القرار الفلسطيني في ظل طاحونة شر "الربيع العربي"!
القرار الفلسطيني في ظل طاحونة شر "الربيع العربي"!
منذ أن قرر المواطن التونسي البوزيدي إشعال النار في جسده المُتعَب من تناقضات هذه الحياة، والعالم العربي يعيش أزمة الضياع الثانية، أما الإولى فقد أسفرت عن تقسيم البلاد العربية من خلال بنود إتفاقية سايكس بيكو التي صاغها وتقاسم أرباحها كبار ذلك العصر! ويبدو أن كبار عصرنا هذا في طريقهم لوضع اللمسات الأخيرة لإتفاقية ثانية يُقسِّم فيها المُقسّم تحت عنوان (جنيف 2)!
لقد أوقع "الربيع العربي" أغلب العرب، داخل سراديب الحقد والإقتتال الطائفي، حتى جعل عُقلائهم يتخبّطون في أيّ الطرق القادرة على إخراجهم من تلك المِحَن! ودائما ما تبدأ إولى خطوات الضياع عند العرب المتقاتلة بعد رفضهم مبدأ ( الحوار )، والمُحيّر أن الحوار يُصبح مقبولا لديهم بعد أن يفقد الوطن سيادته والمواطن إنتمائه!
في ظل "الربيع العربي"، كل المفاهيم عند العرب أصبحت بلا قراءة واضحة، جعلهم يختلفون على تسمية "العدو" وتعريفه، فجعل حينا ً إسرائيل حليفة لهم.. وحينا آخر جعل إيران عدوة لهم! وأبقى تعريف "الصديق" بدون ملامح مقروءة ! وأسس عبر طاحونة الشر التي فرضها على الساحة العربية السؤال الآتي : هل الديمقراطية تأتي أولا.. أم مواجهة الأعداء هي من تأتي أولا؟ حتى القضية الفلسطينية لم تسلم من أذى "الربيع العربي" فنالت نصيبها من التخبط تحت سقف الفوضى الفكرية السوداء التي أفرزها! وكأن ما تعانيه من ضعف في الدعم العربي، وتهميش وتحايل من المجتمع الدولي على القضية برمتها لا يكفي! والمُلفت في كل الأزمات العربية وآخرها الربيع العربي أن على الشعب الفلسطيني ( قيادة وشعبا )، أن يُثبت لأشقائه العرب شهادة حُسن السلوك والتصرف عند الحديث عن صراعات ( الإخوة الأعداء )! ولم يقف الأمر عند إثبات حسن النوايا، بل ذهبت بعض الدول العربية لتمارس الضغوط السياسية والمالية لتُخرج الموقف الفلسطيني من حياده كما فعلت دولة قطر مع حركة حماس يوم أغرتها بالخروج من سورية! ولقد كانت قناعتنا أن لا ترضخ حماس لهذا الإبتزاز ولكنها للأسف رضخت! رغم ما في الماضي القريب من أمثلة دامغة تحمل القيادة الفلسطينية على أن لا تستجيب لأية ضغوط في هذا الشأن، مهما كان حجمها أو مصدرها! فالضرر الذي وقع على شعبنا وقضيته من جرّاء بعض الإصطفافات الفلسطينية الخاطئة.. كان كافيا لأن لا تنجرف القيادة الفلسطينية إلى كل ما يسيء للقضية ولا يخدم تطلعات شعبنا الفلسطيني في نيل حقوقه الوطنية المشروعة . لكن قدرنا أن تتكرر الأخطاء ! وخصوصا أن الصراع في سورية هو صراع إقليمي دولي لما سورية من أهمية تتداخل فيها كل قضايا الشرق الأوسط إقتصاديا وجغرافيا بما في ذلك مصير القضية الفلسطينية!
البعض يعتقد أن الأن الأزمة السورية فرضت على الجميع.. إما أن تكون مع ما يحدث هناك أو ضده، وأن اللون الرمادي ليس مقبولا في هذا الأمر. حتى المواطن السوري البسيط (يُضيف هؤلاء)، الذي قرر أن يتبنّى الموقف الرمادي ليس قناعة منه بل خوفا من البطش.. لم يسلم من الأذى! لكننا نقول بقناعة لا تلين، أن الموقف الرسمي الفلسطيني كان يجب أن يتمرّد على ذلك ويرفض كل ألوان هذه المعادلة. وحده الموقف الرسمي الفلسطيني كان يجب أن لا يعترف بغير لون قضيته (فلسطين)، مهما إشتدت عليه الضغوط وحِيكت حوله المُنازعات! وبعيدا عن بعض القناعات الفردية التي لا ترتبط بالقرار الرسمي الفلسطيني، كان حريّ ٌ بالقيادة الفلسطينية أن تنأى بنفسها عن كل ما قد يسيء لشعبها وقضيته. هذا الشعب ألذي يُعاقب بلا رحمة عند كل أزمة سياسية أو عسكرية تحدث بين "الإخوة العرب"! وحده الفلسطيني من يقع عليه الغضب.. أما مُسببّي الأزمة فتكفي رسالة من هنا أو رسالة من هناك حتى تدفن الأسماء داخل الأدراج! لهذا وحرصا ً على شعبنا الفلسطيني وعدالة قضيته نتساءل:
كيف تعاملت القيادات الفلسطينية مع تقلبات فوضى "الربيع العربي" وخصوصا الفصيلان الأكبر فتح وحماس؟
مما لا شك فيه أن حركة فتح كانت ألأكثر حرصا على عدم المُقامرة بمواقفها السياسية في مجمل أحداث "الربيع العربي"، وخصوصا فيما يتعلق بالأزمة المصرية، بعد أن أدركت حركة فتح ( منظمة التحرير الفلسطينية، السلطة الفلسطينية) مدى الإحراج الذي سببه لها، يوم أن تنازلت لدول قطرعن رئاسة الدورة (رقم 136) لمجلس الجامعة العربية، بعد أن وعدت قطر مقابل ذلك (كما ذكرت بعض الصحف)، بأنها ستتكفل بدفع رواتب السلطة الفلسطينية لمدة 4 شهور! ورغم التبرير الذي قدمه وقتها السيد رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطينية، حيث أرجعها إلى الانشغال بمتابعة عرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة، للحصول علي قرار بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. لكنه كان موقفا إصطفافيا سلبيا.. خلاصته يصبّ في مصلحة أعداء سورية وخصوصا دولة قطر التي سعت بشتى الطرق للهيمنة على قرارات الجامعة العربية من أجل سعيها المحموم علّها تنجح في إسقاط النظام السوري! ما عدا ذلك كان الموقف الفتحاوي أكثر إنسجاما مع القضايا التي تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية وتطوراتها.
أما حركة حماس، فمنذ اليوم الأول لأحداث الربيع العربي وظهور هيمنة الأخوان المسلمين وحلفائها على مجرياته، أخذت حماس تتطلع لتأخذ دورا فاعلا يتجانس ورؤية الأخوان المسلمين،حيث بدى واضحا أن إرتباط حماس بنهجها الحزبي الموصول بثقافة الأخوان المسلمين كان أقوى من أي تحالفات أخرى، حتى وإن كانت فلسطين داخل دائرة الموازنة! طبعا لم يطل الوقت عند حركة حماس.. ليفرط عقد تحالفاتها التي صاغتها منذ إنطلاقتها، فخرجت من سورية لتؤكد عبر مسؤوليها أن النظام السوري لم يعد يعني سياساتها الجديدة مستخدمة بعض العبارات لتبرير ذلك، رغم إعتقادنا بأن تلك التصريحات (حرية وديمقراطية الشعب السوري) ليس لها معنا ً في واقع ومجريات "الربيع العربي"! ولم تكتفي عند هذا الحد، بل قام السيد خالد مشعل ورئيس وزراءه السيد هنية بزيارات لكل من تركيا وقطر ومصر، لتأكيد بوصلة سياستها وتحالفاتها الجديدة، ثم ختمها السيد مشعل وكذلك السيد هنية برفع علم المعارضة السورية أثناء زيارة قطاع غزة ليقطعا بذلك الشك باليقين وليعلنا بكل وضوح أين تقف حماس! وهنا نتساءل لمصلحة من فعلت حماس كل هذا الغيير.. وأين مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته من ذلك!؟ ثم جاءت أحداث مصر الأخيرة لتكمل حركة حماس مسيرة الأخطاء بحق القضية الفلسطينية ، فمن مساندة نظام الرئيس مرسي سياسيا ، و(عسكريا) كما ذكرت وسائل الإعلام العربية والعالمية، وحتى نظام مرسي أوضح ذلك من خلال كثير من الإجراءات واللقاءات التي جرت على مستوى الرئاسة مع قيادات حماس. إلى إتخاذ حماس عبر إذاعتها المرئية والمسموعة موقفا سياسيا معاديا لإسقاط الرئيس مرسي من سدة الرئاسة! وبغض النظر عن خطأ أو صوابية قرار المؤسسة العسكرية المصرية بإسقاط الرئيس، إلا أنه يبقى شأنا مصريا داخليا، ليس لحماس أو غيرها الحق في إقحام نفسها فيه! حتى الدول الكبرى والمؤثرة في المنطقة نأت بنفسها عن ما يحدث في مصر! وحدها تركيا وقطر وحماس قررا الوقوف بجانب مرسي وضد المؤسسة العسكرية المصرية. وإذا كنا ندرك تركيبة النظام التركي والقطري المتحالف مع حزب الأخوان المسلمين والذي كذلك يتماشى مع سياسات ومصالح تلك الدول، ولكن ما لا نفهمة هو أن موقف حركة حماس هذا لا يتوافق أبدا مع تطلعات شعبنا الفلسطيني وقضيته المركزية! اللهم إلا إذا إعتبرنا أن حركة حماس هي حركة تابعة لتنظيم الأخوان المسلمين وليس يعنيها ما سيقع من ضرر على الشعب الفلسطيني وقضيته!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق