خطوات اقامة الدولة الفلسطينية (نظرة وتحليل )
سميح خلف
بعد دروب غامضة سلكتها قيادة منظمة التحرير وقيادة حركة فتح لقيادة الثورة الفلسطينية إلى وهم التسوية وبكل ما طرح من هذه الأوهام ابتداء من مشروع ايجال ألون إلى المبادرات الدولية المختلفة ، فكان لأطروحات ايجال الون العين الصاغية في الاستراتيجية الصهيونية من حيث التطبيق والممارسة إلى يومنا هذا ، في حين أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح قادت مشروعها على أساس الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات ومن هنا دخلت حركة فتح ومنظمة التحرير في منزلق التنازلات إلى أوسلو التي لم تنص على دولة فلسطينية .
ياسر عرفات بنظرته المرحلية للصراع والتي قد لا نتوافق معه عليها طور مؤسسات أوسلو إلى مجلس تشريعي وسلطة وطنية ورفع سقف المطالب لقيام دولة فلسطينية بالرجوع إلى قرار 242 و338 التي تعترف فيه الكينونة الدولية والمجموعة العربية بقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران .
ربما كانت نهاية ياسر عرفات هي الثمن الذي دفعه من أجل هذا الطموح الذي هو في حد ذاته ينقص من حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية وعودة اللاجئين ، ولكن يبرر لياسر عرفات اتقانه فن المرحليات والمفاجئات والانقلابات ، فياسر عرفات وبشخصيته الكارزمية وتمهيدا ً لبرنامجه لن يدع أي فصيل فلسطيني داخل منظمة التحرير يسير شؤونه وبرنامجه ، بل دفع إلى عدة انقلابات في داخل الفصيل الواحد في عملية اضعاف واحيانا ً استضعاف لتلك الفصائل ومن هنا ظهرت الولاءات للفرد وليس للمؤسسة .
على كل حال نقطة التحول الخطرة في السياسة الفلسطينية اتت ما بعد أوسلو والمفاوضات التي استمرت ما يقارب 18 عاما ً تحت سقف وأمل انشاء الدولة الفلسطينية على غزة والضفة كحل نهائي وهذه الممارسة قادها رئيس السلطة السابق محمود عباس في مفاوضات مكوكية ومفاوضات ما هي فوق الطاولة وبعض منها ماهو تحت الطاولة .
كانت خارطة الطريق هي المصيدة التي وقعت فيها سلطة محمود عباس حيث قام بتطبيق البنود الأولى فيها مع اعلانات من حسن النوايا بنبذه للكفاح المسلح بل بتطبيقه العملي لبنود الاتفاقية ومهاجمته المقاومة ومحاصرتها وذهب في المضي في التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني إلى ان اشرك الجانب الأمريكي في التدبيرات الأمنية بواسطة الجنرال دايتون .
لم تكن سياسة محمود عباس مبنية على قاعدة التفهم الوطني والوحدة الوطنية بل على قاعدة الدكتاتورية وحالات الاستزلام الفصائلية لبرنامجه وبرنامجه فقط .
صدق محمود عباس اكذوبة خارطة الطريق وأوهامها فمضى في خلافه مع فصائل المقاومة إلى أن كان نتيجة ذلك هو انفصال الضفة عن غزة في النهج وفي الأمن وتحت نظرية بلير في الرخاء الاقتصادي التي اتت بفياض رئيسا ً للوزراء وهو الخازن والمخزن للمعونات الأوروبية الخاصة بالتنمية الاقتصادية إلى جانب الأمنية .
سنوات مضت من المفاوضات كنا نقول دائما ً ان العدو الصهيوني يستفيد بهذه المفاوضات بتكريس وجوده الاحتلالي والاستيطاني في الضفة الغربية والقدس إلا أن قيادة السلطة في رام الله لم تصغي لذلك وربما كانت لابتسامات ليفني وأولمرت ومن على شاكلتهم مفعول السحر على استدامة المفاوضات العبثية .
ومن هنا كانت أخطر مرحلة تمر بها الاستراتيجية الفلسطينية هي أن سمحت للاحتلال بالتمدد والاستيطان وابتلاع الارض في الضفة الغربية ، وهذا الخطأ لا يغفره اعتذار أو تراجع عن الموقف بل يتحتم ان تخرج فئة صانعي السياسة في الساحة الفلسطينية مبتعدة عن مصدر القرار ومقاضاتها ومحاسبتها.
بعد الاعلان الواضح عن فشل ما يسمى مسيرة السلام والتي اتت من رئيس السلطة السابق وبناء على موقف الادارة الأمريكية من الاستيطان وحكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو علما ً بأن أكبر عملية استيطان تمت في عهد التفاوض بين سلطة رام الله وحزب كاديما ومن قبله حزب العمل .
حاول رئيس السلطة أن يرمي الكرة في ملعب المجموعة العربية من تهديد بالفراغ الدستوري وتهديد البرنامج العربي المبني على السلام وفق المبادرة العربية ، في حين أن القيادة الفلسطينيةجردت نفسها من كل أدوات الدفاع ضد مواقف اسرائيل الطامحة في بناء كيانية فلسطينية أمنية اقتصادية تخضع بشكل مباشر للتوجهات الصهيونية بأراض لا تزيد عن 62% من اراضي الضفة الغربية .
المبادرة العربية التي احتوت في بنودها على تنازلات جمة بخصوص فلسطين التاريخية وعودة اللاجئين الفلسطينيين باقرانه بحل عادل وكذلك عملية التطبيع التي تمسكت بها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي أخذت إسرائيل من المبادرة العربية بنودها الأخيرة ولم تأخذ بالنبود الأولى فيها .
الفراغ الدستوري في الساحة الفلسطينية :
اعتقد ان الساحة الفلسطينية خلال الأشهر القادمة ستتحول إلى مخاضات من ما يفسره الأخرين بالفوضى ومما يهدد مؤسسات سلطة أوسلو ،في حين أن النظرة الأخرى لما سيحدث ربما تكون في الاتجاه الايجابي لصناعة قرار فلسطيني يعيد نظرية الرعب وعدم الاستقرار للمؤسسة الأمنية الصهيونية ويعيد أيضا ً نظرية مسؤولية الاحتلال بموجب القرارات الدولية والقانون الدولي عن المناطق المحتلة وهذا ما اعفته منه سلطة أوسلو وتفرغ لعملية البناء والاستيطان .
وهنا نضع السؤال الأتي : هل ستستطيع فصائل المقاومة من خلال اللجان الشعبية والبلديات في الضفة الغربية من تسيير أمور الضفة الضفة الغربية ؟ وتوطين أواصر الممانعة لدى المواطن الفلسطيني بالاضافة إلى انطلاقة الانتفاضة الثالثة والمقاومة الفلسطينية من جديد من الضفة الغربية ؟ أم هناك سيناريوهات أخرى بديلة لسلطة أوسلو وخاصة أن رئيس السلطة السابق مازال محتفظ بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وما يسمى ” رئيس دولة فلسطين ” بموجب اعلان الجزائر؟!!
للاجابة عن هذا السؤال
اجتمعت اليوم مجموعة المبادرة العربية لوزراء الخارجية العرب وأوصوا بنقل فكرة الدولة الفلسطينية واعلانها من جانب واحد بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ولكن هل بهذا الاجراء وهذا القرار الذي سينقل إلى وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم القادم يمكن أن يوقف التردي في الموقف السياسي الفلسطيني والعربي؟ ام ستذهب المجموعة العربية إلى مجلس الأمن وتواجه الفيتو الأمريكي من جديد ؟ وهل ممكن رفع هذه التوصية وهذا القرار العربي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟ بالتأكيد في حال عرض هذا القرار العربي على الجمعية العامة سيأخذ الأغلبية والاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد .
ماهية هذه الدولة :-
بالتأكيد انها ستكون دولة محتلة بعاصمتها القدس مما يعرض الكيان الصهيوني للمسألة الدولية بأنها تحتل دولة بعاصمتها القدس وهذا مجرم ومحرم في القانون الدولي ، ومن هنا يمكن الاستفادة من هذا التصور في تنمية المقاومة والمواجهة المسلحة بالشرعية الدولية لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل العسكرية والسياسية والدبلوماسية .
ولكن هذا لا يكفي في التصور :-
1- يجب على المجموعة العربية سحب المبادرة العربية أولا .
2- يجب على الجامعة العربية ان يكون قرارها باعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد مربوط بالمرحلية كخطوة نحو تنفيذ القرار الدولي الخاص بعودة اللاجئين إلى أراضي ما قبل 1948 .
3- استقالة قيادة منظمة التحرير وتشكيل لجنة قيادية للطوارئ من كل فصائل المقاومة خارج وداخل منظمة التحرير وتعد بشكل عاجل لمجلس وطني جديد وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة .
4- أن تعلن الجامعة العربية بحق الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بممارسة حقها الطبيعي المعترف فيه دوليا بمقاومة الاحتلال .
5- أن تتوجه الدول العربية بحشد مادي ولوجستي ومعنوي لدعم المقاومة الفلسطينية في داخل فلسطين .
6- أن يعقد اجتماع للجنة قيادة الطوارئ الفلسطينية بأن تلغي ما جاء من تعديلات في الميثاق الوطني الفلسطيني في غزة سابقا ً .
على المستوى الحركي : -
1-على قيادة اللجنة المركزية أن تحل نفسها من خلال قرار مباشر من المجلس الثوري لحركة فتح الذي يعلن أيضا حل نفسه في انتظار تشكيل قيادة طوارئ.
2- أن يعلن عن اعادة الحياة لجناح العاصفة واسترجاع ما أفرزته عملية الاقصاء من قيادات و كوادر و العاصفة وكتائب شهداء الاقصى .
3- أن يعلن عن الغاء البرنامج السياسي الحالي لحركة فتح.
4- عمل لجان طوارئ في كل الاقاليم داخل الوطن وخارجه لتعد مؤتمر حركي قادم .
5- ان تفكك الأجهزة الأمنية برنامجها التنسيقي مع العدو الصهيوني وان تتحول تلك الأجهزة إلى أجهزة حماية قوات الثورة والشعب الفلسطيني والكفاح المسلح ونظرياته .
كل هذا مرتبط اذا كنا نريد انجاح فكرة اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد وهي دولة محتلة بعاصمتها مما يستوجب استخدام كل أدوات المقاومة ضد المحتل وبناء مؤسسات فلسطينية ثورية لتقود العمل الفلسطيني حتى تحرير الدولة الفلسطينية التي باعتبار هي دولة على طريق الارض المحررة التي ستكمل مشوارها للحل النهائي باستعادة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 سياسيا ً واقتصاديا ً وعسكريا ً وأمنيا ً واجتماعيا ً وثقافيا ً .
واسعدت أوقاتكم
المزيد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق