مأسسة "المتعة" في العراق: مخاوف اجتماعية ومذهبية وسياسية
هو "زواج المتعة" يعود مجدداً إلى الواجهة في العراق. في الواقع، ما يُحكى عن انتشار واسع لهذا الزواج المؤقت، وفق المذهب الشيعي، ليس جديداً على الساحة التي تعيش حرباً خلفت الآلاف من المطلقات والأرامل (المرشحات المثاليات لهذا النوع من الزواج)، لكن الجديد كان في محاولة مأسسة "المتعة" عبر افتتاح مركز رسمي يسهل هذه الزيجات ويدير إجراءها، لا بل يروّج لها تحت شعار "خدمة الشباب ومنعهم من الانحراف إلى الحرام والضياع".
"مؤسسة طريق الإيمان الإسلامية" الإيرانية (ومقرها مشهد) افتتحت أول فروعها في بغداد، وفتحت معه الباب لمئات الزيجات المؤقتة يومياً، وسط جدل واسع حول هذه الممارسات التي تواجه إشكاليات عدة في المجتمع العربي، وتخلف آثاراً واضحة في مجتمعات الحرب.
آليات الزواج: استمارة وبطاقة شحن و20 دولاراً
"فاطمة/ 26 عاماً/ أرملة.. ياسمين/ 30 عاماً/ مطلقة.. رشا/ 19 عاماً/ مطلقة// رقية/ 27 عاماً/ أرملة…"، هذه بعض الأسماء التي أوردتها لائحة المؤسسة في العاصمة بغداد وتمكن الباحث عن "المتعة" من اختيار اسم المرأة ثم ترك التنظيم للمؤسسة.
الأخيرة تُعرّف عن نفسها، بحسب صفحتها على فيسبوك وتديرها ياسمين الدارجي (مع العلم أن الصفحة جرى قرصنتها أخيراً)، بأنها الأولى في الشرق الأوسط التي تساعد الشباب من خلال 14 مكتباً تابعاً لها في كل محافظة، و16 فندقاً لإتمام الزواج، ومشايخ يعقدون الزواج أبرزهم صادق الموسوي. العقد مجاني، ويكفي أن يملأ الشاب الاستمارة ويدفع للمؤسسة رسماً رمزياً (اختيارياً) ثم يؤمن بطاقة شحن "آسياسيل" لتسهيل الاتصالات، في حين تحصل الفتاة على مبلغ 20 دولاراً يومياً. يذكر أن "زواج المتعة" هو زواج مؤقت يفترض فقط تحديد الوقت حسب الرغبة (يمكن من يوم واحد إلى 99 عاماً) والمهر (يمكن أن يكون رمزياً)، ولا ميراث فيه للزوجة أو الأولاد (في حال الحمل)، ويحصل فيه الفراق عند انتهاء المدة المحددة وإلا بات في خانة الزنا.
بعد الاتفاق على الاسم وآلية التنفيذ، تجري المراسلات سراً، بينما تدعو المؤسسة إلى احترام الخصوصية وشروط المؤسسة. وللترويج لهذا الزواج تنشر المؤسسة على صفحتها مقاطع لرجال دين شيعة يدافعون عن شرعيته. وقد فتحت المجال لأسئلة وأجوبة مع المرجع الشيعي علي السيستاني حول شروط الزواج، كزواج المتعة للمتزوج، عن الأولاد في حال المتعة، وزواج المتعة من امرأة تمتع بها الأب أو الأخ سابقاً…).
يُذكر أن العديد من صفحات "الفيسبوك" ومواقع التواصل في العراق تتولى هذه المهمة، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
منتقدو "المتعة": "زنا حلال" و "تهديد للمجتمع"
تنتقد المذاهب الإسلامية غير الشيعية هذا الزواج وتعتبره "حراماً حرّمه الرسول" وهو من "الأنكحة الباطلة المحرمة بالإجماع، ولا يجوز لأحد الإقدام عليه، ولا التفكير به، ولا الاستماع إلى شبهات من يبيحه".
يذكر أن الانتقادات العديدة لهذا الزواج دفعت إيران إلى اغلاق مكاتب متخصصة فيه في تسعينات القرن الماضي، لتعود وتفتح في السنوات الماضية بشكل كبير، كما أنه كان سرياً في العراق لا سيما في عهد الرئيس صدام حسين الذي كان يجرمه ويعاقب في أحيان كثيرة بالاعدام من يتهم بارتكابه. ويستنكر كثيرون السماح لمثل هذه الجمعية باستدراج عدد كبير من النساء، لأن ذلك ستكون له آثار سلبية خاصة مع وجود ملايين النساء الأرامل والمطلقات في المجتمع العراقي، اللواتي لا معيل لهن ولا راعي للكثير منهن وسط حياة تتطلب توفير الكثير من المستلزمات لهن ولأولادهن، مما يجبرهن بتشجيع من بعض رجال الدين على التورط في مثل هذا الوضع.
وينبع الاستنكار كذلك من خطر هذا الزواج بأن يخلف المزيد من أبناء الشوارع وانتشار الأمراض، في وقت لا يوجد قوانين واضحة تنظم موضوع الأولاد. وبحسب تقرير لوزارة الصحة، التي طالبت البرلمان العراقي بإصدار تشريع جديد ينظم ضوابط هذا النوع من الزيجات، فإن من بين كل سبع زيجات متعة يولد طفلان يكون مصيرهما مجهولاً، في وقت تتزايد الأمراض المنتقلة جنسياً.
وفيما يشترط الشرع موافقة والد أو جد الفتاة البكر، لا يفعل كذلك إن كانت تتولى شؤون نفسها ويترك حرية الزواج للأرامل والمطلقات، لكن قيود المجتمع وعدم تقبله لهذا الزواج يترك الفتاة المقبلة عليه تعمل سراً وتتخلص من تبعاته (الأولاد مثلاً).
سبب آخر يجعل هذا الزواج مثاراً للاستفزاز والسخرية يتمثل في بعده المذهبي. فارتباطه بالمذهب الشيعي، وافتتاح المؤسسة الإيرانية في العراق، وازدياد الحالات مع الزوار الإيرانيين، يجعله مدعاة حرب من الطرف السني في ظل تزايد الشحن المذهبي في العراق. في وقت يعتبره آخرون مثالاً صارخاً عن التأثير الإيراني في العراق، ومحاولة تشويه ثقافة البلاد عبر فتاوى دخيلة على الشعب العراقي، لا سيما القبائل منه.
ويرى من يرفضون الزواج بأنه أصبح تجارة تقلل من شأن النساء و"زنا مجمّلاً"، إذ أحياناً يدفع بعض الرجال ملايين الدنانير من أجل قضاء عدة ليالٍ مع الفتاة أو السيدة المطلقة أو الأرملة، فيما تكون حالات زواج المتعة من الفتيات البكر قليلة جدًا.
مناصرو "المتعة": القرب من الله والتحصن ضد الخطيئة
يستحضر هؤلاء حجة أن "زواج المتعة هو قربة يتقرب بها الشخص إلى الله عز وجل بتحصين نفسه وحفظ دينه"، ويعتبرون أن من حرمه هو الخليفة عمر بن الخطاب وليس الرسول. صحيح أن الزواج يخلو من الإشهار وحفلات الزفاف، ويحصل بالسر عن العائلة، لكنه لا يخالف شرع الله. هذه هي حجة من يناصرون "المتعة"، ويردون بالقول إن السنة يكيلون بمكيالين في الاستهزاء من هذا الزواج وهم يحللون زيجات المسيار على أنواعه (المصياف، المضياف، المسفار…).
كما يلفت مناصرو هذا الزواج إلى إنه يحمي الشباب من "الخطيئة" في ظل صعوبة تؤمن شروط الزواج الدائم اجتماعياً واقتصادياً (في حالة الفتاة البكر) ويحمي النساء الوحيدات (المطلقات والأرامل) في مجتمع خسر شباباً كثر في الحرب.
ويسمح هذا الزواج من محاربة ظاهرة الزنا بأقل الأشكال ضرراً، بينما يفتح مجال الاستفادة أمام نساء كثيرات خسرن رجالهن في الحرب والمعارك المسلحة، مع العلم بأن الإحصاءات تشير إلى وجود حوالي مليون وستمئة ألف أرملة في العراق، بسبب الحروب المتتالية.
ولكن حتى مناصري هذا الزواج من رجال الدين، يقولون بأنه لا يمكنهم أن يقبلوه على أخواتهم وبناتهم لما فيه برأيهم من إهانة للمرأة، وتهديد لمستقبلها في حال وجدت رجلاً مستعداً لزواج دائم معها.
الجدل العقيم ومحاولات العلاج الخجولة
لا يعتبر العراق منفرداً في هذا المجال، فالكثير من زيجات "المتعة" تنتشر في بلدان كالبحرين ولبنان، ويبقى الجدال بشأنها عقيماً كأي جدال على نقاط الخلاف بين المذاهب الإسلامية. لكن أياً كان الموقف من الزواج، فعدم التنظيم والحروب المشتعلة والمحسوبيات وسلطة رجال الدين (المتزايدة في العراق مثلاً بعد الاحتلال الأميركي) تترك هذا المجال مفتوحاً على كثير من التعقيدات والمصالح التجارية في ظل غياب أي ضبط رسمي فعلي، ما خلا بعض المحاولات الخجولة التي يقودها سياسيون أو مسؤولو أحزاب لتقديم منح للزواج أو تنظيم زيجات جماعية.
"مؤسسة طريق الإيمان الإسلامية" الإيرانية (ومقرها مشهد) افتتحت أول فروعها في بغداد، وفتحت معه الباب لمئات الزيجات المؤقتة يومياً، وسط جدل واسع حول هذه الممارسات التي تواجه إشكاليات عدة في المجتمع العربي، وتخلف آثاراً واضحة في مجتمعات الحرب.
آليات الزواج: استمارة وبطاقة شحن و20 دولاراً
"فاطمة/ 26 عاماً/ أرملة.. ياسمين/ 30 عاماً/ مطلقة.. رشا/ 19 عاماً/ مطلقة// رقية/ 27 عاماً/ أرملة…"، هذه بعض الأسماء التي أوردتها لائحة المؤسسة في العاصمة بغداد وتمكن الباحث عن "المتعة" من اختيار اسم المرأة ثم ترك التنظيم للمؤسسة.
الأخيرة تُعرّف عن نفسها، بحسب صفحتها على فيسبوك وتديرها ياسمين الدارجي (مع العلم أن الصفحة جرى قرصنتها أخيراً)، بأنها الأولى في الشرق الأوسط التي تساعد الشباب من خلال 14 مكتباً تابعاً لها في كل محافظة، و16 فندقاً لإتمام الزواج، ومشايخ يعقدون الزواج أبرزهم صادق الموسوي. العقد مجاني، ويكفي أن يملأ الشاب الاستمارة ويدفع للمؤسسة رسماً رمزياً (اختيارياً) ثم يؤمن بطاقة شحن "آسياسيل" لتسهيل الاتصالات، في حين تحصل الفتاة على مبلغ 20 دولاراً يومياً. يذكر أن "زواج المتعة" هو زواج مؤقت يفترض فقط تحديد الوقت حسب الرغبة (يمكن من يوم واحد إلى 99 عاماً) والمهر (يمكن أن يكون رمزياً)، ولا ميراث فيه للزوجة أو الأولاد (في حال الحمل)، ويحصل فيه الفراق عند انتهاء المدة المحددة وإلا بات في خانة الزنا.
بعد الاتفاق على الاسم وآلية التنفيذ، تجري المراسلات سراً، بينما تدعو المؤسسة إلى احترام الخصوصية وشروط المؤسسة. وللترويج لهذا الزواج تنشر المؤسسة على صفحتها مقاطع لرجال دين شيعة يدافعون عن شرعيته. وقد فتحت المجال لأسئلة وأجوبة مع المرجع الشيعي علي السيستاني حول شروط الزواج، كزواج المتعة للمتزوج، عن الأولاد في حال المتعة، وزواج المتعة من امرأة تمتع بها الأب أو الأخ سابقاً…).
يُذكر أن العديد من صفحات "الفيسبوك" ومواقع التواصل في العراق تتولى هذه المهمة، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
منتقدو "المتعة": "زنا حلال" و "تهديد للمجتمع"
تنتقد المذاهب الإسلامية غير الشيعية هذا الزواج وتعتبره "حراماً حرّمه الرسول" وهو من "الأنكحة الباطلة المحرمة بالإجماع، ولا يجوز لأحد الإقدام عليه، ولا التفكير به، ولا الاستماع إلى شبهات من يبيحه".
يذكر أن الانتقادات العديدة لهذا الزواج دفعت إيران إلى اغلاق مكاتب متخصصة فيه في تسعينات القرن الماضي، لتعود وتفتح في السنوات الماضية بشكل كبير، كما أنه كان سرياً في العراق لا سيما في عهد الرئيس صدام حسين الذي كان يجرمه ويعاقب في أحيان كثيرة بالاعدام من يتهم بارتكابه. ويستنكر كثيرون السماح لمثل هذه الجمعية باستدراج عدد كبير من النساء، لأن ذلك ستكون له آثار سلبية خاصة مع وجود ملايين النساء الأرامل والمطلقات في المجتمع العراقي، اللواتي لا معيل لهن ولا راعي للكثير منهن وسط حياة تتطلب توفير الكثير من المستلزمات لهن ولأولادهن، مما يجبرهن بتشجيع من بعض رجال الدين على التورط في مثل هذا الوضع.
وينبع الاستنكار كذلك من خطر هذا الزواج بأن يخلف المزيد من أبناء الشوارع وانتشار الأمراض، في وقت لا يوجد قوانين واضحة تنظم موضوع الأولاد. وبحسب تقرير لوزارة الصحة، التي طالبت البرلمان العراقي بإصدار تشريع جديد ينظم ضوابط هذا النوع من الزيجات، فإن من بين كل سبع زيجات متعة يولد طفلان يكون مصيرهما مجهولاً، في وقت تتزايد الأمراض المنتقلة جنسياً.
وفيما يشترط الشرع موافقة والد أو جد الفتاة البكر، لا يفعل كذلك إن كانت تتولى شؤون نفسها ويترك حرية الزواج للأرامل والمطلقات، لكن قيود المجتمع وعدم تقبله لهذا الزواج يترك الفتاة المقبلة عليه تعمل سراً وتتخلص من تبعاته (الأولاد مثلاً).
سبب آخر يجعل هذا الزواج مثاراً للاستفزاز والسخرية يتمثل في بعده المذهبي. فارتباطه بالمذهب الشيعي، وافتتاح المؤسسة الإيرانية في العراق، وازدياد الحالات مع الزوار الإيرانيين، يجعله مدعاة حرب من الطرف السني في ظل تزايد الشحن المذهبي في العراق. في وقت يعتبره آخرون مثالاً صارخاً عن التأثير الإيراني في العراق، ومحاولة تشويه ثقافة البلاد عبر فتاوى دخيلة على الشعب العراقي، لا سيما القبائل منه.
ويرى من يرفضون الزواج بأنه أصبح تجارة تقلل من شأن النساء و"زنا مجمّلاً"، إذ أحياناً يدفع بعض الرجال ملايين الدنانير من أجل قضاء عدة ليالٍ مع الفتاة أو السيدة المطلقة أو الأرملة، فيما تكون حالات زواج المتعة من الفتيات البكر قليلة جدًا.
مناصرو "المتعة": القرب من الله والتحصن ضد الخطيئة
يستحضر هؤلاء حجة أن "زواج المتعة هو قربة يتقرب بها الشخص إلى الله عز وجل بتحصين نفسه وحفظ دينه"، ويعتبرون أن من حرمه هو الخليفة عمر بن الخطاب وليس الرسول. صحيح أن الزواج يخلو من الإشهار وحفلات الزفاف، ويحصل بالسر عن العائلة، لكنه لا يخالف شرع الله. هذه هي حجة من يناصرون "المتعة"، ويردون بالقول إن السنة يكيلون بمكيالين في الاستهزاء من هذا الزواج وهم يحللون زيجات المسيار على أنواعه (المصياف، المضياف، المسفار…).
كما يلفت مناصرو هذا الزواج إلى إنه يحمي الشباب من "الخطيئة" في ظل صعوبة تؤمن شروط الزواج الدائم اجتماعياً واقتصادياً (في حالة الفتاة البكر) ويحمي النساء الوحيدات (المطلقات والأرامل) في مجتمع خسر شباباً كثر في الحرب.
ويسمح هذا الزواج من محاربة ظاهرة الزنا بأقل الأشكال ضرراً، بينما يفتح مجال الاستفادة أمام نساء كثيرات خسرن رجالهن في الحرب والمعارك المسلحة، مع العلم بأن الإحصاءات تشير إلى وجود حوالي مليون وستمئة ألف أرملة في العراق، بسبب الحروب المتتالية.
ولكن حتى مناصري هذا الزواج من رجال الدين، يقولون بأنه لا يمكنهم أن يقبلوه على أخواتهم وبناتهم لما فيه برأيهم من إهانة للمرأة، وتهديد لمستقبلها في حال وجدت رجلاً مستعداً لزواج دائم معها.
الجدل العقيم ومحاولات العلاج الخجولة
لا يعتبر العراق منفرداً في هذا المجال، فالكثير من زيجات "المتعة" تنتشر في بلدان كالبحرين ولبنان، ويبقى الجدال بشأنها عقيماً كأي جدال على نقاط الخلاف بين المذاهب الإسلامية. لكن أياً كان الموقف من الزواج، فعدم التنظيم والحروب المشتعلة والمحسوبيات وسلطة رجال الدين (المتزايدة في العراق مثلاً بعد الاحتلال الأميركي) تترك هذا المجال مفتوحاً على كثير من التعقيدات والمصالح التجارية في ظل غياب أي ضبط رسمي فعلي، ما خلا بعض المحاولات الخجولة التي يقودها سياسيون أو مسؤولو أحزاب لتقديم منح للزواج أو تنظيم زيجات جماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق