التوترات بين إيران والسعودية تشتعل في لبنان
- 20 مايو/ أيار 2016
ردد آلاف المشيعين في ضاحية بيروت الجنوبية مرارا هتاف "الموت لآل سعود" حينما تجمعوا الأسبوع الماضي لدفن القائد البارز في جماعة حزب الله اللبنانية مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا.
وقالت الجماعة الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، والتي تقاتل بجانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، إن بدر الدين قتل "جراء قصف مدفعي للجماعات التكفيرية في المنطقة".
عبرت هذه الهتافات ضد العائلة المالكة في السعودية عن شعور شديد بالامتعاض من جانب جماعة حزب الله، التي تأسست في الثمانينيات من القرن الماضي لمحاربة احتلال إسرائيل لجنوب لبنان ولا تزال تكرس نفسها رسميا لهدف "تحرير فلسطين"، رغم انخراطها الآن بشدة في الحرب الدائرة في سوريا.
لكن المشيعين في بيروت كانوا يرددون هتافات مشابهة لتلك التي رددها محتجون غاضبون أمام السفارة السعودية في طهران في يناير/ كانون الثاني الماضي حينما اقتحموا مبنى السفارة بعد أن نفذت الرياض حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر.
في شوارع بيروت، التي غالبا ما يرفع فيها أعضاء وأنصار حزب الله قبضتهم وهم يهتفون "الموت لإسرائيل"، جاءت التهديدات ضد العائلة السعودية المالكة لتذكر بشدة بالتغير السريع في مشهد المنطقة وحروب الوكالة المتصاعدة بين إيران والسعودية من سوريا إلى اليمن.
في لبنان، ظلت المنافسة بين إيران والسعودية تشتعل بشكل أكثر هدوءا على مدى سنوات وبوسائل على نفس المستوى من الخطورة، لكنها تصاعدت في الشهور الأخيرة.
ولمواجهة قوة حزب الله ونفوذ إيران في لبنان، دعمت السعودية منذ فترة طويلة مجموعة متنوعة من السياسيين والمؤسسات داخل لبنان، أبرزها عائلة الحريري، ومنهم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري ووالده رفيق، الذي كان أيضا رئيسا للوزراء وبنى ثروته في السعودية وقتل في تفجير هائل بشاحنة مفخخة في عام 2005.
اتُهمت سوريا بالتورط في قتل الحريري، واتهمت محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان لاحقا القائد البارز بحزب الله مصطفى بدر الدين غيابيا بتدبير عملية الاغتيال.
تقويض الدولة
ومن التجربة السابقة، فإن مقتل الحريري يبدو الآن أنه كان اللحظة التي بدأ فيها حلفاء إيران التصدي للنفوذ السعودي في لبنان، لكن المملكة لم تدرك ذلك سريعا في الوقت الذي بدأ حزب الله إضعاف مؤسسات الدولة اللبنانية.
بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران في يناير/ كانون الثاني الماضي، طلبت الرياض عقد اجتماع لجامعة الدول العربية بالقاهرة، والتي أدانت بالإجماع الهجوم على السفارة.
وتغيب لبنان، ممثلا بوزير خارجيته الحليف لحزب الله، عن الحضور. وأثار هذا غضب السعودية التي أوقفت حزمة مساعدات للجيش اللبناني قيمتها ثلاثة مليارات دولار.
وتقلصت الأموال التي كانت تضخها السعودية في المؤسسات المحلية اللبنانية، ومنها وسائل الإعلام.
وهددت دول الخليج بطرد أي لبناني يكون له صلات بحزب الله. وهناك نحو 400 ألف لبناني، معظمهم من المهنيين المهرة، يعملون في دول الخليج ويرسلون إلى بلدهم 2.5 مليار دولار سنويا.
وقال محمد بازي الأستاذ بجامعة نيويورك والذي يؤلف حاليا كتابا عن الحروب بالوكالة بين إيران وحزب الله "لا اعتقد أن السعوديين تخلوا عن لبنان، لكنهم وصلوا إلى نقطة تساءلوا عندها لماذا يجب عليهم الاستمرار في ضخم أموال في مكان مازالت إيران تتمتع فيه بنفوذ أكبر منهم".
واعتبر بازي أن هذه سياسة محفوفة بالمخاطر قد تجعل السعوديين بلا حلفاء في لبنان، قائلا "بالطبع، جزء من هذا هو أن الأموال لا يمكنها وحدها تشكيل سياسة وتحالفات إقليمية".
ويقول المعارضون لهذا النهج السعودي إن الأزمة هذا العام هي ذروة سنوات من سوء إدارة الملف اللبناني من جانب السعوديين أنفسهم الذين نادرا ما استندت سياستهم التي يطلق عليها "دبلوماسية دفتر الشيكات" إلى رؤية استراتيجية، وجرى تقويضها الآن بشدة بسبب التراجع في أسعار النفط.
قالت حنين غدّار مديرة تحرير موقع "ناو ليبانون" الناطق باللغة الإنجليزية إن الخطوة التي اتخذتها السعودية هي أيضا جزء من إعادة ترتيب الأولويات السعودية في المنطقة. والسعودية تتهم إيران بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن، واتهم حزب الله بتدريبهم.
وتضيف غدّار "أدركت السعودية أن حزب الله لم يعد فصيلا لبنانيا، لكنه لاعب إقليمي، وأنه ليس هناك جدوى من استخدام الحلفاء اللبنانيين في خوض هذه الحرب الإقليمية".
نسيج المجتمع
أعرب مسؤولو دول الخليج عن رغبتهم في أن يروا اللبنانيين يتخذون موقفا ضد حزب الله، وهو مطلب غير معقول يصعُب تحقيقه ليس فقط لأن هذه الجماعة الشيعية شديدة التسليح، لكن لأنها جزء من نسيج المجتمع اللبناني.
ترى غدّار أن حزب الله لا يمكن هزيمته إلا من الداخل من خلال طائفته. لكن بالرغم من وجود شائعات خافتة عن وجود معارضة داخلية، لم تظهر أي محاولات ناجحة لبناء مجتمع مدني شيعي. وفشل الدبلوماسيون السنة في البلاد في الغالب في التواصل مع الطائفة الشيعية.
وفي ظل التنافس بين هذين القطبين الإقليميين على مدى عقد من الزمن، فإن حالة المد والجزر لهذه التوترات أضرت بلبنان وسياسته مرارا.
قال رجل أعمال لبناني، فضل عدم الكشف عن هويته، إنه ربما يكون من الأفضل أن يصبح هناك معسكرا واحدا فقط في نهاية المطاف.
وأضاف "على الأقل لن نصبح ممزقين في اتجاهات مختلفة. هذا قد يؤدي إلى مزيد من الاستقرار".
وبدأت مجموعة من رجال الأعمال التوجه إلى إيران للتعرف على فرص الاستثمار هناك بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى العام الماضي.
وأضاف رجل الأعمال "لقد ساعدنا في بناء السعودية والخليج، والآن إيران أصبحت إلدورادو الجديد (مكان الثروات الكبيرة والفرص الرائعة للاستثمار)".
ربما سيتكيف اللبنانيون مع النظام الجديد للأمور، لكن الأزمات مازالت تلوح في الأفق.
وهدد حزب الله البنوك اللبنانية، التي تلتزم بعقوبات أمريكية جديدة تحظر التعامل مع أي أفراد مرتبطين بالجماعة. وتشمل العقوبات أعضاء البرلمان من حزب الله الذين يحصلون على رواتب.
وحذرت غدّار من أنه إذا كانت السعودية تركز الآن بصورة أكبر على التصدي للنفوذ الإيراني في سوريا واليمن، فإنها ربما تجد نفسها تحول الانتباه إلى لبنان إذا انسحب حزب الله من سوريا وعاد مقاتلوه إلى الداخل حينما يضع الصراع السوري أوزاره.