لسنا ضد إيران ... ولنا كلمة.
أقيمت الدنيا ولم تقعد لسبب ايقاع القصاص بحق معارض سعودي من المنطقة الشرقية، فتهدد (حزب الله) اللبناني المملكة العربية السعودية بالويل والثبور، كما نصبت بيوت العزاء بحق الرجل وليس بحق الـ(47 شخصا) الذين أعدموا وإنما بحق واحد منهم فقط الى الدرجة التي صدح فيها (الولى الفقيه) الحاكم الفعلي في إيران آية الله خامنئي بالعقاب الالهي.
كنا نفهم أن تعترض دولة ديمقراطية لا تقرّ عقوبة الاعدام ولا تنفذها في بلادها على الاعدامات في أي بلد وليكن رفضها للإعدامات (عامة) في السعودية وليس لإعدام واحد من ضمن عشرات ما يثير الريبة والشكوك ورائحة المصلحية-السياسية أو أشد عطانة و زكامة من ذلك؟ أي رائحة المذهبية المغلفة بالدفاع عن (المحرومين)؟ (1)[1]
الاعدامات والصلاحية الاسلامية
لا نريد أن نسرد "كل" ما تقوم به السلطة الحاكمة في الجمهورية الاسلامية في ايران من اعدامات كان آخرها قتل هشام عزيزي (ابو حفص البلوشي) زعيم أحد الجماعات البلوشية المعارضة شهر ابريل 2015 وسبقه قتل (ملا معاذ) أيضا ولا يغيب عن الذهن الاعدام الذي نفذته الجمهورية الاسلامية في ايران بحق (عبد الملك ريجي) زعيم جماعة جند الله (السنية) في اقليم بلوشستان (السني) في ايران ، ناهيك عن الأساليب القهرية المستخدمة ضد الاقليات العرقية والطائفية خاصة في مناطق بلوشستان وكردستان والأحواز (عربستان) وإن كان من تبرير لدى السلطات الحاكمة في إيران للاعدامات هذه وغيرها، فإنه ذاته التبرير الذي بموجبه وقع القصاص على المُدانين في السعودية والذين منهم الشخص الذي أقامت ايران له الدنيا ولم تقعدها دونا عن غيره من المُعدمين.
إن فكرة الاعدام بحد ذاتها وخاصة للمعارضين السياسيين هي فكرة بحاجة للنقاش في كل البلاد خاصة الشرقية في آسيا وافريقيا ، وتحديدا في بلادنا الاسلامية والعربية فلا يجوز أن يقع أي معارض من أي مذهب كان أو من أي دين كان تحت طائلة المقصلة، فالفكرة أي فكرة الاعدام بهذه الحالات فكرة لا أراها صائبة مطلقا من ناحية واجب الدولة بضمان حرية الفكر والرأي والتعبير من جهة، بل ولا أرى لها مسوغا اسلاميا -مهما كان مسمّاه- لايقاع العقوبة هذه، لأن أهم مقاصد الاسلام العظيم هو الحفاظ على النفس، ولا قتل بالإسلام يباح أن يكون أبدا داخل المجتمع أو الدولة فالدين السمح الذي يفك حبل المشنقة عن رقبة القاتل تحت عنوان (الدية) من ولي الدم قادر علماؤه على استنباط امكانية قيام الدولة بدور ولى الأمر عن القتيل (أو القتلى) لتصبح العقوبة مادون ذلك أي بالسجن أو ما شابهها لاسيما وأن معظم الاعدامات ذات الرائحة السياسية (وإن حاول البعض أن يغطيها بالبعد الديني أو المذهبي) تظهر الأيام أنها كانت خاطئة وفي غير محلها.
إن دولة تنفذ عقوبة الاعدام بحق المعارضين على قاعدة الاتهام بالانفصال أو الدعوة للانفصال أو على قاعدة إثارة الشعب أو التحريض أو القيام بثورة...الخ، وبخلفية انتقام طائفية (وإن كانت لدى البعض من أركان النظام) هي دولة لا يحق لها أن تنتفض على ممارسات شبيهة لما تقوم به هي من دولة أخرى، مع رفضنا الكامل كما ذكرنا لعقوبة الاعدام للمعارضين السياسيين أو أصحاب الرأي ورفضنا لتحويل أي صراع سياسي مصلحي سلطوي لصراع مذهبي أو طائفي أو لصراع قومي تفتيتي.
ثلاثة محاور تتنازع أمتنا
إن حقيقة الأمر في منطقتنا العربية هو أنها أصبحت مستباحة لثلاث قوى اقليمية بكل وضوح هي تركيا وإيران وقبلها (اسرائيل) ولطالما طالبنا بقيام محور عربي يأخذ على عاتقه الدفاع عن مصالح الأمة (العربية الاسلامية بمكوناتها عربية اللسان والامازيغية والكردية ذات الحضارة الاقليمية الواحدة)، وما كانت هذه المطالبة إلا لتحقيق مصالح هذه الأمة الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية والحضارية وبما يمنع القوى الاقليمية وعلى رأسها (اسرائيل) إن تستبيح أرضنا ومقدراتنا ومقدساتنا.
لا يحق لأحد أن يكفّر السنّة أو أي من تياراتهم، كما لا تحق لأحد أن يكفر الشيعة أو أي من تياراتهم، فمن كفّر مسلما فليس بمسلم، ثم أن هذا شأن لا صلة لنا به ، وكل الفصائل المتنامية يوميا كالسرطان التي تقوم بالتكفير والإرهاب سواء بعض فصائل الحشد الشعبي (الشيعي) في العراق وسوريا أو فصائل من (الجهاد السني) في العراق وسوريا هي فصائل بفعلها التكفيري هذا إنما تسيء للإسلام العظيم، وتخدم الأغراض العالمية بتفتيت المنطقة وشرذمتها واستمرار السيطرة عليها، وتوطد في نفس الوقت أسس "الدولة اليهودية" العنصرية،وتخدم مصالح اقليمية لدول الإقليم المحيط بنا.
الاحتلال نقيض الدفاع عن المستضعفين
أن تقرر إيران أن من حقها (الدفاع عن المستضعفين) في العالم بنص الدستور فهذا شأنها، وإن كان خروجا عن الأعراف الدولية التي تقرر لكل دولة شأنها الخاص،(المادة 154: الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم).ولكن أن يتحول (المحرومون) أو (المستضعفون)عنوانا لطائفة محددة بمعنى أن يتحول (الولي الفقيه) إماما لكل الشيعة (2)[2] في العالم (3)[3]فيدافع عنهم ولو بالقوة فهذا شأن خارج عن الوعي السياسي وعن ضوابط وقواعد العلاقات بين الدول.
كيف تزيدني أن أتقبل الاحتلال الايراني منذ العام 1971 للجزر الاماراتية الثلاثة؟ أم هل تريدني كعربي أن أتقبل التهديد المستمر لمملكة البحرين العربية؟ وكيف تريدني أن أقبل كعربي ومسلم وإنسان أن يصبح كل شيعي (مع الاحترام الكامل لكل انسان مهما كان دينه أو مذهبه او رأيه) عبارة عن بوق دعائي لفكرة (الولى الفقيه) أي لدولة أخرى رغم أنه مواطن في دولة مغايرة هي دولته؟ أم أن ذلك ما تريده منه بعض التيارات السلطوية الحاكمة في إيران؟ أم هو مفهوم الثورة الايرانية عامة؟
إن السلطوية والاستبداد والهيمنة ضمن الطبقات الحاكمة واكتساب مزيد من مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية هو الأساس للصراعات في منطقتنا مهما حاول الكثيرون أن يقنّعوها بقناع منسوب للإمام على بن أبي طالب عليه السلام وكرم الله وجهه أو منسوب لعمر بن الخطاب عليه السلام ورضي الله عنه.
فلسطين مركز الوحدة
لسنا كفلسطينيين ضد الدولة الايرانية أبدا فلها من المواقف المشهودة تجاه القضية الفلسطينية الجميل والعميق ما نحترمه ونقدّره، كما لها السلبي الظاهر في أصابع التدخل بالشأن الوطني الفلسطيني، لذا نحن نتفق ونختلف معها سياسيا، ولسنا ضد المملكة العربية السعودية بل نحن نحترم قراراتها وحرصهما على بناء وحدة سياسية اقليمية اسلامية حضارية يجب أن تقوم على احترام التنوع سواء في طبيعة الأنظمة أو في المذاهب أو في الرأي السياسي، وتحترم مواطنيها هي ومصلحتهم في اطار جامعة عربية أو جامعة اسلامية تحول المنطقة من صراعات ببواعث قومية أو مذهبية أو سلطوية الى سوق اقتصادية مشتركة وحدوية ومفتوحة تحقق معنى العدل في (الأمانة) أو (الخلافة) أو (التحالف) ما هو نموذج الاتحاد الاوروبي بادي العيان أمامنا الذي يستدرجنا يوميا لأن نقتدي به.
لتكف كافة الدول أو بعض تياراتها السلطوية الحاكمة في الإقليم أو الجماعات المتطرفة التي تتغطى بالإسلام العظيم أن تتدخل في عمق منطقتنا الحضارية العربية (إلا بالحسنى)، ولتكف عن استخدام المفهوم الطائفي لتدمير نسيج هذه الأمة التعددي المتسامح، وليتوقف دعاة الحرب والابتعاد وتأجيج الصراعات من أي طرف كانوا، وليوجهوا وجوههم شطر القضية المركزية للأمة .. التي أكاد أجزم أنهم نسوها.
هوامش
1 (العام 2015 كانت به نسبة الاعدامات في ايران والعراق من الأعلى في العالم، وحيث أعدمت ايران 27 معارضا في فترة قريبة من اعدامات السعودية).
2 المادة 12 من الدستور تنص (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، ويبقى هذا المبدأ قائماً وغير قابل للتغيير إلى الأبد)، والمادة 57 تعطي الحق المطلق للولي الفقيه إذ تقول نصا (السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة
القضائية، وهي تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة).
3 المادة 5 من دستور إيران تنص على أنه (في زمن غيبة الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه" تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل)
[1] (العام 2015 كانت به نسبة الاعدامات في ايران والعراق من الأعلى في العالم، وحيث أعدمت ايران 27 معارضا في فترة قريبة من اعدامات السعودية).
[2]المادة 12 من الدستور تنص (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، ويبقى هذا المبدأ قائماً وغير قابل للتغيير إلى الأبد)، والمادة 57 تعطي الحق المطلق للولي الفقيه إذ تقول نصا (السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة
القضائية، وهي تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق