في ذكرى الغياب..سماء ابو شرار: سامحيني فلسطين .. سامحني ماجد
سماء ابو شرار
لاقت رسالتي الحميمة الى ماجد أبو شرار منذ ثلاث سنوات صدىً واسعا بعد أن حطت رحالها في أكثر من صحيفة في فلسطين والاردن ولبنان والعديد من المواقع الالكترونية التي أعادت نشرها مرار وتكرارا. ترددت بعدها أن أكتب عن ماجد ليس لأنه لا يوجد لدي ما أرغب بتدوينه، فالحديث عن ماجد كان ولا يزال من المواضيع الاقرب على قلبي، ولكن خجلا ربما... فماجد بالنهاية شخصية عامة ليست ملكا لعائلته فحسب وبالتالي فإن ذكرى استشهاده ليست حكرا علينا كعائلة، ولا بد من افساح المجال لكل محبي ماجد أن يكتبوا عنه أو يكرموه بالطريقة التي يرونها مناسبة.
بمرارة أقول إن الذكرى الثقيلة تأتي سنة بعد سنة هزيلة، وهزيلة جدا قياسا بهامة عالية كماجد أبو شرار. نعم لا أنكر أن هنالك من تذكروا ماجد من خلال كتاباتهم ولكنهم قلة قياسا بما يشكله ماجد من أهمية فكرية ونضالية وأدبية. كما لا أنكر أن هنالك من أحيوا ذكرى ماجد بجهد شخصي أقله في لبنان، حيث أقيم منذ سنوات، ولكن بالنهاية يبقى جهدا شخصيا وليس على المستوى الرسمي الفلسطيني، الذي كان ماجد أحد أركانه ومؤسسيه. لا أنكر أيضا أن هناك وبجهد شخصي من أصدروا كتبا عن ماجد من خلال تجميع شهادات شخصيات عرفته، أو من خلال اعادة طباعة كتابه الأدبي اليتيم "الخبز المر"، ولكن يبقى الجهد شخصي، وأيضا وأيضا بعيدا عن المستوى الرسمي الفلسطيني. نعم هناك كثر ممن يتذكرون ماجد كل عام في ذكراه على المستوى الجماهيري ولكن في ظل غياب وصمت رسمي فلسطيني لا يليق بماجد أو بفلسطين التي تكرم شهداءها.
لو كان لفلسطين حيلة لكانت بالتأكيد قد أحيت ارث ماجد من خلال انشاء جهة رسمية تعنى بارثه وارث غيره من شهداء الثورة الفلسطينية . لو كان لفلسطين حيلة لكانت بالتأكيد أنشئت متحفا لتكريم ماجد وغيره من شهداءنا أو مدرسة لتدريس فكره ورؤيته النضالية والأدبية للاجيال الصاعدة. لو كان لفلسطين حيلة لكانت ربما أعادت طباعة كتابه "الخبز المر" أو اعتمدته كواحد من الكتب التي تدرس ضمن منهاج المدارس الفلسطينية كمادة تجسد بدايات النضال الفلسطيني ضد المحتل. لو كان لفلسطين حيلة لكانت أقله أحيت ذكرى ماجد سنويا من أجل تذكيرنا بمناقب هذا الرمز الفلسطيني الذي استشهد من أجلها ومن أجل أهلها الذين كان يعشق.
سامحيني فلسطين ان أثقلت عليك، فأنا أدرك وماجد كذلك أنك مشغولة اليوم باستعادة بعض من كرامتنا الضائعة من خلال الشباب الفلسطيني الثائر في أراضينا المحتلة. أعذريني فلسطين ان حملتك أكثر من طاقتك اليوم تحديدا وأنت تقاومين مشروعا صهيونيا لا يطالك فقط بل يطال أمتنا العربية بأكملها. سامحيني فلسطين ان أثقلت عليك وأنت تعملين جاهدة من أجل توحيد صفوفنا كشعب بعيدا عن مهاتراتنا التنظيمية من خلال تذكيرنا أنك البوصلة ولا شيىء أخر.
أعرف وماجد بالتأكيد يعرف أنك يوما ما سوف تنصفين شهداءك وستصونين ارثهم عندما تفرغين من مهامك الكثيرة لأن شهدائك وارثهم هما ضمان استمراريتنا وشموخنا وكرامتنا وعزتنا كشعب.
والى حين ذلك لا يسعني الا القول سامحيني فلسطين، سامحني ماجد...
*نجلة الشهيد ماحد ابو شرار
الشهيد ماجد أبو شرار(1936-1981م)
مـــولده ولد ماجد في مدينة دورا قضاء الخليل عام 1936، وقد عاش طفولته بين القمم الشماء التي تشتهر بها منطقة الخليل بما تمثله من صلابة وشموخ ، وبين عناقيد العنب وغابات التين والزيتون ، ترعرع ماجد وأنهى مرحلة الابتدائية في مدرسة قريته ، وهو الأخ الأكبر لسبعة من الأبناء الذكور الذين رزق بهم والدهم الشيخ محمد عبد القادر أبو شرار ، ومعهم ثلاث عشرة أختا .
والـــده
كان يعمل والده فنيا لللاسلكي في حكومة الانتداب البريطاني حتى إذا كانت حرب 1947/1948 التحق بجيش الجهاد المقدس بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني ضابطا في جهاز الإشارة . وعندما حلت الهزيمة بالجيوش العربية صيف 1948 آثر مرافقة الجيش المصري الذي انسحب إلى قطاع غزة مع كل أفراد أسرته على أمل أن يعاود ذلك الجيش باعتباره العمود الفقري للجيش العربي الكرة من جديد في محاربة الكيان الصهيوني الذي بدا يفرض وجوده على الأراضي الفلسطينية المغتصبة .
لكن الرجل بقي في غزة واستقال من الخدمة العسكرية عندما ران الجمود على جبهات القتال وألقت الهدنة الدائمة بظلالها الكئيبة على حدود فلسطين المغتصبة ، واستفاد أبو ماجد من دبلوم الحقوق الذي كان يحمله ، فعمل مسجلا للمحكمة المركزية بغزة ثم قاضيا ، ثم تقاعد وعمل محاميا أمام المحاكم الشرعية حتى وفاته عام 1996 بمدينة غزة .
دراســـته
وفي غزة درس ماجد المرحلة الثانوية، وفيها تبلورت معالم حياته الفكرية والسياسية ثم التحق عام 1954 بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ومنها تخرج عام 1958م حيث التحق بأمه وإخوانه الذين كانوا قد عادوا -من أجل الحفاظ على أملاكهم- إلى قريتهم دورا قضاء الخليل /جنوب الضفة الغربية بينما بقي الوالد مع زوجته الثانية وأنجالها في قطاع غزة .
تطور وعيـــه الوطني
في الأردن عمل ماجد مدرسا في مدرسة "عي" قضاء الكرك ثم أصبح مديرا لها وتعاقد مع ثري سعودي فسافر إلى الدمام ليعمل محررا في صحيفته اليومية "الأيام" سنة 1959م. وكان ماجد في غاية السعادة حين وجد نفسه يمتلك الوسيلة العصرية للتعبير من خلالها عن أفكاره السياسية والوطنية ، و في أواخر عام 1962 التحق بحركة (فتح) حيث كان التنظيم يشق طريقه بين شباب فلسطين العاملين في تلك المنطقة التي عرفت رموزا نضالية متميزة في قيادة فتح أمثال المهندسين الشهيدين عبد الفتاح حمود وكمال عدوان والأخوة أحمد قريع وسليمان أبو كرش والشهيد صبحي أبو كرش ومحمد على الأعرج والحاج مطلق القدوة وغيرهم
تفرغه في الإعـــلام في صيف 1968 تفرغ ماجد أبوشرار للعمل في صفوف الحركة بعمان في جهاز الإعلام الذي كان يشرف عليه مفوض الإعلام آنذاك المهندس كمال عدوان ، وأصبح ماجد رئيسا لتحرير صحيفة "فتح" اليومية ، ثم مديرا لمركز الإعلام ، وبعد استشهاد كمال عدوان أصبح ماجد مسؤولا عن الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحد ، وكما اختاره إخوانه أمينا لسر المجلس الثوري في المؤتمر الثالث للحركة .
ماجـــد والتوجيه السياسي
لقد كان ماجد من أبرز من استلموا موقع المفوض السياسي العام إذ شغل هذا الموقع في الفترة ما بين 1973-1978 ، وساهم في دعم تأسيس مدرسة الكوادر الثورية في قوات العاصفة عام 1969 عندما كان يشغل موقع مسؤول الإعلام المركزي ، كما ساهم في تطوير مدرسة الكوادر أثناء توليه لمهامه كمفوض سياسي عام .
ماجـــد رجل المواقف
مثل ماجد قيمة فكرية ونضالية وإنسانية وأدبية ، وعرف عنه كفاءة في التنظيم وقدرة فائقة على العطاء والإخلاص في الانتماء ، وقد اختير عام 1980 ليكون عضوا في اللجنة المركزية لحركة (فتح) ، وكانت لماجد مواقف حازمة في وجه الأفكار الانشقاقية التي كانت تجول بخلد بعض رموز اليسار في صفوف حركة (فتح ) فلا أحد منهم يستطيع المزاودة عليه فهو ذو باع طويلة في ميدان الفكر ، وكان سببا رئيسيا في فتح الكثير من الأبواب المغلقة في الدول الاشتراكية أمام الثورة والحركة . ومن هنا لم يستطع أصحاب الفكر الانشقاقي أن يقوم بارتكاب تلك الخطيئة الكبرى -المحاولة الانشقاقية عن فتح تمت في سنة 1983- إلا بعد رحيل صمام الأمان ماجد أبو شرار .
ماجـــد المفكر والكاتب
ماجد كفاءة إعلامية نادرة ، كما هو قاص وأديب، ولقد صدرت له مجموعة قصصية باسم "الخبز المر" كان قد نشرها تباعا في مطلع الستينيات في مجلة "الأفق" المقدسية ، ثم لم يعطه العمل الثوري فسحة من الوقت ليواصل الكتابة في هذا المجال .
وكان ماجد ساخرا في كتاباته السياسية في زاويته "جدا" بصحيفة "فتح" حيث اشتهر بمقالاته : صحفي أمين جدا ..و..واحد غزاوي جدا و...شخصية وقحة جدا..و.. واحد منحرف جدا.
استشـــهاده
لم تستطع (إسرائيل) أن تحتمل أفكار ماجد والتي يجود بها قلمه السيال كما لم تحتمل من قبل كتابات غسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان . فدبر له عملاء الموساد شراكا قاتلة كان ذلك في صبيحة يوم 9/10/1981 حيث انفجرت تحت سريره قنبلة في أحد فنادق روما أثناء مشاركته في فعاليات مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فصعدت روحه إلى بارئها ، ونقل جثمانه إلى بيروت ليدفن في مقابر الشهداء، وهكذا انتهت رحلة الجوال الذي انطلق من "دورا" إلى غزة إلى مصر الكنانة إلى السعودية إلى الأردن، إلى دمشق وبيروت ، ومنها عبر الآفاق إلى معظم عواصم العالم من هافانا في أقصى الغرب إلى بكين في أقصى الشرق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق