في حقيبة ميركل إلى أنقرة - توقعات كبيرة وعدم ثقة
تتوجه المستشارة أنغيلا ميركل يوم الأحد (18 أكتوبر/ تشرين الأول) إلى تركيا بجدول أعمال مليء بالقضايا الملحة وعلى رأسها أزمة اللاجئين. محادثات ميركل تجري في ظل مناخ من "الوجوم" يجعل من الصعب إعادة بناء الثقة المفقودة.
جاء إعلان المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت بمثابة مفاجأة، فقد أعلن زايبرت في برلين أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ستسافر إلى أنقرة للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، بعد أسبوع من وقوع اعتداء لم يسبق له مثيل في العاصمة التركية. وسيكون في صلب محادثات ميركل مع المسؤولين الأتراك المعركة المشتركة ضد الإرهاب الدولي، والصراع السوري والتحديات التي تواجهها أوروبا، نظرا لقدوم مئات الآلاف من اللاجئين.
وتُظْهر زيارة ميركل الأولوية التي تحتلها تركيا بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي في التعامل مع الأعداد المتزايدة من اللاجئين ومكافحة أسباب الفرار. وترى الباحثة السياسية غوليستان غوربي أن سفر المستشارة في الوقت الراهن لأنقرة، هو تعبير عن اعتبارات تتعلق بـ"سياسة الواقع"، وأضافت في حديث مع DW: "السؤال الآن هو، إلى أي مدى سيكون هناك فعلا اتفاق على عدد من النقاط، رغم أن الأهداف مختلفة لهذه الدرجة."
المقدمات التي ترافق رحلة ميركل لأنقرة لا تخلو من المشاكل. فالعلاقة بين ألمانيا وتركيا تتسم منذ فترة طويلة بانعدام الثقة وتباين في استراتيجيات السياسة الخارجية.
"ودية ومرنة"
بيد أنه توجد بين البلدين في الواقع علاقة وثيقة متجذرة تاريخيا تصفها وزارة الخارجية الألمانية بأنها "ودية ومتنوعة ومرنة". وألمانيا هي أكبر شريك تجاري لتركيا، بحجم تجارة يبلغ 32.6 مليار يورو. وفي المقابل فإن تركيا باعتبارها عضوا في حلف شمال الأطلسي وشريك حوار للاتحاد الأوروبي تعد بالنسبة لألمانيا شريكا مهما في قضايا جيوستراتيجية. كما يعيش في جمهورية ألمانيا الاتحادية ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي، يمثلون شبكة تواصل مهمة داخل المجتمعات المدنية ونتج عن ذلك ما يشبه فضاء تركيا - ألمانيا عابرا لحدود البلدين.
قبل خمسة عشر عاما كانت أوروبا تتوقع احتمال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل، وجرت خطوة التقارب الهامة هذه أثناء الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي. وما أدى في البداية إلى عملية إصلاح غير مسبوقة في تركيا والفرح الأوروبي بمدى حماسة أردوغان للقضايا المشتركة، تحول بعد سنوات قليلة إلى اختبار لمدى قوة العلاقات التركية الألمانية. ديناميكية يفسرها رئيس الجمعية الألمانية التركية، غيرد أندرس في مقابلة مع DWعلى النحو التالي: "من الجانب التركي، عمل أردوغان وحزب العدالة والتنمية لفترة طويلة على التقارب مع أوروبا. وقام جزء من الشركاء الأوروبيين بعرقلة تلك المسألة. بداية من قبرص وتواصل بفرنسا، ثم وُضِعت آمال كبيرة على ألمانيا، لكن ألمانيا لم تستطع أو لم ترد تلبيتها بهذا الشكل." وأدى ذلك إلى وجود إحباط لكلا الجانبين.
أردوغان أجرى إصلاحات غير مسبوقة من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي، لكنه حاد عنها فيما بعد، حسب غيرد أندرس
شركاء بدلا من أصدقاء
وتلى الإحباطَ اغترابٌ، وقبل نحو عشر سنوات تحدث الاتحاد (الأوروبي) عن "شراكة مميزة" فقط، كاحتمال يمكن أن يقدمه لتركيا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 صرحت ميركل برفضها الواضح قائلة: "نحن لا نريد العضوية الكاملة لتركيا."
وفي لحظة ما، بدا وكأن تركيا أيضا لم تعد تريد المسألة. وواصلت حكومة أردوغان أكثر وأكثر نهج سياسة لا علاقة لها بالقيم الأوروبية الأساسية، تضمنت انتهاكات على نطاق واسع لحرية الصحافة، وحرية التعبير وحقوق الإنسان. "وابتداء من عام 2009 وعام 2010، اتخذ حزب العدالة والتنمية تحت قيادة أردوغان مسارا مختلفا إلى حد ما. ولوحظ وقوع تغييرات في النظام القضائي، وكانت هناك خلافات حول السياسية الداخلية، ومواجهات مع حركة فتح الله غولين، والصحفيين المعارضين، واضطهاد للطلاب الشباب"، حسب ما يقول غيرد أندرس.
كما واجه أردوغان اتهامات من جميع أنحاء العالم بسبب رد فعل حكومته على المظاهرات في حديقة "غيزي بارك" في عام 2013. وحكم أردوغان بأسلوب مناهضة منتقديه ولجأ للهروب مستخدما خطابا استفزازيا، لم يسلم منه الشركاء الأوروبيون. وصور أردوغان موجة الاحتجاجات التي اجتاحت بلاده على أنها استفزاز من الخارج، ومحاولة لإضعاف تركيا من الداخل، للتشكيك فيها كقوة إقليمية، حسب تحليل الباحثة السياسية غوليستان غوربي.
عمليات توازن
وبلغت الخلافات في العلاقات التركية الألمانية مداها في الصراع السوري. وفي خضم حالة الصراع السياسي لهذه الحرب الأهلية وقعت ألمانيا في وضع عبثي: فمن ناحية كانت هناك، حتى وقت قريب، صواريخ باتريوت ألمانية تحمي تركيا من غارات جوية سورية محتملة، ومن جهة أخرى يدرب جنود ألمان في شمال العراق قوات البيشمركه الكردية في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأنقرة لا تقصف مواقع البيشمركة وإنما تقصف مواقع حزب العمال الكردستاني المحظور، ما يثير التناقض والاستغراب. ناهيك عن الادعاءات، بأن أنقرة قامت في البداية بدعم غير مباشر لتنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا؛ بنية الإطاحة ببشار الأسد، حسبما تقول أستاذة العلوم السياسية غوليستان غوربي.
عندما تسافر أنغيلا ميركل إلى تركيا يوم الأحد (18 أكتوبر/ تشرين الأول) من المتوقع أن تجري عملية توازن. وما يصفه رئيس الجمعية الألمانية التركية، غيرد أندرس، بأنه "مناخ من الوجوم" سيجعل من الصعب على المستشارة إعادة بناء الثقة المفقودة. وفي الوقت نفسه لا يبقى لديها خيار آخر، فقد أكدت الأطراف السياسية الفاعلة في الاتحاد الأوروبي وكذلك السياسيون الألمان مرارا في الأيام الأخيرة أن تركيا تلعب دورا رئيسيا في أزمة اللاجئين.
وتتوقع غوليستان غوربي أن "هذا الهدف سيتجاوز كل الشكوك الأخرى، التي يجب حقا التطرق إليها." فميركل تتصرف وفقا لأولوية السياسة الواقعية، بل إن المستشارة اعترفت علانية بذلك "السياسة الخارجية هي دائما ساحة صراع بين القيم التي نشعر بأننا ملزمين بها، والمصالح التي لدينا." أما ما هي القيم التي سيتم في النهاية موازنتها مع المصالح، فهذا ما ستظهره المحادثات في أنقره بين ميركل والمسؤولين الأتراك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق