الاثنين، 10 نوفمبر 2014

  1. الشرق الاوسط الجديد - مخطط تقسيم المنطقة 

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    الشرق الاوسط - الآن.





    الشرق الاوسط - قيد التنفيذ.





    كم هو مخيف لبعض الأنظمة أن تعرف ما هي خريطة "الشرق الأوسط الجديد" المقلبة التي تلوح بها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العدوان "الإسرائيلي" على لبنان؟ تلك الهجمة الشرسة التي انقلبت بفعل فاعل إلى حرب على المدنيين والنساء والأطفال والعجزة، بعد أن فشل من عهد إليه القيام بها أن ينجز أهدافا عسكرية طوال أربعة أسابيع متلاحقة. وقد يكتمل السؤال وضوحا لوضع النقاط على الحروف لتقديم الصورة والسيناريو والممثل الرئيسي في هذا المسلسل ومن سيقوم بدور الكومبارس.

    كل ذلك تم طرحه خلال الأيام الأخيرة من خلال التقرير الذي نشرته مجلة "القوات المسلحة الأمريكية" في عددها الأخير، والذي يرسم مستقبلا للمنطقة يقوم على "إعادة هيكلة الشرق الأوسط" -وكان هذا هو عنوان التقرير- بحيث يجرى تقسيم العراق وسوريا والسعودية، إلى دويلات طائفية متنازعة، فيما يتم توسيع المملكة الأردنية الهاشمية، على حساب العراق والسعودية، وتحافظ "اسرائيل" على سيطرتها على جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، ليكون "السلام" قائما على أساس قوة الردع "الاسرائيلية" من ناحية، وتمزق وتنازع دول المنطقة فيما بينها وفى داخلها من ناحية أخرى. 


    وتوضح الخارطتان المرفقتان بالتقرير طبيعة التغيير المقترح. وهاتان الخارطتان ليستا سوى خارطتين من جملة خرائط أخرى متداولة في أوساط البنتاغون ولكنها جميعا تقوم على المبدأ نفسه: التقسيم والتمزيق.

    والتقرير أعده الخبير (رالف بيتر) الكولونيل المتقاعد من الجيش الأمريكي، الذي سبق له أن عمل في سلاح المدرعات وشعبة الاستخبارات العسكرية، وهو ما يزال على صلة وثيقة بمراكز الأبحاث التي يشرف عليها البنتاغون.

    والرجل يملك دراية واسعة بتاريخ المنطقة وهو ملم إلى حد كبير بالرؤية الاستراتيجية التي يعبر عنها المحافظون الجدد، ناهيك عن معرفته عن قرب بالعوائق والصعوبات التي يمكن أن تعترض المشروع الأمريكي وتحول دون ترجمته على أرض الواقع.

    وكان هذا الخبير العسكري عبر عن مخاوفه بهذا الصدد على مضض في حواره مع جيمي جلازوف رئيس تحرير المجلة الصهيونية الشهيرة Front page بتاريخ 2 أغسطس-آب الجاري بالقول "أن هذه الحرب أول حرب تخسرها إسرائيل إعلاميا وعسكريا". ويتابع: "أنه لا خيار لإسرائيل سوى تعديل الكفة... ودفع قواتها البرية بأقصى ما تملك للقضاء على حزب الله كليا. فالمعركة مصيرية وهى مسألة حياة أو موت للكثير من الرهانات في المنطقة".
    فحكومة بوش عملت ما في وسعها لتمنح "إسرائيل" الوقت الكافي لإكمال المهمة وتحقيق الأهداف لكن صلابة المقاومة اللبنانية أثبتت أن حكومة أولمرت تعد الأضعف في تاريخ "إسرائيل" عسكريا. وبيت القصيد في هذا الحوار، كما في كتابهNever Quit the Fight - لا تتخلى عن القتال مطلقا - أن تستمر الحرب على نحو لا يجب إيقافها أبدا كما يبدو من عنوان الكتاب الذي اختاره.

    وكان (رالف بيتر) استعار جوانب مهمة من هذا الكتاب في إعداد التقرير الذي قدمته مجلة "القوات المسلحة الأمريكية".
    ولكي نقدم أبرز ما جرى في التقرير، تجدر الإشارة إلى أنه لا يتحدث أبدا عن "مشروع الشرق الأوسط الكبير" بل عن "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، وذلك عطفا على تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء تعليقها على ما جرى في مجزرة قانا الرهيبة، والذي قالت فيه "أن ذلك هو بمثابة الألم الذي لا بد منه للولادة العسيرة لمشروع الشرق الأوسط الجديد"!.
    وكان من الواضح أنها اختارت تعبيرا كان يخضع في الأصل لمداولات وخطط وخرائط داخل المؤسستين العسكرية والسياسية حول شكل البيئة الإقليمية المناسبة لكي تعيش "إسرائيل بأمن وسلام"!.

    استراتيجياً، يكشف التقرير أن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المنطقة عمّا عداها، لا يعدم تبريرا وأهمية لأن المنطقة تقع على خطوط الممرات والبرية والبحرية ذات الأهمية الكبرى لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على أنها شريان الطاقة العالمي بامتياز طوال خمسين سنة المقبلة. ثانيا، إن هذه المنطقة تحفل بتهديدات شتي، سواء تلك التي بدرت رفض شعوب المنطقة للمشروع الأمريكي أو تلك التي ستظهر مع تعاظم دول الشرق الأقصى -الصين، الهند...- العملاقين المقبلين.

    ومن ثم إن تكسير الجدار العربي مقدمة لتكسير أكثر الهويات التاريخية تجذرا وممانعة في تاريخ هذه المنطقة، تمهيدا لتكسير هويات قومية وثقافية أخرى للاستفراد بالعالم وإحلال هيمنة الثقافة الواحدة والنظام السياسي الواحد وتسييج العولمة بثوب ومقاس الإمبراطورية الجديدة.
    خارطة "الشرق الأوسط" حاليا.

    غنى عن التعريف أن تعبير "الشرق الأوسط الجديد" شد أنظار الخبراء والمراقبين والمحللين والدبلوماسيين ودفعهم إلى استقراء جوانب هذا المشروع وخارطته الجديدة والاهتمام بتفاصيله الميدانية، لاسيما أن التحوير الذي لحق تسمية "مشروع الشرق الأوسط الكبير" لم يكن سهوا، بل مقصودا ومتعمدا. الأمر الذي يترتب عنه تعديل في سلم الأولويات الاستراتيجية الأمريكية بالضرورة، فكل الاحتمالات التي كانت تحوم حول مشاريع إسقاط النظام في سوريا ومعاقبة ومحاصرة نظام ملالي إيران تم تأجيلها إلى حين.. بعد أن فاجأ الجميع خيار تدمير لبنان بالذات.

    ويبدو أن نشر التقرير كان يعنى فيما يعنيه أن الحرب العدوانية "الإسرائيلية" على لبنان ليست سوى محطة من محطات أخرى للحرب المعلنة والخفية على الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة بعامة والدول والتنظيمات الممانعة بخاصة.
    ويقترح التقرير، أن يتم تقويض أركان دول وإعادة رسم جديدة لكيانات دول جديدة وابتعاث أخرى من العدم.

    إذ تمثل الخريطة الجديدة المعروضة "للشرق الأوسط الجديد" إعادة رسم جذرية لكيانات الدول الوطنية التي خرجت من معطف الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، وستتغير ملامح دول لتندمج بعض مناطقها في دول أخرى من ناحية، كما ينذر المشروع باقتطاع أجزاء من دول وطنية من ناحية أخرى، ناهيك أن حدود الخريطة الجديدة واضحة وتختلف عن الخريطة القديمة في مجملها، إذ إن الخريطة المقترحة تتضمن تعديلا وتقسيما يمس الدول التالية: سوريا، إيران، العراق، السعودية، باكستان، الإمارات العربية المتحدة، تركيا. وما يتم اقتطاعه يتم إلحاقه بالدول التالية: الأردن، اليمن وأفغانستان، كما يلوح المشروع بـ"دولة كردستان الجديدة".
    بداية، يعلن التقرير ضرورة إعادة رسم حدود وكيان الدول التالية على المدى القصير والمتوسط، بحيث تأتى العراق والسعودية وإيران على قائمة الدول المعرضة للبلقنة والتقسيم على أساس طائفي ومذهبي وإثني.

    وما جرى في العراق أثبت أن "الديموقراطية" التي بشر بها المسؤولون الأمريكيون في مشروعهم الأول، لم تؤد إلى كسب رهان السيطرة على العراق كليا، بيد أن العراق يكتوي حاليا بمؤامرة الحرب الأهلية وسياسات فرق تسد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

    بطبيعة الحال، تعرض الخريطة الجديدة ميلاد "دولة كردستان الكبرى" تضم شمال العراق -كركوك النفطية- ومحافظات الموصل وخانقين وديالى والمناطق الكردية التي يتم اقتطاعها من تركيا وسوريا وإيران وأرمينيا وأذربيجان. ويتم هذا بدعوى "رد حقوق الأقليات التي هضمت تاريخيا". وبطبيعة الحال، بهدف كسبها لصالح الدفاع عن المشروع الأمريكي- "الاسرائيلي" في المنطقة.

    ويعرض التقرير حدود هذه الدولة التي تمتد من ديار بكر التركية إلى تبريز في إيران. ومؤدى هذا المشروع أن ترك الأنظمة العربية كما هو عليه حالها اليوم، لن يمنع عن الولايات المتحدة من أن تتلقى مصالحها ردود فعل شعبية عنيفة في المنطقة، ستكتوي بنارها طال أم قصر الزمن. وبالتالي أصبح الرهان على الديموقراطية مجرد وهم نحن غير جديرين بها على ضوء هذا المشروع الجديد، ما دامت تجربة (حماس) وفوزها في الانتخابات بدَّدت حسابات ورهانات الإدارة الأمريكية حول الديموقراطية في "الشرق الأوسط".


    مشروع خريطة "الشرق الأوسط الجديد"
    ويمكن القول إن ما تسعى إليه إدارة بوش الجديدة هو وضع لبنات تغيير ملامح "الشرق الأوسط" قاطبة، على نحو يأتي مقاسه يناسب حذاء "إسرائيل": الحليف الوحيد الذي يمكن أن تثق به.

    ويقوم عنوان هذه الخريطة الجديدة على تقسيم طائفي ومذهبي وعرقي يشمل خريطة "الشرق الأوسط" برمتها. وينتظر أن يشكل تقسيم العراق إلى دويلة للأكراد في الشمال، دويلة للشيعة في الجنوب ودويلة للسنة في الوسط النموذج الذي سيتم تعميمه في كل المنطقة.

    ومن خلال هذا التقسيم يمكن أن تلعب الجماعات "الشيعية" الموالية للولايات المتحدة في العراق دور المساندة والدعم لإخوتهم "الشيعة" في محافظة الأحساء - موطن الأقلية الشيعية في السعودية - تمهيدا لإلحاقهم بـ"دولة عربية شيعية" في جنوب العراق تحول دون حلم "جمهورية إيران الإسلامية" أن تصبح "قبلة كل شيعة العالم".

    لا يخفى هذا المشروع أن جمع الأقليات "الشيعية" في دولة يكون عمادها الجنوب العراقي وحكامها من "الشيعة" الموالين لواشنطن، تمكننا من فهم دلالات الحرب الدائرة ضد "حزب الله" في لبنان ومحاولة القضاء عليه للتخلص نهائيا من "مشروع شيعي" يدافع عن القضايا القومية العربية ويقف حائلا أمام إدماج لبنان في "مشروع الشرق الأوسط الجديد".

    وتمتد حدود هذه "الدولة الشيعية العربية" إلى الجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الغربية من إيران الذي يعرف بالأحواز. ويمكن القول أن هذه "الدولة الشيعية العربية" سيلقى على عاتقها الوقوف في وجه إيران الحالية، فوجود "دولة شيعية" موالية للولايات المتحدة سيكون بمثابة قوة التوازن مع وجود "دولة شيعية" معادية، وستكون الأولى، بما يتوفر لديها من إمكانيات مادية - نفطية بالدرجة الأولى - وبما لديها من "آيات الله" تم ترويضهم لخدمة المصالح "الاسرائيلية"، قادرة على سحب البساط من تحت أقدام النزعة الثورية في ايران.
    غير أن ما يتهدد البلدان الأخرى، بخاصة السعودية لا يقتصر على إذكاء نار التفرقة المذهبية والطائفية بين "الشيعة والسنة"، بخاصة في منطقة (الأحساء) التي تقطنها أقليات "شيعية"، فخبايا المشروع تهدف إلى حرمان خزينة المملكة من عوائد النفط التي تزخر بها المنطقة الغنية بالنفط، تمهيدا لتجريد "الدولة السعودية" من أي قوة وأية موارد، و"سيكون ذلك بمثابة العقاب النهائي على قيام سعوديين- وهابيين بتفجيرات 11 سبتمبر 2001"!. فـ"الوهابية" التي تثرى بالنفط اليوم يجب أن تفقر وتنشغل بحروب داخلية بين نجد والحجاز والاحساء لاستعادة أمجاد الماضي -الراهن-.

  2. فاتيكان الحجاز

    ويحمل في طياته ظهور "فاتيكان جديد" للعرب في إمارة الحجاز، يوكل الإشراف عليها لأمير هاشمي يعول عليه في إذكاء وإحياء نار الصراع المذهبي الذي حدث سنة 1924، بين آل سعود وآل هاشم حكام الأردن حاليا، تمهد خروج الأماكن المقدسة من سيطرة "خادم الحرمين الشريفين"، بحيث يتم إعداد لجنة دينية مكونة من المذاهب الإسلامية يعهد لها مهمة الإشراف على مناسك الحج والشؤون الدينية.

    بطبيعة الحال، فأن ما يبرر ظهور هذا "الفاتيكان" الجديد في إمارة الحجاز، يجد سندا في المزاعم التاريخية التالية: فالإمارة وقعت بالفعل تحت إمرة الأشراف، فرع بني هاشم الذين حكموها إلى غاية سنة 1924، موعد سقوطها في يد آل سعود. والهدف هو تحجيم التأثير الوهابي المسؤول في نظر واشنطن عن "التطرف الإسلامي"، كما عن امتداده وتغلغله في باقي البلدان العربية والإسلامية.

    ويتعمد أصحاب المشروع تناسى الدور الذي قام به آل سعود من جهود لتوحيد قبائل المملكة في حينه وضمان الأمن في ربوع الحجاز ومنع لانتشار الفوضى القبلية، وما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب من رد البدع وعدم التمسح بالأضرحة والقبور والدعاء، كما إعادة الاعتبار للسنة والعرب.

    ومهما يكن من أمر، فأن هذه الدعوة يتم اتخاذها مطية للتبشير بتقويض دور السعودية الديني ودورها في العالم العربي والإسلامي عبر السيطرة على الأماكن المقدسة، مما يسهل من أمر بعث هذه الإمارة من جديد. وما يتم تقديمه من ذرائع في هذا الباب يستند على ضرورة إحيائها من جديد، بحيث تتم الإشارة التاريخية إلى مؤسس الدولة الهاشمية الحسين بن على وأبنائه - علي، عبد الله، فيصل وزيد -. فابنه علي أكبرهم كان أمير الحجاز قبل سقوط الإمارة في يد سعود الكبير موحد الجزيرة العربية، أما عبد الله فتولى مقاليد الأردن ومن بعده جاء الملك الراحل الحسين. بينما عرف حكم فيصل للعراق فشلا ذريعا بعد قيام الثورة. وهذا القسم الذي يتم بتره وإلحاقه بالمملكة الأردنية الهاشمية، يمثله الحجاز والقسم المتعلق بشمال وشرق المملكة.

    مؤدى هذا التحول إغراق السعودية في بحر القلاقل والتوترات وعزل حكم آل سعود في منطقة نجد، ما يرشح المملكة الهاشمية الأردنية أن تمد من نفوذها وتستعيد ماضيها التليد في الحجاز. لكن الهدف من هذا كله هو ضمان عمق جغرافي وجيو-سياسي "لإسرائيل" عبر هذه الدولة الحليفة، تحول دون أي مفاجآت قد تأتى من منطقة نجد.

    ويعتبر التقرير أن المملكة العربية السعودية ليست سوى كيان مصطنع لا يملك شرعية تاريخية ولا مقومات البقاء، بالقياس إلى أن تاريخ نشأة المملكة حديث مقارنة مع تاريخ الدول والممالك.

    لذلك تراه يعول بالأساس إلى ركوب موجة التذمر والغضب المستشرية بين الناقمين على آل سعود، بخاصة في منطقة (الأحساء وعسير والحجاز)، فهذه المناطق تعتبر مفتاحا لإثارة المزيد من التوترات وإشعال فتيل الفتنة الطائفية والمذهبية، بغاية تفجيرها في الوقت المناسب لإعادة صياغة خريطة المملكة.


    وما يقدمه التقرير من تعليل لإسناد مشروع التقسيم على أساس طائفي ومذهبي وعرقي يستند في عموميته إلى ما يلي:
    إن طبيعة منطقة الحجاز أبعد ثقافيا واجتماعيا ومذهبيا من تمثل المذهب الوهابي الذي تم فرضه بحد السيف والإكراه فيها. فأهل الحجاز تبنوا طويلا مذهب الحنفية المعتدل، بحيث لن العودة لإذكاء نار الاحتراب الداخلي على قاعدة مذهبية يعنى محاولة تقليم أظافر الوهابية وإرجاعها إلى موطنها الأصلي في (الدرعية) وربوع نجد بعد تجريد آل سعود وآل الشيخ من الإشراف على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة على نحو يضمن ويقلل من شرعية آل سعود القائمة على توحيد البلد سياسيا ومذهبيا.

    فالحجاز قلب الإسلام، وأي سيطرة على المدينة ومكة يخول لصاحبها دورا ومكانة رمزية لا يستهان بها، كما أن هوية الحجاز الإقليمية وطباع أهلها في نظر التقرير يؤهلها للاستقلال عن حكم آل سعود، بحيث تتميز مدن جدة والطائف عن سائر مدن المملكة طباعا وسلوكا ومذهبا، علاوة أنهم اعتمادا على التقارير التي استندوا إليها وتصلهم من عين المكان تقوم على دراسة طباع أهل الحجاز، تثبت بالنسبة لهم أن أهلها يختلفون في كثير من تقاليدهم وعاداتهم عن عادات البدو الصلدة وأهل نجد. فأهلها في نظرهم متسامحون دينيا بفعل إتباعهم مذهب الحنفية الوجه النقيض للوهابية، مما ساعدهم على نبذ التعصب الديني. كما أنهم منفتحون ومن أكثر الناس اختلاطا، إذ تزاوجوا مع كثير من الوافدين من خارج الجزيرة.

    ويتنبه الخبير (رالف بيتر) إلى أهمية استغلال عامل إضافي قد يذكى النعرات القبلية والمذهبية بشدة، فهو يرى "أن آل سعود أحكموا قبضتهم على موارد البلاد، ما وضع أهل الحجاز في مرتبة دونية"، أي جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية يأتي بعدهم "الشيعة" في المرتبة الثالثة. ويطرح الخبير ضرورة بلورة مخطط لفصل الحجاز وانشقاقه بمساعدة عودة الهاشميين إلى الحكم في إمارة الحجاز، فهو يرى أن عودة أمير هاشمي لحكم إمارة الحجاز سيفتح آفاقا أمام الأسرة الحاكمة في المملكة الأردنية الهاشمية كي تلعب دورا كبيرا في المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ومن شأنه إضعاف آل سعود إلى الأبد.

    لا يقف هوس العداء إلى أي حد بحيث يتم اتهام السعودية بأنها "تقف وراء الإرهاب"، بخاصة عندما يعتبر "أن انتماء عدد من منفذي أحداث 11 سبتمبر هم من منطقة عسير"، والمقصود من هذه الإشارة التي لا تخلو من مغزى، أن منطقة (عسير) أصبحت في نظرهم خزانا لتفريغ المتطرفين والإرهابيين، لذلك يجب استغلال هذا الوضع لدفع أهلها لتفجير نقمتهم وغضبهم على آل سعود. ومن ثم التمهيد لانفصال هذه المحافظة عن السعودية وإعادة إلحاقها وإدماجها في اليمن.


    أما بخصوص سيناريو الخريطة الجديدة بالنسبة لإيران، فهو يشابه في ضرره ما سيلحق السعودية أو يزيد، بحيث يلحقها الاقتطاعات التالية:
    جزء كردى يلتحق بـ"الدولة الكردية"، و"دولة شيعية عربية"، و"دولة بلوشية"، ودفع "الأقلية الأذربيجانية" للانفصال - حدثت بالفعل توترات كبيرة في هذه المنطقة مؤخرا -، وفي نفس الوقت، يتم اقتطاع جزء من أفغانستان الذي توجد به "أقلية شيعية" كي يتم إلحاقه بإيران الجديدة. كما يرى التقرير ضرورة اقتطاع أجزاء من باكستان وإلحاقها بأفغانستان الجديدة.


    بطبيعة الحال، يتم تبرير هذا التقسيم ومنطق الحدود الذي يتضمنها "مشروع الشرق الأوسط الجديد" استنادا للدعاوى التالية:
    - لم تعد الحدود الموروثة عن الاستعمار البريطاني والفرنسي تفي بضمان مصالح الإمبراطورية الجديدة وممارستها الوصاية على الممرات البحرية والبرية على نحو كامل، ويتم ترجمة ذلك بلغة دبلوماسية، مفادها "أن الحدود الإقليمية الموروثة غير عادلة وأضرت كثيرا بالعديد من الأقليات والطوائف"...

    - منطق الجغرافيا السياسية الحالية في "الشرق الأوسط" تمت لصالح طوائف ومذاهب بعينها كرست الاستبداد والاستحواذ على السلطة، لذلك يجدر إعادة التوازن برسم "خريطة جديدة تمكن أقليات وطوائف ومذاهب لعب دور التوازن". ومؤدى هذا الأمر إضعاف الدول الوطنية الحالية وتحويل المنطقة إلى أشبه بكانتونات ومقاطعات... دائما بحاجة إلى الحماية الأمريكية.
    - بدعوى أن العديد من الإثنيات والأقليات والطوائف تتحمل وزر الحدود الحالية، يجب تغيير الحدود السياسية وفق منطق طائفي وإثني يجعل في نظرها الحدود الجديدة أكثر ثباتا وأمن الدول أكثر استقرارا. ويشير التقرير إلى كثير من الأمثلة مثل ما لحق يوغوسلافيا من تفتيت وما تمخض عنه التقسيم: كوسوفو، صربيا وما جرى أيضا في القوقاز.

    - الحدود الحالية في "الشرق الأوسط" تخدم أنظمة أقلية تسيطر على الدولة - الأمة وتستفرد بثرواتها على حساب الأقليات القومية والدينية والعرقية، ما يولد رد فعل لدى هذه الأقليات ويدفع العديد من أفرادها لحمل السلاح والتطرف.
    وبإيجاز شديد، هكذا، انقلب مشروع "نشر الديموقراطية" على ظهر دبابة إلى مشروع طائفي وعرقي بامتياز، حيث يتم تسويغ مفاهيم حقوق الأقليات والمطالبة بالتوازن ورد الاعتبار للأقليات - الأكراد، البلوش، الشيعة العرب، المسيحيين...- كي يتم صياغة خريطة "الشرق الأوسط الجديد".

    وبالعودة إلى ما سبق هذا التقرير من مشاريع سبقته وتحمل نفس المضمون، سنجد دراسة زاشاري لطيف التي تم نشرها سنة 2002، أي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، لتكون دليلا على أن يتم التخطيط له في البنتاغون ينفذ بالفعل في آخر المطاف. فقد اقترحت هذه الدراسة التي طبق "الحاكم المدني بريمر" بعض ما ورد فيها تقسيم العراق طائفيا وإخراج بدائل سياسية عرقية ومذهبية في كل من شمال ووسط وجنوب العراق، وقد شددت نفس الدراسة على ضرورة إعادة تشكيل خريطة العراق وإيران والسعودية وتقسيمها إلى عدة دويلات.

    الوجه الثاني لمشروع (رالف بيتر) أنه يجمع في محتوياته أيضا ما كان قد اقترحه "شيمون بيريز" سنة 1992، للإجهاز على ما تبقى من لحمة "جامعة الدول العربية" المعطوبة وضم دولها إلى حظيرة "سوق مشتركة في الشرق الأوسط" تضمن من خلالها "إسرائيل" الاعتراف والتطبيع والريادة. غير أن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وفشل محاولات بيل كلينتون في "الشرق الأوسط" أقبر المشروع في ذلك الوقت.
    ولكن، يبدو أن الوقت قد حان، للبدء بمحاولات جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق