي ساكن في مقابل ما يتهدد هذه المعالم المقدسة من مخاطر، أو يحاك لها من دسائس ومؤامرات بقصد اغتصابها وتهويدها.
إلا أن هذه المواقف السالبة اللامنتمية من قبل هذه الأنظمة لم ولن تؤثر على صلابة المواقف الفلسطينية، ومع ذلك فالفلسطينيون لم يفقدوا الأمل بأمتيهم العربية والإسلامية، وهم على ثقة أن العرب والمسلمين لن يتخلوا في نهاية الأمر عن مقدساتهم وتاريخهم في فلسطين بعامة، والقدس بخاصة.
لقد تكررت الإقتحامات اليومية للأقصى المبارك، ويخشى والحال هذه أن تصبح أمرا واقعا تستند إليه سلطات الإحتلال الإسرائيلي بنية تنفيذ ما ترمي إليه من مخططات لتهويده التدريجي بدءا بنسبة العشرين بالمائة من مساحته لإقامة كنيس يهودي في باحاته.
إن هذا يؤكد حقيقة لا ريب فيها أن الأقصى المبارك كان وما زال في مرمى نار الحاقدين الطامعين به، وأنه فعلا في خطر، وأن هذا الخطر قد دق ناقوسه أولى دقاته منذ المحاولة الأولى لإحراقة في الحادي والعشرين من آب 1969، وها هو هذه الأيام يدق مستغيثا، عسى استغاثته تجد آذانا صاغية لدى من يفترض أن يهمهم الأمر من أبناء أمتيه العربية والإسلامية. وإن غدا لناظره قريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق