الأحد، 3 أغسطس 2014

هل يعود الإخوان المسلمون في مصر إلى العنف السياسي؟

آخر تحديث:  الخميس، 31 يوليو/ تموز، 2014، 15:12 GMT
هناك عدد من الثوابت بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين، مثل غيرها من الحركات الاجتماعية الأخرى التي تغلبت على ظروف مناوئة لها لعدة عقود.
من بين تلك الثوابت التغير. وفيما بين عامي 1928 و2014، تغيرت المنظمة عدة مرات - مجددة نظرتها للعالم، ومعيدة حساب أهدافها، ومعدلة سلوكها، ومغيرة بنية تنظيمها.
الأمر الثابت الآخر: هو أن المعتقدات الإيديولوجية غالبا ما تهمش وقت الأزمات وفي الظروف غير الموائمة. فتأييد احتلال أجنبي، مثلا، خط أحمر أيديولوجيا بالنسبة للإخوان المسلمين.
لكن الجماعة تنازلت عنه في عام 2003 عندما أيد الإخوان المسلمون في العراق الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة، وهو ما أغضب الإخوان في مصر.
الأمر الثابت الثالث هو أن للإخوان بعدا دوليا عابرا للحدود الوطنية، منذ منتصف الثلاثينيات، بطريقة مماثلة للحركات اليسارية.
ولكن لم يكن لها هيئة دولية ذات درجات هرمية متعددة، إلا لفترة قصيرة في أواخر الثلاثينيات.
وبمعنى آخر، لم تكن التنظيمات المحلية التابعة لجماعة الإخوان تأخذ الأوامر من أحدها الآخر، بل في حالات كثيرة انتهى الأمر بينها إلى صراع، إزاء السياسات بشأن أزمات إقليمية كبيرة.
الأمر الثابت الرابع هو أن جماعة الإخوان في أوقات ممارسة الديمقراطية، ووجود حرية سياسية نسبية، تمارس عادة أعمالها طبقا لقواعد المؤسسات واللعبة الديمقراطية.
ويشارك الإخوان في السياسات الحزبية، والصياغات الدستورية، والعمليات الانتخابية. وفي بعض الحالات مثل مصر (ما بين 2011 و2012) فازوا باطراد بنسب مئوية عالية من الأصوات، والمقاعد (دون أن يحصلوا على أغلبية مطلقة).
وفي حالات أخرى، مثل ليبيا (2012) والجزائر (1991)، تفوق عليهم خصومهم السياسيون، وخسروا هم الانتخابات.

بين صناديق الاقتراع وطلقات الرصاص

لكن كيف نفسر سلوك الإخوان المسلمين وسط ما يحدث في الشرق الأوسط، من قمع سلطوي، وانقلابات عسكرية، وحروب أهلية، والأشكال الأخرى للعنف السياسي، وعدم الاستقرار الاجتماعي؟
في هذه الحالات، يعتمد السلوك في الأغلب على البيئة المحلية. ويعد السلاح والدين في معظم دول الشرق الأوسط الحديث، وفي فترة ما بعد الحداثة، أهم وسيلتين للحصول على السلطة السياسية، والاحتفاظ بها، كما كان الوضع تقريبا قبل العصر الحديث.
حركة حماس الإسلامية في غزة منبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين.
وتعد الأصوات، والدساتير، والحكم الجيد، والإنجازات الاجتماعية والاقتصادية وسائل ثانوية، تحتل، في كثير من بلدان الشرق الأوسط، درجة الأمور التجميلية.
وفي سياق مثل هذا، ينخرط أعضاء الجماعة، وأعضاؤها السابقون، والتابعون لها في أنشطة مسلحة مختلفة في أوقات متباينة وبلدان محددة.
ففي اليمن، حمل الإخوان المسلمون والمرتبطون بهم السلاح إلى جانب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح خلال الحرب الأهلية في عام 1994.
وفي سوريا، قاتل الإخوان المسلمون والتنظيمات المنبثقة عنهم ضد نظام الرئيس حافظ الأسد بين عامي 1976 و1982، بدعم مباشر من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وببعض التدريب والعون المالي من النظام السعودي، ومن الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات.
وفي غزة، تخوض حماس، التي تتبع أيديولوجيا جماعة الإخوان، حربا ثالثة خلال ست سنوات مع إسرائيل.
وفي مصر، انخرط الإخوان المسلمون في مرحلة من شبه العسكرة، بين 1940 و1965، شارك خلالها أعضاؤها في أشكال مختلفة من العمليات العسكرية، من بينها الاغتيالات.
ولكن مع حلول أواخر الستينيات اتخذت القيادة قرارا نهائيا بنبذ أي شكل من أشكال النشاط المسلح.

سياسة الأمر الواقع

وعقب تولي الرئيس جمال عبدالناصر للسلطة، شُغل الإخوان المسلمون بسياسات الأمر الواقع داخل إطار القواعد التي وضعتها الأنظمة المتسلطة المتعاقبة.
وجلب عليهم هذا غضب الإسلامين المتشددين، وخير ما يمثل هذا هو كتاب أيمن الظواهري الذي صدر في عام 1993، "الحصاد المر للإخوان المسلمين".
أعلن الإخوان تحت حكم السادات نبذ العنف.
في تلك الفترة، شجب الإخوان المسلمون في مصر الهجمات المسلحة على الأنظمة الحاكمة لأنور السادات، وحسني مبارك.
وفي عام 1981، أعلنت الجماعة أن قتل السادات كان مثل قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، الذي يعده المسلمون السنّة شهيدا.
كان هذا هو النمط السلوكي خلال التسعينيات من القرن الماضي، والعقد الأول من الألفين.
وفي الجزائر، خلال التسعينيات، ساند التنظيم التابع للإخوان المسلمين، وهو حزب حركة المجتمع والسلم، الحكام العسكريين في عام 1992، وكان منتقدا بشدة للأساليب العنيفة للجماعة الإسلامية المسلحة، والخطاب المتشدد لجبهة الإنقاذ الإسلامية.
ونيجة لهذا أصبح حزب حركة المجتمع والسلم شريكا في عدد من التحالفات الحكومية، وتولى أعضاؤه عددا من الحقائب الوزارية في الفترة التي تلت الانقلاب في الجزائر.
وفي العراق وأفغانستان، كانت الأحزاب المحلية التابعة للإخوان والشخصيات البارزة فيها منتقدة لنظامي صدام حسين وطالبان.
وأصبح تنظيمان تابعان للإخوان عضوين في المجلس الحاكم في العراق الذي عينته سلطات التحالف المؤقتة.
وفي الغرب، كانت التنظيمات المنبثقة عن الإخوان، والتي كانت تابعة للجماعة في فترة ما، منتقدة باطراد للأنشطة الإرهابية وللخطباء المتشددين، خاصة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة.
ورحب كثيرون من البرلمانيين في الغرب بذلك، وتحولت الجماعة إلى جماعة محدودة، مستأنسة، متقطعة، تركز من حيث الاهتمام على التعاون الأمني في عدة أزمات.
ولعل أبرز مثال على التعاون في جهود مكافحة التطرف هو سيطرة أعضاء رابطة مسلمي بريطانيا - بالتعاون مع الشرطة البريطانية، واللجنة الخيرية، والمجلس البلدي لحي إزلينغتون في لندن - على مسجد شمال لندن (الذي كان يعرف بمسجد فينسبيري بارك) في فبراير/ شباط 2005 من مؤيدي رجل الدين المثير للجدل أبو حمزة المصري.
وآنذاك اعتبرت السلطات البريطانية هذا إنجازا، فبعد أن كان المسجد قاعدة لدعم العنف، والتطرف، والأنشطة الإجرامية، أصبح مركزا مزدهرا لسكان المنطقة.

دوام اللاعنف؟

وفي أعقاب يوليو/ تموز 2013، حينما أطاح الجيش في مصر بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، برز تساؤل بشأن علاقة الإخوان المسلمين في مصر بالنشاط المسلح.
إن سيطرة الجيش - بصفة عامة - واستهدافه لحكومات منتخبة ديمقراطيا عادة ما يرتبط بزيادة في سفك الدماء، وإذا أخذنا في الاعتبار ما أعقب الإطاحة بمرسي من قمع، نجد أن الوضع في مصر هو وضع مولّد للعنف.
لكن الأمر من حيث المعدات والتموين والتمويل، ليس كذلك. إذ إن قيادة الإخوان في مصر تفهم أنها يمكن أن تفوز في العمليات الانتخابية، وتدرك قدراتها على تعبئة الشارع.
إلا أن العنف هو مجال الجيش. وخلال التجارب السابقة للعنف السياسي في مصر، فقد التنظيم كلا من كفاحه من أجل السلطة، والشرعية، حتى مع قدراته شبه العسكرية، ومع تأييد جزء من الجيش له في أوائل الخمسينيات.
ولاتزال قيادة الإخوان حتى الآن تؤكد على أن أساليب المقاومة السلمية غير العنيفة هي سبيلها لإسقاط الحكومة التي يهيمن عليها الجيش.
لكن التفتت التنظيمي الذي تواجهه الجماعة، في ضوء ما تتعرض له من قمع شديد، وانبثاق فروع وأعضاء ساخطين، وعصيان قيادة الجماعة - الذي تعرضت له في أزمات سابقة، وحدث بشكل محدود خلال الأزمة الحالية - يعد أسوأ ما واجهته في التاريخ المصري الحديث.
وإذا نظرنا من خلال منظور إقليمي، حيث لا يزال الرصاص يثبت أنه أكثر تأثيرا من صناديق الاقتراع، وحيث يثبت الاستئصال أنه أهم من التسويات، نجد أن احتمالات الحفاظ على اللاعنف أصبحت أكثر قتامة.
دكتور عمر عاشور، محاضر أول في الدراسات الأمنية في جامعة إكستر، وعضو غير مقيم في مركز بروكنيغز بالدوحة. وهو مؤلف كتاب "إصلاح المتشددين الجهاديين: تحويل الحركات الإسلامية المسلحة (2009) وكتاب "رد التحية والقتل: علاقات الإسلاميين والجيش في مصر (قيد النشر).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق