السبت، 23 أغسطس 2014

غزة بين المصالح والحقائق والوقائع
الجمعة 22/8/2014م    20:59م
 
أحمد القدرة
منذ ما يقرب على شهرين, يشهد قطاع غزة عدوان ممنهج من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي, والتي تذرعت بالعديد من الحجج والمبررات التي ساقتها للمجتمع الدولي والحلفاء للقيام بعدوانها الهمجي على قطاع غزة, وهذه الحجج لم تعد تغفى على الجميع وهي كالتالي: رفضها وتذمرها من إعلان الوحدة الوطنية الفلسطينية وتشكيل الحكومة, واستمرار فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية في اطلاق الصواريخ على المدن والبلدات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة, واختطاف المستوطنين الثلاثة ومن ثم قتلهم, واتهام 'إسرائيل' لحركة حماس بضلوعها في الخطف, والعامل الآخر الغير معلن بشكل صريح وهو ذو بعد اقتصادي قد يكون أهم الأسباب الخفية التي تقف وراء شن 'إسرائيل' حربها التدميرية على قطاع غزة، وتشددها في استمرارية فرض الحصار عليه هو أطماعها في حقل غاز غزة، لمنع الاستفادة الفلسطينية من ثروته الغازية، وما يترتب عليه الانعتاق من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
لقد شكلت الحرب على قطاع غزة في مجملها العديد من التحولات الاستراتيجية في مسيرة الصراع العربي - الإسرائيلي بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص, فهي أسقطت مقولة (الجيش الذي لا يقهر), ووضعت أسس جديدة في كيفية إدارة الصراع في قادم الأيام, سواء من خلال العملية التفاوضية أو حتى ضمن المواجهات العسكرية. كما بدا الانقسام والتنافس العربي - الإقليمي، خلال الحرب على قطاع غزة، واضحاً، ويعود ذلك إلى موقع قضية فلسطين ومكانتها بالنسبة للنظام العربي وفي التفاعلات الإقليمية. لقد كشفت الحرب على قطاع غزة العديد من الأمور والحقائق التي ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في التعنت الإسرائيلي وهمجيته في عدوانه على غزة, وهي كالتالي:
أولاً: لقد كشفت الحرب على غزة زيف العديد من الدول الإقليمية في المنطقة العربية, والتي كانت تحابي القضية الفلسطينية خدمة لمصالحها وأهدافها ولكي تحقق مكاسب ومكانة سياسية وتبني شبكة تحالفات وذلك كله على حساب القضية الفلسطينية, من أجل الحصول على رضا الحليف الأكبر المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية, إن قطر تريد استثمار الحرب في قطاع غزة لحساباتها وتقديراتها، ومناكفة الدور المصري، وإثبات قدرتها على المواجهة من خلال تنسيقها المعلن والمباشر مع تركيا, فتركيا دولة إقليمية ذات وزن سياسي لها شبكة علاقات مع الفاعلين في المنطقة العربية وتحديداً حركة الإخوان المسلمين كونها امتداد لها, بالإضافة أنها عضو في حلف الشمال الأطلسي (الناتو), كل هذا يأتي ضمن السياسة التركية القائمة على إدارة التحالف بما يخدم مصالحها الاستراتيجية دون أن يؤثر على مكانتها وقوتها, فهي قد تتخذ موقف واضح وصريح, لكن لا يصل إلى حد التضحية بمصالحها وأهدافها ولا بحلفائها, سعياً لريادة منطقة الشرق الأوسط, والدور المصري ليس غائباً عن المشهد أيضاً, فمصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي, تسعى جاهدة لكي تعود دولة مركزية ذات قوة فاعلة ومؤثر على مجمل القضايا في المنطقة, فهي حريصة في المقام الأول على حفظ الأمن القومي المصري, فهي تراقب تطورات الأوضاع الداخلية في الدول المجاورة لها. كما أن مصر بدأت تعيد رسم ملامح تحالفاتها الناشئة حالياً وتحدد أبعاد هذه الشبكة من التحالفات, بما يخدم مصالحها ويحقق أمنها وأمن المنطقة, ويضمن بطبيعة الحال عودة مصر لمكانتها الإقليمية المؤثرة, وحفظ أمنها القومي, فكانت شبكة التحالف كالتالي: مصر ودول الخليج, ومصر وروسيا, ومصر ودول المغرب العربي, في ظل تنافس ثالوث الإقليم, مصر – قطر – تركيا, وهذا يأتي في إطار سياسات المحاور القائمة في المنطقة وعلى حساب القضية الفلسطينية. وهذا يبرهن مدى التجاذبات بين الدول الإقليمية في المنطقة ومحاولتها لاستغلال القضية الفلسطينية, بشكل عام والحرب على قطاع غزة بشكل خاص من أجل تصفية حسابات وإقامة تحالفات, في مسعى من تلك الدول بأن يكون ضمن أجندتها الأطراف الفلسطينية, حتى يصبحوا رهن لقرارات وتوجهات تلك الدول, ويتم تصفية القضية الفلسطينية حسب أهواء وتوجهات الدول الإقليمية.
ثانياً: لقد أثبتت الحرب على غزة, مدى التهاوي والضعف الذي تعيشه الأنظمة العربية في الإقليم, وعمق الانقسام في النظام العربي الحاصل والمتجذر بعد حرب الخليج الثانية عام 1991, وارتهان القرار العربي بطبيعة المصالح القائمة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية. وهذا أدى بطبيعة الحال إلى فشل ما سمي 'ثورات الربيع العربي', والذي اعدته الدول الغربية لإكمال مخطط التفتيت والتقسيم في المنطقة العربية, باستخدام دول إقليمية ساعية لتولي الريادة في المنطقة العربية, وهذا الفشل الذريع الذي مني 'بثورات الربيع العربي' كان على حساب القضية الفلسطينية, والذي سعت تلك الثورات في بادئ الأمر لإعادة القضية لمكانتها إلا أن واقع الأمر انعكس بالسلب, فهمشت القضية الفلسطينية وانشغلت تلك الدول بشؤونها الداخلية وتناسى القادة أهمية التغيرات التي حصلت في دولهم في دعم القضية الفلسطينية, وهذا بالتالي انعكس على فاعلية الشارع العربي.

ثالثاً: لقد كشفت الحرب على غزة, مدى تصدع المنظمات الإقليمية في المنطقة العربية والإسلامية, وعدم قدرتها على صياغة بيان إدانة في أقل تقدير يرقى لمستوى الجريمة التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة, وعدم مقدورها التحرك تجاه المنظمات والمحافل الدولية لتوجيه على أقل تقدير مذكرة إدانة بما ترتكبه 'إسرائيل' بحق الشعب الفلسطيني, بل كشفت الحرب بعدم مقدرتها ولن يكن بمقدورها العمل على اتخاذ قرارات صارمة ضد آخر احتلال وذلك بقطع كافة العلاقات بين الدول الأعضاء و'إسرائيل' التي فيما بينهم علاقات مختلفة إما دبلوماسية أو عسكرية أو تجارية أو اقتصادية.
رابعاً: لقد أثبتت الحرب على غزة عدم جدية وفاعلية المنظمات الدولية في السعي للتوصل لقرار يفرض على 'إسرائيل' احترام كافة المواثيق والأعراف الدولية بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة, وأثبتت الحرب أن المجتمع الدولي بقواه الفاعلة المؤثرة تدعم دولة الاحتلال وتساندها في حربها على قطاع غزة, بغض النظر عن ما يصدر من تصريحات وإدانات على وسائل الإعلام, فهي مجرد استهلاك للوقت والإعلام, وبالتالي عدم جدية الأطراف الدولية في مساعي التوصل لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية, وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
خامساً: إن الإدارة الأمريكية تعمل على رفض أيه وساطات إقليمية لا تراعي ضوابط ومتطلبات الأمن القومي الإسرائيلي، خاصة مع الالتزامات الأمريكية المعلنة مؤخرًا بتوفير الأمن 'لإسرائيل', وعليه, فإن مردود هذا نابع عن السياسة التدخلية لأمريكا, فقد عبرت السياسة التدخلية الجديدة لأمريكا عن نفسها في أربعة مبادئ تبنتها القيادة الأمريكية، وهي: حماية واردات أمريكا من النفط وفق مبدأ كارتر، وحماية الاحتياجات الأمريكية من الموارد الطبيعية ضمن مبدأ هيج، وكبح أي تمردات داخلية تهدد المصالح الأمريكية بناءً على مبدأ براون, وأخيرًا التدخل ضد الإرهاب, وضمن هذه المبادئ, يتواصل الدعم السياسي و المالي والعسكري 'لإسرائيل'.
سادساً: وفي سياق السجالات والمواقف الاقليمية والدولية حيال الحرب على غزة، والنقاشات الساخنة حول الدور المصري أو التحركات القطرية والتركية وردود افعال الادارة الاميركية وغيرها من اللاعبين الكبار، غاب الموقف الروسي عن الأحداث, وهذا عائد إلى الانشغال الروسي بتطورات الأمور على حدودها, فروسيا ترى أن معاناة سكان أوكرانيا لا تقل أهمية عن معاناة سكان قطاع غزة, في المقابل وحسب الأولويات السياسة الروسية نجد أنها تتبنى بشكل واضح الرواية الإسرائيلية وأحقيتها في 'الدفاع عن نفسها', ووصفها للمقاومة الفلسطينية بأنها حركات 'راديكالية', وهو مصطلح درجت على استخدامه وسائل الإعلام الروسية الداعمة بقوة 'لإسرائيل'، ولكن ضمن خطاب صيغ بلغة بالغة الدقة, فروسيا لا تعتبر 'إسرائيل' عدوا لها، لكنها تؤيد مبادرات السلام القائمة، وتدعو إلى إنهاء الاحتلال، وتدعم السلطة الفلسطينية الشرعية في إقامة دولتها المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. هذا موقف ثابت ومعروف كذلك, كما أن روسيا أيدت منذ البداية المبادرة المصرية, وهذا كله يأتي ضمن سياسة المحاور والتحالفات التي بدأ إعادة تشكيلها في الآونة الأخيرة, في سياق التنافس والصراع ما بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
وفيما يتعلق بمجريات الحرب سياسيا وعسكريا على أرض الواقع, فقد كان هناك العديد من الأمور والنقاط التي يمكن إيضاحها بالتالي:
أولاً: لقد أثبتت الحرب على قطاع غزة مدى الجهوزية والفاعلية والقدرات العسكرية والأمنية لدى فصائل المقاومة الفلسطينية, وقدرتها على التعاطي مع المتغيرات والتطورات في الميدان, كما وقد أظهرت هذه الحرب, قدرة المقاومة الفلسطينية على اتباع منظومة دقيقة جداً في عملها متوازنة ومتوازية ومتجانسة إعلاميا وسياسا وعسكريا ونفسيا وقانونيا, وكما أظهرت مدى الالتفاف الجماهيري خلف المقاومة العسكرية ومدى فاعليتها في تحقيق الأهداف, وأن المقاومة الفلسطينية مهما تآمر عليها الآخرين فهي صلبة وقوية, ورغم الحصار المفروض على قطاع غزة, إلا أن المقاومة تمكنت من إعداد نفسها وتطوير قدراتها العسكرية.
ثانياً: لقد أثبتت الحرب أن فلسطين ليست بمنأى عن كل المخططات التآمرية, التي حيكت ومازالت تحاك ضد الوطن العربي, فمنذ اتفاقية سايكس – بيكو ويمارس في فلسطين كافة أنواع وأشكال التآمر, سواء من قبل الدول الكبرى أو حتى من قبل الدول الإقليمية, وذلك للحيلولة دون التوصل لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والحيلولة دون استقلالية القرار الوطني الفلسطيني, وعدم انجاح حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية, وعدم فاعلية الوحدة الوطنية سياسيا وجغرافيا واقتصاديا واجتماعيا, إلا أن كل هذه المآمرات والمحاولات سقطت بفعل الإرادة الفلسطينية وشرعية وعدالة القضية الفلسطينية.
ثالثاً: إن الحرب على قطاع غزة, برهنت للجميع مدى عدالة القضية الفلسطينية وقدستيها, ومدى عدالة وشرعية المطالب الفلسطينية, التي طرحتها المقاومة الفلسطينية, وأن التنازل عن هذه الحقوق هو ضرب في الهواء, وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم, كما أن هذه الحرب أثبتت أن القاسم المشترك بين كافة التنظيمات الفلسطينية على اختلاف أفكارها هو تحرير الوطن, بكافة أشكال المقاومة الدبلوماسية منها والعسكرية, وحماية المشروع الوطني الفلسطيني. وبرهنت للعالم بأسره أن القرار الوطني الفلسطيني قرار مستقل لا يمكن لأحد أن يؤثر عليه مهما تعاظمت الضغوط, وهذا ما ثبت في صلابة موقف الوفد المفاوض الفلسطيني في تعاطيه مع كل الطروحات والصيغ التي قدمت له من أجل القبول بها لوقف اطلاق النار وابرام اتفاق, فبرع المفاوض بخبرته وممارسته الطويلة في المفاوضات أن يتخطى كل العراقيل وكل محاولات الاصطياد التي تمثلت في حرب المصطلحات التي خاضها الوفد الإسرائيلي ضد الوفد الفلسطيني الموحد, فلم يقع في هذا الفخ, واستطاع أن يحشر المفاوض الإسرائيلي في الزاوية.
رابعاً: لقد أثبتت الحرب على قطاع غزة, مدى الفشل والاهتراء داخل قيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي, ومدى الاختلافات على المستوى السياسي والعسكري ضمن أعضاء ما يسمى 'بالكابينت', وحرب الانتقادات بين أعضائه والتي تشبه بحرب السكاكين, كل منهم يترك أثر في المستقبل السياسي للآخر, كما وقد برهنت الحرب على غزة مدى الفشل الذريع الذي تعرضت له دولة الاحتلال في أجهزتها الاستخباراتية والعسكرية من الوصول إلى تحقيق أي هدف من أهدافها التي أعلنت عنها قبل وفي خضم الحرب.
وأخيراً يمكن القول, إن واقع الحرب على قطاع غزة, كان له تداعيات على البعد المحلي والإقليمي والدولي, وهي بشكل مختصر, فعلى البعد المحلي, فقد ترجمت الحرب على غزة عمق الوحدة الوطنية الفلسطينية بين كافة أبناء الشعب الفلسطيني وبين كافة القيادات الفلسطينية, واتفاق الجميع على حتمية تحقيق المطالب الفلسطينية, دون ابداء أي تنازل أو تهاون في أي مطلب من المطالب, واتفاق الجميع على المضي قدماً في تجاه المحافل الدولية للانضمام للمزيد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتحديدا التوقيع على ميثاق روما للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية, لمحاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي, وهذا الحرب شكلت حالة ثورية في كافة الأراضي الفلسطينية دفاعاً وحماية للقضية والمشروع الوطني الفلسطيني المتمثل في تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف, والأهم هو التأكيد على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني, وعدم الانخراط في التجاذبات القائمة في المنطقة. أما على البعد الإقليمي والدولي, فقد احرجت الحرب قادة الإقليم والمجتمع الدولي, تجاه القضية الفلسطينية, والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, قد يدفع هذا الاحراج إلى التحرك بأكثر جدية وفاعلية للوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية, فالدول الإقليمية الكبرى, وبالرغم من التنافس فيما بينها, إلا أنها تتبنى المطالب الفلسطينية بشكل كامل, وتؤمن بعدالتها وضرورة تحقيقها, كما أنها تساند وتدعم القضية الفلسطينية. أما المجتمع الدولي, فمواقفه غير ثابتة ومتغيرة حسب ما تفرضه المرحلة وتمليه المتغيرات في المنطقة, إلا أنها مازالت تنادي بالسلام وحل القضية الفلسطينية, وتطالب بوقف الحرب على قطاع غزة, ومازالت أيضاً تؤكد على حق 'إسرائيل' بالدفاع عن نفسها, وفي المجمل فهذه الدول تسعى من أجل حماية مصالحها وفرض سيطرتها في المنطقة.
إن ما يجب أن نعول عليه, وهي حقيقة راسخة, أن الإرادة الفلسطينية إرادة صلبة لا يمكن أن تُثنى أو أن تلين في وجه عدوها, وأن المقاومة المسلحة متأصلة منذ القدم في وجدان وعقول أبناء الشعب الفلسطيني, فهي الإرث الذي ورثه الأبناء من الآباء على مدار التاريخ, وهي البوصلة الوحيدة القادرة على تحديد مسار الصراع مع الاحتلال, والمقاومة المسلحة, لا تنقص من المقاومة الدبلوماسية في شيء, فكلاهما يتحركان معاً وكلٌ حسب متطلبات المرحلة.
ـــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق